القدس المحتلة ـ وكالات
شدّد تقرير المراقبة الاقتصادية الأحدث، والذي أصدره البنك الدولي، على أهمية الاعتراف بأنّ نظام الإغلاق الذي طال أمده والقيود الاقتصادية المفروضة على المناطق الفلسطينية كلُّها تُسبّب أضراراً دائمةً لتنافسية الاقتصاد الفلسطيني، في الوقت الذي تُوجَّه فيه جهود مجتمع المانحين نحو توفير إغاثة قصيرة الأجل للضغوط التي تمرّ بها المالية العامة الفلسطينية.
واطلق التقرير المُعنون "التّحدّيات التي تواجه المالية العامة والتكاليف الاقتصادية طويلة الأجل" هذا اليوم قبل اجتماع لجنة الارتباط الخاصة، بصفتها منتدىً للجهات المانحة إلى السلطة الفلسطينية، الذي سوف يُعقد في بروكسل في 19 مارس / آذار الجاري. ويُحلِّلُ هذا التقرير وضع الاقتصاد الفلسطيني ووضع المالية العامة للسلطة الفلسطينية.
وتجدرُ الإشارة إلى أنّ تحليل البنك الدولي للآفاق المتوقّعة لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة اقتصادياً في المستقبل القريب يبقى، في جزء كبير منه، كما هو من دون تغيير. فالمؤسسات الفلسطينية لديها القدرات المطلوبة لممارسة الوظائف التي تضطلع بها الدولة، ولكنّ القيود الاقتصادية التي تفرضها إسرائيل تستمرُّ في تقييد النمو الاقتصادي المستدام. ومن غير المُرجّح أنْ يتغيّر هذا الوضع طالما بقي التّقدّم السّياسي غائباً.
غير أنّ هذا التّقرير الأحدث يُقدّم تحليلاً جديداً عن طريق استكشاف الضرر طويل الأجل الذي يلحق بتنافسية الاقتصاد الفلسطيني، والذي تشكّل من خلال تفاقم وضع المالية العامة وغياب التّقدّم على الصعيد السّياسي.
ويتعرّض الاقتصاد لخطر فقدان قدرته على التّنافس في السوق العالمية وفق ما ورد في هذا التّقرير الذي يبيّن أيضاً أنّ بنية الاقتصاد قد تدهورت منذ أواخر عقد التّسعينيات من القرن الماضي، عندما تراجعت القيمة المضافة للقطاعات القابلة للتبادل التجاري. ويتّضح ذلك من إنتاجية قطاع الزراعة، التي انخفضت إلى مستوى النّصف تقريباً مما كانت عليه، ومما أصاب قطاع التّصنيع من ركود إلى حدٍّ كبير.
واوضح البنك الدولي :"لقد كانت حصة الصادرات من السلع من الاقتصاد الفلسطيني وما تزال في تراجع مطّرد منذ عام 1994، منخفضةً إلى نسبة 7 في المئة، وهي واحدة من أدنى النّسب على مستوى العالم. إضافة الى ذلك، فأن أغلبية الصادرات الفلسطينية تُصدّر إلى إسرائيل وتعتبر ذات قيمة مضافة منخفضة".
وعلى المستوى نفسه من أهمية وجود اقتصاد قابل للحياة على المدى الطويل، فإنّ نوعيّة البنى التّحتية في القطاعات الأساسية، مثل قطاع المياه، وقطاع النّقل آخذةٌ في التّدهور، وهي تُلحق الضرر بالإنتاجية الاقتصادية. كذلك فإنّ هذا الأثر السلبي أشدُّ ضراوةً في قطاع غزة، حيث يتطلّب الوضع توفير موارد كبيرة لرفع مستوى أداء البنى التّحتية إلى المستوى المرغوب في تحقيقه.
ويُمكن كذلك أن تفقد القوى العاملة قابليتها للتشغيل والعمل على المدى الطويل حسب رأي مؤلفو التقرير. ففي ظلّ تدنِّي مشاركة القوى العاملة، والمعدلات المرتفعة للبطالة لفترات طويلة، فإنّ العديد من الفلسطينيين الذين هم في سنّ العمل لا تتوافر لهم الفرصة لتطوير مهاراتهم وهم قائمون على رأس العمل. لقد وفّرت الزيادة التي حدثت في مستوى التّشغيل في القطاع العام نوعاً من الإغاثة قصيرة الأجل، ولكنّ هذه الزيادة ليست مستدامةً، وهي لا تُسهم إلا بالقليل في سبيل إعداد الموظفين لشغل وظائف في القطاع الخاص مستقبلاً.
وقالت مريام شيرمان، المديرة والممثلة المقيمة للبنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة: "يجب أن يبقى الدّعم المالي المستمر من جانب مجتمع المانحين، وأن تبقى الجهود الإصلاحية التي تبذلها السلطة الفلسطينية، بهدف إدارة التحديات الحالية التي تواجه المالية العامة، في مرتبة عالية على سُلّم الأولويات. غير أنّ الحاجة تقتضي القيام بجهود أكثر جُرأةً لوضع الأساس اللازم لاقتصاد قابل للحياة، بهدف منع التدهور المستمر الذي سيكون له تبعاتٌ دائمة ومكلفة على التنافسية الاقتصادية وعلى التّماسك الاجتماعي."
أرسل تعليقك