بكين ـ أ.ف.ب
"رجل الدبابة" الصيني الذي اكتسب شهرة عالمية خلال أحداث تيان أنمين على الرغم من انه بقي مجهولا، يجسد الرمز العالمي لعدم اللجوء الى العنف امام القمع المسلح.
و"رجل الدبابة" هو ايضا صورة رمزية من صور القرن العشرين، صورة تاريخية لا تنسى ما زالت تنسخ وتوزع وتستخدم وتحول لعدة اغراض رغم الرقابة الصارمة التي يفرضها النظام الشيوعي الصيني.
وتجرأ ذلك الرجل في الخامس من حزيران/يونيو 1989 قبيل الظهر وغداة سحق ربيع بكين بشكل دام، على ان يوقف زحف رتل طويل من دبابات جيش التحرير الشعبي.
وكان وحيدا يرتدي قميصا ابيض وسروالا داكنا يمسك بكيسين في كل يد، وانتصب وافقا وسط الجادة الشاسعة، شارع السلام الابدي الموازي لساحة تيان انمين التي طرد منها طلاب كانوا يحلمون بالديموقراطية.
وحاولت دبابة الطليعة مرارا الالتفاف على المتظاهر لكنه عاد كل مرة وانتصب امامها حتى ان "رجل الدبابة" فتح حوارا غريبا مع سائقها قبل ان يزيحه من مكانه مجهولون، ربما من المارة او من شرطيين بالزي المدني.
وببروزه لبضع دقائق بشجاعة في عاصمة حاصرها الجنود، تحول "المتمرد المجهول" الى اسطورة لا تنسى، عززها اختفاؤه على الارجح بين ايدي قوات الامن.
وقال المنشق المشهور هو جيا لوكالة فرانس برس ان "ما فعله يرمز الى افكار شباب تلك الفترة".
وسرت كل الفرضيات حول مصير "رجل تيان انمين" فقال بعضهم ان اسمه وانغ ويلين لكن ذلك لم يتأكد.
وعلى غرار اخرين قام هو جيا بتحقيقه الخاص. وقال "تبعت كل الفرضيات دون التوصل الى اكثر مما ورد في بعض الصور وتسجيلات الفيديو. بحثت عبثا عن شهود في الشوارع حتى انني طلبت من بعض اصدقائي في اركان الجيش في شينيانغ مساعدتي على العثور على سائق الدبابة الاولى".
من جانبها لزمت السلطات الصمت الابدي، وبعد سنة على تلك الوقائع اخرجت الصحافية المشهورة في التلفزيون الاميركي باربرا وولترز فجأة صورة "رجل الدبابة" خلال مقابلة مع جيانغ زيمين، الرجل الثاني في الصين.
وسألت "ما الذي وقع لهذا الشاب؟" فحاول جيانغ المراوغة مشيرا الى ان الدبابة لم تدهسه ثم اكد انه لا يعرف مصيره.
وقد التقط تلك الصورة المصور في وكالة اسوشيتد برس جف ويدنر من شرفة فندق بكين.
لكن رغم انه لم يكن الشاهد الوحيد الذي رسم صورة "رجل الدبابة" على الشريط، كانت صورته هي التي حازت المجد ونشرت في العالم اجمع باستثناء الصين، واختارتها اميركا اون لاين (ايه او ال) واحدة من اشهر عشر صور في التاريخ.
ومنذ 25 سنة لا تعد المرات التي استغلت فيها هذه الصورة سواء من طرف منظمات الدفاع عن حقوق الانسان او مختلف اصناف المحتجين.
وألهم ذلك الرمز فنانين من كل القارات واستعمل في الصناعة الدعائية ناهيك عن رسامي الكاريكاتور وحتى في مسلسل "سيمسون" التلفزيوني الذي اعاد المشهد مستخدما سيارات اجرة من نيويورك بدلا من الدبابات.
غير ان هذه الصورة تظل غير معروفة في الصين الخاضعة لرقابة شديدة، اذ ان هو جيا لم يكتشفها الا بعد سنوات من رواجها في العالم اجمع. وقال "في فترة كان قليل من الناس يملكون اجهزة تصوير، هذه الصورة لا تقدر بثمن".
والسنة الماضية، عطلت السلطات على الانترنت تحويرا لتلك الصورة عبر صورة عدد من البط الاصفر العملاق بدلا من الدبابات بعنوان "البط الاصفر الكبير".
وفي اتصال مع فرانس برس روى جيف ودنر (57 سنة) كيف كانت له "علاقة حب وكراهية" مع تلك الصورة التي عزز انتشارها شهرته لكنها ايضا القت بظلالها على بقية اعماله. وقال "وبالنهاية قبلت المكانة التي تبوأها رجل الدبابة في حياتي".
واضاف المصور "احيانا افكر في رجل الدبابة متسائلا ما الذي حصل له، ومن الغريب انني اشعر بقربه. اصبحنا مثل توأمين ملتصقين ربما من الافضل ان لا نعلم ابدا هويته، انه بشكل ما كالجندي المجهول، سيذكرنا دائما باهمية الحرية والديموقراطية وحقنا في الكرامة".
وقال هو جيا تقريبا نفس الشيء "ربما قتل رجل الدبابة او زج به في السجن او هرب الى الخارج، لكن لا يهم ذلك في الحقيقة لانني اظن اننا كلنا رجل الدبابة، ومن هذا المنظور، انه يعيش الى الابد".
أرسل تعليقك