أبوظبي ـ وام
خصصت مجلة "تراث" الصادرة عن مركز زايد للدراسات والبحوث في أبوظبي - تنفيذا لتوجيهات سمو الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان ممثل صاحب السمو رئيس الدولة رئيس نادي تراث الامارات بدعم الموروث الشفاهي لدولة الإمارات - ملفها لشهر يونيو الجاري لواحدة من أهم الحكايات الشفاهية في البادية وهي "حكاية العقيلي" وفتحت بذلك الباب أمام الباحثين في جميع التخصصات للمساهمة في الكشف عن ملامح هذه الحكاية الفريدة التي تعد درة الحكايات الشفاهية في الإمارات.
وقالت مجلة " تراث " في إفتتاحيتها " تنبع سعادتنا بحكاية العقيلي التي نفرد لها مساحة معتبرة بهذا العدد إلى أمرين الأول هو أن الحكاية رغم شهرتها الكبيرة - تظهر لنور التوثيق والبحث للمرة الأولى على صفحات مجلة "تراث" الأمر الآخر هو أن إصرار هيئة تحرير المجلة كان وراء هذا الظهور الذي نعتبره مجرد بداية لحملة بحث وتوثيق ندعو إلى المشاركة فيها كافة المعنيين بالتراث الشفاهي الإماراتي .. ندعوهم لدعم جهود الباحث الدكتور راشد أحمد المزروعي الذي نجح في استخلاص الحكاية من غياهب الذاكرة وصدور الرواة ومتون القصائد النادرة ليضعها للمرة الأولى على مائدة التوثيق والبحث".
وأضافت أن" حكاية العقيلي التي نحن بصددها ليست مجرد حكاية مشوقة لكنها تنتمي إلى ذلك النوع من الحكايات العامر بالدلالات والمكتنز بالخبرات وهي لذلك تحتاج إلى تضافر جهود الباحثين في العديد من التخصصات العلمية المرتبطة بالمرويات الشفاهية والأمثال الشعبية والأنثروبولوجي والميثولوجي والعادات والتقاليد والأدب والتاريخ لتسليط ضوء البحث عليها من ناحية وإعادة دمجها في الذهنية المحلية من ناحية أخرى .. فهي تحفة سردية نادرة من نوعها ممتلئة بالخيال وهو خيال من النوع المبني على مكونات ومعطيات البيئة والبشر بمعتقداتهم وممارساتهم وأمثالهم الشعبية وتركيباتهم الاجتماعية والقبلية الحاكمة وهي بذلك تقدم مادة غنية للغاية لباقة من التخصصات المعنية بالروايات الشفاهية".
وتأمل "تراث" في أن ينتبه المختصون - على الأقل في الجامعات ومراكز البحث في الإمارات - إلى تلك الحكاية وتؤكد استعدادها لتلقي منهم كل ما يرغبون في نشره بشأنها .. كما تأمل أن ينتبه كتاب الدراما إلى هذه القصة لأنها تصلح لأن تكون مادة رائعة لمسلسل تليفزيوني أو فيلم وثيق الصلة بتراث مجتمع الإمارات وقيمه وفي الوقت نفسه مكتنز بالطرافة والتشويق.
وحول حكاية العقيلي قال الباحث الدكتور راشد أحمد المزروعي المشرف العام على المجلة والذي قام بجمع وتوثيق الحكاية وروايتها تمهيدا لعمليات البحث " يزخر الموروث الشعبي في الإمارات بالكثير من الروايات التي كانت ولا تزال جزءا من التركيبة الثقافية المميزة لأبناء هذه الأرض الطيبة .. لقد ترعرعنا منذ صغرنا على وقع هذه الحكايات التي روتها لنا أمهاتنا وجداتنا وأجدادنا وشيابنا الذين كانوا يعيشون بيننا فأخذت بألبابنا وعقولنا وفتحت لنا عوالم من الجمال والسحر وعلقت في أذهاننا ومخيلاتنا ما إحتوته من أحداث وتفاصيل كنا ونحن صغار نقف عندها بتخوف وترقب ورهبة لنرى الحدث والنتيجة التي تليه".
