بيروت – جورج شاهين
يقدّر أن تبلغ أرباح المصارف اللبنانية في عام 2013 نحو 1.6 مليار دولار. مصدرها الأساسي فوائد سندات الخزينة التي تعتبر من أبرز مصادر الأرباح إلى جانب الفوائد على الزبائن من شركات ومؤسسات، التي زادت مرتين خلال سنة.
فقد عرفت المصارف اللبنانية ثلاث سنوات عجاف بالمنطق الأمني والسياسي بفعل الأحداث التي مرّت على لبنان منذ اندلاع الأزمة السورية في 2011. وطوال هذه الفترة كانت أرباح المصارف في تقدّم متواصل. في 2011 ربحت المصارف 1580 مليون دولار، وفي 2012 ربحت 1620 مليوناً، أما في 2013 فحاكم مصرف لبنان رياض سلامة يؤكد أن مستوى الأرباح مماثل لما كانت عليه في 2012، أو "مع تحسّن طفيف". كيف تربح المصارف؟ ما هي مصادر أرباحها؟
لكل مصرف طريقته في الأرباح، غير أن الجميع يعمل ضمن النظام ــ النموذج اللبناني. هو ليس "نموذجاً إيجابياً" بالضرورة، لكنه صامد حتى الآن في "عطاءاته". الميزانية المجمّعة للمصارف تظهر، بوضوح، نتائج ما يسمّى نموذجاً. في نهاية عام 2013 ارتفعت الميزانية المجمّعة للمصارف إلى 164.8 مليار دولار، مقارنة مع 151.9 مليار دولار في نهاية 2012، أي بزيادة 12.9 ملياراً. كذلك، ازدادت ودائع المصارف إلى 141.2 مليار دولار مقارنة مع 130.8 ملياراً، أي بنموّ نسبته 7.9%. أما التسليفات للقطاع الخاص، فهي ارتفعت إلى 41.5 مليار دولار مقارنة مع 37.8 ملياراً، أي بزيادة قيمتها 3.66 مليارات دولار ونسبتها 9.6%. أيضاً، ازدادت المبالغ التي توظّفها المصارف في السندات الحكومية (سندات خزينة بالليرة، وسندات يوروبوندز بالعملات الأجنبية) إلى 37.66 مليار دولار مقارنة مع 31.13 ملياراً، أي بزيادة قيمتها 6.53 مليارات دولار ونسبتها 20.9%. وأودعت المصارف في عام 2013 نحو 1.86 مليار دولار إضافية لدى مصرف لبنان، ليصبح مجموع ودائعها لديه نحو 54.3 مليار دولار.
ما هو واضح في هذه الأرقام، أن الزيادة في الودائع وظّفتها المصارف في ثلاثة أبواب: مصرف لبنان، سندات حكومية، قطاع خاص. مجموع المبالغ الجديدة في هذه الأبواب يبلغ 12 مليار دولار، أي ما يوازي 93.1% من مجمل الزيادة اللاحقة بالميزانية المجمّعة، وهذا يعني أن كل المبالغ التي دخلت إلى القطاع استفادت منها المصارف. أما حساب الأرباح الناتجة من هذه المبالغ، وفق طريقة حسابات جمعية المصارف، أي بعد احتساب هوامش الأرباح بالليرة والدولار، فهي تشير إلى أنها حققت ربحاً صافياً من هذا المبلغ بقيمة 155 مليون دولار. هوامش أرباح المصارف ارتفعت إلى 1.3% على الدولار و1.26% على الليرة، وهذا يعني أن أرباحها من محفظة ودائعها الإجمالية، بعد احتساب الاحتياط الإلزامي أنتجت لها في عام 2013 ما لا يقل عن 1.6 مليار دولار.
هذه الصورة لا تعكس الحقيقة بدقة، بل هي تكشف عن نتائج ما يسمى "نموذج القطاع المصرفي". وإذا صرفنا النظر عن طريقة الاحتساب، تظهر مصادر أرباح المصارف على أنها العنصر الأهم، فيما كان تركيز المروّجين لـ"النموذج" يُهمل الأصل، أي طرق الربح وهوية مموّلها. إلا أن النتائج بحدّ ذاتها لا تُخفي أثر هذه المبالغ الطائلة التي تجنيها المصارف.
