أكد المستشار الاقتصادي والنفطي، الدكتور محمد سالم سرور الصبان، أن أسعار النفط لن ترتفع ما لم يحدث تخفيض طوعي أو إجباري للمعروض من جانب الدول المنتجة من داخل وخارج "أوبك".
وأضاف الصبان في حديث صحافي أن ترشيد الإنفاق والقضاء على الهدر وتنويع مواردنا الاقتصادية وعدم الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل يجنب الموازنة العامة للدولة العجز المالي في السنوات المقبلة بعد تراجع أسعاره في الأسواق العالمية.
وحذر الصبان من أن وكالة الطاقة الدولية، تستهدف تعطيل دور "أوبك" كمنتج مرجح يستهدف توازن السوق النفطية.
وأكد الصبان أن الوكالة التي تمثل ناديًا للدول المستهلكة تسعى إلى أن تدخل الدول المنتجة للنفط في حرب أسعار تكون نتيجتها انخفاض أسعار النفط بما يضر بالدول المنتجة للنفط ويحقق مرامي الدول المستهلكة.
وأوضح الصبان أن التراجع في أسعار النفط ناتج عن طغيان الفائض النفطي الكبير في الأسواق العالمية بصورة لم يسبق لها مثيل خلال العقد الحالي، فضلا عن طفرة النفط والغاز الصخريين الأميركي في الأسواق بما لا يقل عن 3.5 مليون برميل يوميًا، ومتوقع أن تتجاوز 4 ملايين برميل يوميًا بنهاية العام الحالي، وهي آخذة في الارتفاع مع الانخفاض الكبير الذي لحق بتكلفة إنتاج الصخري نتيجة للتقدم التقني المتسارع والمتلاحق.
وأضاف الصبان أن "تكلفة إنتاج البرميل من النفط الصخري أصبحت في حدود 60 ــ 70 دولار"، مبينًا أن استمرار انخفاض تكلفة إنتاجه سيدفع بالعديد من دول العالم من مختلف القارات كالصين والأرجنتين وبعض الدول الأوروبية وروسيا والجزائر وحتى المملكة التي تمتلك احتياطيات كبيرة من هذا النوع من النفط غير التقليدي لبدء إنتاجه.
وذكر الصبان أن السعودية تمتلك احتياطات كبيرة من النفط غير التقليدي من الغاز الصخري لبدء إنتاجها تقدر بـ660 تريليون متر مكعب، مشيرًا إلى أن هذه الطفرة في إنتاج هذا النوع غير التقليدي من النفط، والذي كان البعض يتجاهله، وآخرون يرحبون به قد غير من صورة الإمدادات العالمية من النفط، فضلًا عن الزيادات الكبيرة التي حدثت وتحدث في إنتاج النفط التقليدي في العديد من دول الأوبك والدول المنتجة من خارج الأوبك.
وبيّن الصبان أن الذي ساعد على حدوث الطفرة الكبيرة من المعروض النفطي التقليدي وغير التقليدي هو الارتفاع الكبير الذي حدث في أسعار النفط، وبقائه عند مستويات أعلى من 100 دولار للبرميل لفترة طويلة نسبيا، والاعتقاد في الأسواق بأنها ستبقى عند هذا المستوى لفترة طويلة، وأن أوبك ستقوم بالدفاع عن هذا المستوى في ظل تصريحات مسؤوليها المتكررة بأن مستوى المائة دولار عادل للمنتجين والمستهلكين والمستثمرين.
وعزا الصبان التراجع في أسعار النفط الذي لا يعد مفاجئا إلى ما صاحب طفرة الإنتاج العالمي هذه من النفط، من انحسار تدريجي في معدلات نمو الطلب العالمي على النفط لأسباب كضعف أداء الاقتصاد العالمي بصورة عامة، وأداء اقتصاد كل من الصين والولايات المتحدة واليابان بصورة خاصة، وما توقعه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في تقريريهما الأخيرين باستمرار الأداء الضعيف للاقتصاد العالمي، ونزوله عما كان متوقعا للعام المقبل على أقل تقدير، كما أن الانحسار التدريجي في معدلات نمو الطلب العالمي على النفط يرجع إلى التغيرات الهيكلية التي بدأت في جانب الطلب في التأثير على أرض الواقع من خلال ظهور تأثير سياسات ترشيد استخدام الطاقة وبالذات في قطاع النقل، وانتشار إحلال المصادر البديلة محل النفط في العديد من الدول وبالذات الدول الصناعية.
