مسرح الشعب يعد تراث البسطاء من أجل فرجة بلا حواجز
آخر تحديث GMT11:38:39
 العرب اليوم -

مسرح الشعب يعد تراث البسطاء من أجل فرجة بلا حواجز

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - مسرح الشعب يعد تراث البسطاء من أجل فرجة بلا حواجز

مسرح الشعب
القاهرة - العرب اليوم

أعادت الهيئة العامة المصرية لقصور الثقافة ضمن مشروعها لإحياء التراث طباعة كتاب «مسرح الشعب» للدكتور علي الراعي (1920 - 1999) أحد فرسان النقد المسرحي في مصر والعالم العربي. يضم الكتاب ثلاثة مؤلفات أساسية في مسيرة الراعي هي «الكوميديا المرتجلة»، «فنون الكوميديا»، «مسرح الدم والدموع». ويتمثل الخيط الرابط بينها في هذا السؤال: هل لا يزال من الممكن البحث عن صيغة عربية للمسرح؟ يجيب الراعي بالإثبات مستشهداً بالكاتب التونسي طاهر قيقه (1922 – 1993)، الذي قال إنه تقدم ذات يوم بالنصح إلى شباب المسرحيين في تونس بأن يلتفتوا إلى التراث القصصي العربي ويستنبطوا منه أشكالاً فنية تخدم المسرح كما عرض عليهم أن يفيدوا من شخصية الراوية في هذا التراث. هذا الرجل الذي كان يمسك بزمام السير الشعبية ومصائر الأبطال ويدافع بها أيضاً عن نفسه حين تقضي وقائع السيرة أن يناصر بطلاً على آخر.

وفي المغرب نبه عبد الله سنوقي إلى أهمية «مسرح الحلقة» في تراث المغرب الأدبي ووصفه بأنه تجمع لعشرات من المتفرجين البسطاء على شكل حلقة يدور في وسطها التمثيل، أما الممثلون فيقومون بأدوار ثابتة يفيضون فيها ويبتكرون من خلال ملخص سريع للأحداث يُعطى لهم من قبل، بشكل ملفق يسخر من كل محاولة لمشاكلة الواقع، والرجال فيهم يقومون بأدوار النساء. ويحرص ممثلو الحلقة على إرضاء جمهورهم فيواجهون الجزء الأكبر منه بوجوههم بينما الجزء الباقي يقتربون منه بظهورهم إلى درجة الملامسة فيستغني المتفرج بهذا عن رؤية وجه الممثل وتحل بهذا مشكلة الرؤية في مسرح الحلقة المغربي، وإلى جوار هذا يسعى الممثلون في مسرح الحلقة إلى دعم فكرة إشراك المتفرجين معهم في الاهتمام بالعرض عن طريق دعوة واحد أو أكثر من المتفرجين إلى المساهمة في التمثيل إلى جوار الممثلين.

وفي المغرب أيضا قام الطيب الصديقي (1939 - 2016) بالدعوة إلى إنشاء مسرح وطني يعتمد على وحدة فنون العرض جميعاً، إنه المسرح الشامل أو كما يسميه هو «المسرح الكامل»، كما دعا إلى توسيع رقعة الجماهير وزيادة عددها وذلك عن طريق إشراكها في الحدث المسرحي إما بنقل هذا الحدث من القاعات الضيقة إلى الشوارع والميادين أو بنقل تكتيك فن الشوارع إلى أبنية المسرح التقليدية مثلما حدث حين قدم مسرحية «ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب» على مسرح «منصة»، مستخدماً أساليب مسرح الحلقة.

على ضوء هذا ينتقد الراعي فكرة المسرح القائم على فكرة نص مكتوب معد من قبل مؤلف عبقري أو موهوب وأصبح وثيقة مقدسة لا يمكن أن يتطرق إليه أي تعديل، لأنه شيء ثابت وأزلي لا يتغير! لافتاً إلى أن هذه الفكرة ستسلم المسرح العربي إلى الجمود الشديد المهدد بالموت مثلما فعلت ببلاد أخرى كثيرة. في هذا السياق حاول يوسف إدريس في «الفرافير» أن يعود إلى تقليد المسرح الشعبي فاستخدم الشخصية الذكية المضروبة الضاربة المستفزة المتظاهرة بالغباء، شخصية الفرفور ويقابلها في مسرح الارتجال شخصية كامل الأصلي.