وبحسب الرئيس السابق لجمعية مصارف لبنان جوزف طربيه، فإن أرباح المصارف في عام 2013 مبنية على أساس أنها "لا تزال تدير الثروات العربية". ويضيف أن "المصارف حافظت على ربحيتها في السنة الماضية. بعضها تقدّم وخصوصاً المصارف التي ليس لديها انتشار كبير في الخارج. أما المصارف التي لديها انتشار كبير، فاضطرت إلى اتخاذ مؤونات على توظيفاتها".
ويشير طربيه إلى أن حصّة سندات الخزينة في الأرباح تراجعت خلال السنة الماضية بسبب انخفاض الفوائد عليها "لكن المصارف تمكنت من تعويض هذا التراجع من خلال التوسّع في تمويل الاقتصاد، أي القطاع الخاص، فيما تبيّن أن نسبة الديون المتعثّرة ليست مهمّة".
وفي الواقع، هناك الكثير من المعطيات التراكمية التي يمكن أن تكشف عن مصادر أرباح المصارف في عام 2013. ففي هذه السنة تحديداً، انخرطت المصارف بتوظيف نحو 34 ألف مليار ليرة في أوراق مالية يصدرها مصرف لبنان (شهادات إيداع) بفائدة مرتفعة تصل في المتوسط المثقل إلى 8.5%. كذلك، قرّرت المصارف أن تزيد الفوائد على الزبائن بمعدل نصف نقطة مئوية، وهذا ما أثار غضب التجار والصناعيين وباقي المؤسسات والأفراد؛ لأن هذه الزيادة هي الثانية من نوعها ومستواها خلال نحو سنة. والعنصر الأكثر أهمية في هذا المجال، أي لتبيان مصادر الأرباح، هو أن المصارف اكتتبت بمبلغ 6.53 مليارات دولار في سندات الخزينة لتصبح محفظتها من السندات كبيرة جداً.
واللافت أن المصارف تستفيد من دعم واسع من مصرف لبنان الذي حرّر لها قسماً كبيراً من الاحتياط الإلزامي بالليرة اللبنانية (الاحتياط يمثّل 15% من الودائع بالليرة التي تمثّل بدورها 44% من مجمل الودائع في القطاع). ولم يكتف المركزي بهذه الخطوة، بل قدّم لها في عام 2013 نحو 2210 مليارات ليرة (1.4 مليار دولار) بفائدة 1%، وجدّد لها هذا المبلغ في عام 2014 بعدما تبيّن له أنها لم تستعمل أكثر من 800 مليون دولار منه غالبيتها ذهب إلى تمويل الشقق السكنية.
ومن زمن التمويل الرخيص، إلى زمن "التسهيلات". ففي السنة الماضية، وفق مصادر مطلعة، حصلت المصارف على هدية جديدة من "المركزي" هي عبارة عن قرار يتيح لها تسعير موجودات الأسهم على أساس سعرها الأساسي، لا على أساس سعرها السوقي، على أن تحتفظ بها حتى تاريخ الاستحقاق وتتوقف عن تداولها. هذا القرار جاء بعدما انخفضت قيمة أسعار الأسهم والسندات المتداولة في السوق إلى أقل من سعرها الأساسي، وبالتالي بات يرتب على المصارف خسائر. ويقول المصدر إن هذا الوضع هو عبارة عن لعبة محاسبية مفرطة زادت قيم محافظ السندات التي تحملها بعض المصارف بمعدّل 20%.
كل هذه الأرباح ليست منفصلة عن جيوب المقيمين في لبنان الذين يموّلون أرباح المصارف من طريقين: الطريق الأول من جيوب الزبائن من شركات وأفراد (كل شركة تحمل تكاليفها لزبائنها حتى تصل الكلفة إلى الزبون الأخير، أي المستهلك) الذين يحصلون على قروض ويدفعون الفوائد والعمولات والرسوم على أنواعها التي بلغت حدّاً مفرطاً لا يتناسب مع معدلات المداخيل في لبنان.
أما الطريق الثاني لتمويل أرباح المصارف من جيوب المقيمين، فهي متصلة بما هو مدفوع من الخزينة العامة، أو من خلال الدعم للفوائد الذي تحصل عليه المصارف من الخزينة العامة، سواء نفذ عبر مصرف لبنان أو وزارة المال أو أي إدارة غيرهما.
تعليقاً على مصادر الأرباح، يقول أحد المصرفيين المتابعين إن الأرباح الحقيقية التي تستعملها المصارف في تعاملاتها اليومية هي تلك المحصّلة من خلال تسليفاتها للشركات والأفراد، أما باقي الأرباح فهي على الدفاتر فقط بين المصارف والدولة، لكن يدفع كلفتها اللبنانيون.
أرسل تعليقك