وأضاف المزروعي " الحكاية التي نحن بصددها اسمها حكاية العقيلي وتنطق باللهجة المحلية " لعـ جيلي " بالجيم المخففة أو الأعجمية هي إحدى تلك الحكايات الشعبية الجميلة التي رافقتني منذ الطفولة والتي أدهشني أن لا أجد لها أثرا كبيرا عندما كبرت وتخصصت في مجال الأدب الشعبي اللهم إلا بعض شذرات أو خيوط وأحداث ومقاطع منها فعرفت أنها - للأسف كما يحدث مع الكثير من موروثنا الشفاهي - اندثرت برحيل رواتها عن دنيانا ".
وأكد أن هذه الحكاية على وجه الخصوص حكاية نادرة لم يكن كل راو يعرفها أو يسردها رغم شيوع إسم العقيلي في الشعر الشعبي المحلي حيث يبدو العقيلي بطلا ورمزا للعشق والغرام والحب وثمة إشارات أخرى من قصة حبه اليازية التي تعلق بها قلبه وبذل الكثير حتى وصل إليها وإشارات إلى معاناة العقيلي وغير ذلك من إشارات إلا أن القصة غابت ككيان كلي ".
وأوضح أنه مما فتح الباب أمامه لمتابعة هذه الحكاية وزاد من إصراره على تقديمها ودراستها ذلك السرد القصصي الشعري لها في قصائد بعض الشعراء الشعبيين وأشهرهم سالم بن سعيد الدهماني وهو أحد الشعراء المشهورين في بادية الإمارات الشمالية الذي سرد القصة بالتفصيل في قصيدة طويلة له تفوق السبعين بيتا كما حكاها غيره من الشعراء ولكن بتفاصيل أقل ".
وقال " وقد إعتمدت في بحثي على الكثير من المصادر الشعرية السابقة كما اجتهدت حتى التقيت عددا من الرواة من كبار السن من مختلف مناطق الإمارات نجحت بعون الله في الوصول إليهم والاستفادة من معرفتهم بهذه الحكاية التي سمعوها من أجدادهم وآبائهم ولا يزالون يذكرونها .. وقد حصلت في الوقت نفسه على القصيدة الشعبية الأصلية والتي يعتقد الرواة أن والد العقيلي قالها في إبنه بعدما وصل إليه ومعه حبيبته اليازية على الناقة صيدح وإن لم تكن كاملة إلا أنها تعد مرادفة للقصة برغم عدم تمكن معظم الرواة من حفظها وسردها كاملة وذلك بسبب وفاة الكثير من الرواة والشعراء الذين كانوا يحفظونها ".
وأضاف أنه" كما حصلت على قصيدة أخرى عمرها أكثر من مائتي سنة وهي أيضا تحكي هذه القصة لكنها قيلت بعدها بعشرات السنين وهي مجهولة ولا يعرف قائلها .. أما القصائد الحديثة والتي قيلت في هذه الحكاية فقد تمكنت من الحصول على قصيدتين لشاعرين من الشعراء الشعبيين في الإمارات من الفترة الحديثة وأظن أن هناك العشرات من الشعراء قد قالوا شعرا في هذه الحكاية إلا أن قصائدهم لم توثق وإندثرت معهم".
وإختتم الباحث الدكتور راشد أحمد المزروعي حديثه لافتا إلى أن السؤال الأهم الذي يبقى هو "هل هذه الحكاية حقيقية أم أسطورة أم خيال " ..وأضاف " الجواب على ذلك أتركه للقراء بعد قراءة هذه الحكاية بأحداثها ورموزها وأشخاصها وهو سؤال تطرحه "تراث" مع وعد بأن نظل باحثين ومنقبين في المصادر لنتوقف على مدى صدق أو خرافة هذه الحكاية أو الأسطورة أو السيرة الشعبية للعقيلي .. ونوجه الدعوة لكل باحث مهتم أو راو على دراية بهذه القصة لأن يساهم معنا بما لديه لكي تعم الفائدة".
أرسل تعليقك