لذا نلحظ انخفاض الطلب العالمي على النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية(OECD) خلال السنوات الست الماضية، وحتى دول مثل: الصين والهند وغيرها من الدول الصاعدة لم تعد تنمو في طلبها على النفط مثل ما كانت عليه سابقًا، بل هي تستفيد من تبني التجارب الناجحة في تخفيض استهلاكها من النفط من منظور أمن الطاقة من جهة، ومنظور تخفيض فاتورة وارداتها النفطية من جهة أخرى.
مجموعة العوامل المذكورة أثرت في ظهور تدريجي للفائض في المعروض النفطي، وحدت بالدول المنتجة إلى أن تتنقل بين الأسواق بحثا عن زبائن لنفطها، بل وأقدمت على تقديم الخصومات السعرية تلو الأخرى، واتبعت سياسة تخزين بعض نفطها قرب الأسواق عن طريق استئجار خزانات، أو على هيئة مخزون عائم عبر ناقلاتها لتستجيب لأي ثغرة في الطلب هنا أو هناك.
وقد طغت سمة الأسواق هذه على كل شيء آخر، فلا الأحداث الجيوسياسية تحرك السوق، ولا التوقع بشتاء قارس يفعل شيئًا، والمحصلة هي أنه ما لم يحدث تخفيض في المعروض العالمي طوعيًا أو إجباريًا (عن طريق انقطاع إمدادات دول تشهد صراعات عسكرية مثل: العراق وليبيا ونيجيريا وغيرها) وبكميات كافية لامتصاص هذا الفائض، أو أن يزيد الطلب العالمي على النفط بشكل كبير خلال فصل الشتاء، عدا ذلك فإن الضغوط على الأسعار نحو الانخفاض ستستمر ولفترة طويلة.
وحول دور المضاربات في تراجع الأسعار النفط، أوضح أن للمضاربات دور حتمي كان ولا يزال، فأي فرصة للمضاربين لتحقيق أرباح تدفعهم للدخول في أسواق مختلف السلع والتأثير على الأسعار المستقبلية. دور المضاربين حاليًا منقسم، بعضهم يود أن يخرج من سوق النفط بأقل قدر من الخسائر ببيع ما لديه من عقود وهذا يضغط على الأسعار نزولا. في المقابل، نجد أن هناك فئة من المضاربين التي تدخل أسواق النفط الآن وتشتري عقودا في الأسعار المنخفضة نسبيا، أملا في تحسن الأسعار خلال فصل الشتاء وتحقق بالتالي أرباحا من ذلك.
أما فيما يتعلق بدور إحلال المصادر الجديدة والمتجددة محل النفط في الأزمة الحالية، فكما ذكرت سابقا، فإن التأثير واضح وليس أدل من ذلك أن عموم النقل العام من قطارات وأتوبيسات وغيرها في معظم دول العالم تستخدم إما الكهرباء أو الغاز أو الاثنين معا، وهذا بالطبع يؤثر في طلب هذه الدول على النفط سلبا، وهذا الإحلال مرشح للتصاعد مع تزايد حاجة الدول للاعتماد على الطاقة النظيفة من منظور حماية البيئة والمناخ.
كما أن التقدم التقني في هذا المجال يتسارع بوتيرة كبيرة، وكمثال لذلك فقد بدأت السيارات الكهربائية تحتل أجزاء متزايدة في سوق النقل العالمي.
وفيما يتعلق بالمخاوف الحالية للدول المنتجة من نضوب النفط بيّن أن التخوف الحالي للدول المنتجة ليس من نضوب النفط جيولوجيا، الخوف يكمن في تدهور الطلب العالمي على النفط والزيادات الكبيرة المتوقعة من إنتاج الأوبك وخارجها، وبالتالي انحسار نصيب كبار المنتجين في الأسواق العالمي وتدهور الأسعار.
ومهم تصحيح هذه المفاهيم المغلوطة لدى الكثيرين الذين يطالبون بأن تنتج المملكة نصف أو أقل من نصف العشرة ملايين برميل يوميا حفاظا على الثروة النفطية.
أرسل تعليقك