كما استخدم جو السيرك والأكروبات وبسط على المسرحية مظهراً من مظاهر الكوميديا المرتجلة بتعليقاته على موضوعات الساعة وإشاراته إلى أشخاص حقيقيين افترض وجودهم بين الجمهور وإدخاله ما يشبه حوار القافية بين السيد والفرفور وإنشائه لعلاقة تشبه علاقة الحاوي بمساعده حين ربط بها هاتين الشخصيتين الرئيسيتين وبوضعه ممثلة بين الجمهور لتمثل دور متفرجة وتحقق الصلة المباشرة بين الصالة والخشبة.

ثم جاء مخرج المسرحية كرم مطاوع «1933 – 1996» فكسر الحاجز بين الجمهور والممثلين بأن جعل الفرفور يتجول في ممرات الصالة التي اعتبرت جزءاً من الخشبة. كل هذا جعل كما يقول الراعي المسرحية تستحوذ على قلب الجمهور وعقله معاً، مما يشير بوضوح إلى الاتجاه الذي يود جمهورنا أن تسير فيه العروض المسرحية، في اتجاه يجعل الممثل والمتفرج وحدة واحدة ويلغي فكرة أن الثاني يتفرج في سلبية على ما يفعله الأول ويجعل من المسرحية كائناً حياً متطوراً لا أسطوانة مسجلة يلعبها الممثلون كل ليلة من آلات داخل أجسادهم.

ويجري الراعي مقارنة بارعة بين شخصية «البربري عثمان»، التي جسدها الفنان علي الكسار لتصبح أشهر شخصية في المسرح والسينما بمصر في النصف الأول من القرن العشرين وبين شخصية «أرليكنيو» الإيطالي، فحين قرر علي الكسار أن يطلي وجهه باللون الأسود لم يكن يدري أنه بهذا يربط نفسه من حيث الشكل بواحد من أشهر الخدم في دنيا الكوميديا وأحبهم إلى قلوب الجماهير العريضة والمثقفين معاً، إنه الخادم الماكر الذكي المندفع الجبان محب الحياة ومساعد المحبين الذي يشبه أرليكنيو ذا القناع الأسود.

واللقاء بين عثمان عبد الباسط البربري وأرليكنيو الإيطالي يتعدى مجرد الشكل، ولكن الغريب حقاً أن يلتقي الاثنان في القناع كذلك، ويتساءل الراعي: أهي مصادفة طريفة وحسب، أم أن علي الكسار كان يعرف شيئاً عن الكوميديا الشعبية الإيطالية؟ شيئاً شاهده في الفرق المصرية الجوالة التي كانت تقدم لجماهيرها الشعبية الضحك المرتجل والمحفوظ معاً في مسارح المقاهي وحلقات السيرك منذ أوائل القرن، خاصة أن الكسار كان يهوى التمثيل منذ حداثته وكان دائم التردد على الفرق الجوالة التي تضرب خيامها في ساحات الموالد والأعياد الشعبية، وكان يعجبه كثيراً دور البلياتشو الذي يتبع البهلوان، فكان يصفق كثيراً ويضحك من أعماقه حينما يحاول البلياتشو أن يقلد البهلوان في خفة حركاته ورشاقته المفرطة وهو يثب على الحبل فيقع البلياتشو المسكين لا مفر، وهنا يسأله البهلوان: أنت مت يا بلياتشو فيقول البلياتشو: من زمان!

ولا يستبعد الراعي أن الكسار قد قرر في أعماقه أن يصبح هو الآخر نوعاً من البلياتشو، ولعله أعجب بما في هذا المسكين من تطلع ورغبة في التفوق رغم عجزه الواضح وافتقاره موهبة اللياقة البدنية فانعطف قلب الكسار إليه وقرر أن يعبر عن هذه الشخصية في أعمال فنية متعددة وأن يقدمها بهدف إثارة العطف إلى جانب الضحك منها ومعها.

والبلياتشو واحد من الخدم العديدين في عالم الكوميديا، شأنه في ذلك شأن أرليكنيو، هو مضحك ريفي ظهر قرب نهاية القرن السادس عشر وتعددت أسماؤه بتعدد البلاد التي نجم فيها أو ارتحل إليها، له شرف الفلاح الساذج وصراحته ونقاء روحه، وهو دائماً عون للمحبين يحنو عليهم، والعامل المحرك له هو خوفه مما يحيط من أشياء وأشخاص وتوجسه وتوقعه أن يصيبه المكروه على أيدي الناس، أما أرليكنيو الذي ظهر بعد البلياتشو بقرن تقريباً في نهاية القرن السابع عشر فهو أشهر خدم الكوميديا وأكبرهم أثراً في قلوب الناس في أوروبا.

الكوميديا المرتجلة

وينتقل الراعي إلى رصد مؤسس آخر من مؤسسي الكوميديا في مصر والعالم العربي وهو نجيب الريحاني باعتباره أحد ممثلي ما يسميه «مسرح الشعب»، حيث بدأت كوميديا الريحاني بداية شعبية صرفة استمدت وجودها من فصول الكوميديا المرتجلة التي عرفتها مسارح مصر ومقاهيها وأفراحها منذ أوائل القرن العشرين.

تمرس الريحاني خلال جولته مع فرقة الشامي بحياة الناس ولمس عن كثب أحوالهم وعاش حياة الفقراء، فعلمه هذا كيف يقترب من جمهوره فيما بعد وكيف يسعى إلى إرضائه بوسائل مختلفة، منها ما هو قريب من الإسفاف خاصة في البداية، كما لقنه زميله «عزيز عيد» الدرس الثمين، وهو أنه إذا كان المقصود عرض مسرحية ما من أصل أجنبي على جمهور مصري فمن الواجب أن يدخل في الاعتبار ذوق هذا الجمهور وعاداته ووجدانه وإذن يكون التمصير لا الترجمة هو الأسلوب ويكون التصرف في وقائع المسرحية بما يلائم الذوق المحلي أمراً لازماً وليس عليه غبار.

تعلم الريحاني منذ البداية أن الكوميديا يجب أن تنبع من عرض مسرحي ناجح من فرجة واضحة على أن يسمح هذا العرض بالنقد الاجتماعي وبشيء من الفكر والعاطفة في الوقت المناسب، لهذا فحين عرض إستيفان روستي في عام 1916 على زميله المفلس نجيب الريحاني أن يشترك وإياه في نمرة «خيال الظل» التي كانت تعرض كل مساء في كازينو «أبيه دي روز» لم يكن «الإفلاس» وحده هو الذي دفعه للقبول، بل شعور باطن من الريحاني بأن هذه النمرة تسمح له بأن يتخذها منطقاً لفن ترفيهي متعدد الألوان يتداخل فيه الرقص مع الموسيقى والتمثيل ويعجب طبقات عدة من الجمهور.

ويخلص الراعي إلى أنه حتى النهاية ظلت كوميديا الريحاني أمينة لنشأتها الأولى في حضن المسرح الشعبي، إليه كانت تلجأ كلما تعثرت الجهود لدفع الكوميديا المصرية خطوات أخرى في طريق العمل المسرحي المتقن. ومن الكوميديا الشعبية كان الريحاني ورفيقه بديع خيري يتزودان حتى في مسرحيات النضوج ففي مسرحية «حكاية كل يوم» نجد ثمرة معروفة من ثمار الكوميديا المرتجلة هي ثمرة التمثيل الصامت التي يلجأ إليه الممثل الشعبي ليخرج من ورطة تعبيرية وقع فيها!

ففي فصل «كامل وأولاده» يقع كامل وصديقه في مأزق حين يحتاجان إلى بيض فيطلبانه من صاحب فندق في باريس بلغة الإشارة فالاثنان لا يعرفان الفرنسية، يقلد كامل صوت الدجاجة ويقلد الأفندي صوت الديك ويقوم الاثنان بمحاكاة فكاهية لعملية وضع الدجاجة للبيض يمثلها «طربوش» يتدحرج بين فخذي كامل حتى يصل للأرض فيفهم صاحب الفندق المطلوب!

ولا يتسع المجال لعرض جميع الأفكار التي يحفل بهذا العمل الضخم الذي يقع في 490 صفحة من القطع الكبير، ويعد من عيون تراث النقد المسرحي، ولا يعيبه سوى سوء التنسيق الفني والإخراج الداخلي للصفحات وافتقاده الطباعة الجيدة اللائقة.

قد يهمك ايضا 

الهيئة العامة المصرية كتاب "الأصول الفكرية للحملة الفرنسية"

مصر توقع على مشروع مشترك مع الأمم المتحدة لدعم تنمية القاهرة الكبرى

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسرح الشعب يعد تراث البسطاء من أجل فرجة بلا حواجز مسرح الشعب يعد تراث البسطاء من أجل فرجة بلا حواجز



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab