لبنان يحتفي بالمئوية الثانية لرائد النهضة العربية بطرس البستاني
آخر تحديث GMT11:38:39
 العرب اليوم -

لبنان يحتفي بالمئوية الثانية لرائد النهضة العربية بطرس البستاني

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - لبنان يحتفي بالمئوية الثانية لرائد النهضة العربية بطرس البستاني

وزارة الثقافة اللبنانية
بيروت - العرب اليوم

بعد مائتي سنة على ولادته، وفي ظروف عربية حالكة، يتذكر اللبنانيون «أبو التنوير» و«رائد رواد النهضة العربية» في بلاد الشام، الذي كان له السبق في تشريح سبب التأخر، وتعيين العلل ووصف العلاجات المعرفية، لا بل أكثر من ذلك، فقد كان هو المبادر إلى ابتكار الأدوات بنفسه، مجترحاً إنجازات تكاد تتساءل كيف يستطيعها رجل وحده.

قليلاً ما أعطي بطرس البستاني حقه، لبنانياً وعربياً، لا بل هناك من اتهمه بتغرب وتأورب لا يتناسبان ومجتمعه، مع أن الرجل لم يرحل إلى الغرب كما جبران ونعيمة، ولم ينس الخصوصية أو يضرب عرض الحائط بالدين، بل كان هو نفسه متديناً، ويلقي العظات يوم الأحد، لكنه عرف كيف يجعل الاهتمام بدنياه همّاً وطنياً ويتحلى بما يحسد عليه من الموضوعية والترفع. فهو الذي يقال عنه إنه اشتق كلمة «وطني» وإليه تنسب العبارة المأثورة عند اللبنانيين حين تشتد عليهم المحن الطائفية ويداوونها شفاهاً بمقولته الشهيرة: «الدين لله والوطن للجميع».

أربع وستون سنة عاشها البستاني (1819 - 1883) بكثافة وجد شديدين. منذ التاسعة عشرة بدأ نشاطه الفكري، كان أول من ألف موسوعة عربية حملت اسم «دائرة المعارف»، وأنشأ أول مجلة عربية ذات وزن، وأصدر الصحف التي كانت حينها أشبه بنشرات، ووضع أول قاموس عربي حديث سماه «محيط المحيط»، وفتح أول مدرسة وطنية في لبنان، ومختلطة أيضاً، يوم كان تعليم المرأة موضع جدال حارق، كما كان أول من نادى بتعليم النساء في منطقتنا مطالباً بالمساواة بين الجنسين في الحقوق، وكتب في الموضوع ما يستحق إعادة قراءته والتمعن فيه.

وله أيضاً إسهام كبير في ترجمة الكتاب المقدس، وهو مناضل ذو كرامة وهمة، اشتغل من أجل وطن ومواطنية يوم كان مفهوم «المواطن» ضبابياً والأوطان لم ترتسم ملامحها بعد. مربكة سيرة البستاني لكثرة ما أنجز حتى تحار من أين تبدأ. معلم، مترجم، صحافي، أديب، مؤرخ، موسوعي، لغوي، مفكر، خطيب، هو كل هؤلاء فضلا عن دوره الاجتماعي وتأثيره السياسي.

كانت البداية من مدرسة «تحت السنديانة» حيث كان الخوارنة يعلمون الأطفال ما يستطيعون، ثم إلى مدرسة «عين ورقة» بعد أن أبدى تفوقاً، ليتعلم فيها بعض مبادئ السريانية واللاتينية والإيطالية والفلسفة والعلوم، وحين رأى بطريرك الطائفة المارونية أن يرسله إلى روما ليتعلم هناك رفضت والدته، وأبقته في لبنان وبدأ الاشتغال في التعليم والاجتهاد في الوقت ذاته، في تحصيل الإنجليزية. عام 1840 ترك بلدته الدبية في منطقة الشوف، التي ولد فيها وذهب إلى بيروت حيث ستقوده معرفته برجال الإرساليات البروتستانتية، إلى تقوية إنجليزيته وتعريب الكتب لهم، والإعجاب بمذهبهم حد اعتناقه.

وسيعمل بعد ذلك مترجما في القنصلية البريطانية والأميركية حتى عام 1862. هذه العلاقات قادته لأن يكون ناشطاً ومشاركاً في كثير من الجمعيات الدينية والعلمية وفتحت له بابين واسعين: باب التعلم والتحصيل الذي كان لا يتخلف عنه أبداً، فدرس اليونانية والعبرية وقرأ كثيرا من الكتاب الغربيين، وباب العمل والكتابة والترجمة وإلقاء المحاضرات والخطب وكذلك التعليم في المدارس.

مجازر سنة 1860 بين المسيحيين من جهة، والدروز والمسلمين من جهة أخرى بطابعها التعصبي والمذهبي الدموي، تركت أكبر الأثر في نفس البستاني، وربما كانت دافعه الأكبر لتأسيس «المدرسة الوطنية» الأولى في لبنان عام 1863 وسط غابة المدارس الإرسالية، مجتذباً خيرة التلامذة من لبنان وسوريا ومصر وكل المناطق المحيطة بما فيها الأستانة. ترأس مدرسته التي ستكتسب شهرة ومصداقية، ودرّس فيها العربية والإنجليزية والفرنسية ولم يغفل التركيز على حسن الخلق ومكارم الأخلاق. فالغاية ما كانت لتتحقق لولا نجاحه في إنشاء جيل له انتماء لأرضه في لحظة عاصفة كانت سوريا كلها في مهب النفوذ العثماني والإنجليزي والفرنسي.

من بعد المدرسة، كرّت سبحة مشاريعه الوطنية، فأصدر جريدته الصغيرة «نفير سوريا» وكذلك «الجنة» ومجلة «الجنان» نصف الشهرية، يعاونه دائماً كما في مشاريعه الأخرى ابنه سليم وبعض البساتنة من العائلة، ناظراً إلى استكمال مشاريعه بعد رحيله من خلال عائلته، لكن الموت المبكر لسليم سيكون بعد ذلك خسارة لهذا الحلم الذي لم يكتمل.

ولعل «محيط المحيط» هو المؤلف الذي بقي من بين أشهر ما تركه لنا المعلم، حيث أدخل عليه تحديثات عدة، راغباً هو المهجوس باللغة، في تقديم العربية بقالب سهل للمتعلمين. وهو وإن تجاوزه العصر اليوم، كان في مجلديه في ذاك الزمن متقدماً للغاية في تبسيط البحث عن المفردة ومعناها والأمثلة حولها، أو في إدخال كثير من المصطلحات الجديدة عليه. أما «دائرة المعارف» فوضع منها «أبو التنوير» ستة مجلدات محرزاً سبقاً في زمنه حيث لم تكن الموسوعات معروفة عربياً، واستكمل منها من بعده ابنه سليم خمسة مجلدات أخرى لكنها بقيت غير مكتملة.

تصعب الإحاطة بما أنجزه بطرس البستاني، وعن تأثيره في زمنه وبعده، فقد كان منتسباً لجمعيات كثيرة، ونشاطاته متشعبة، وأفكاره الفكرية والنهضوية سابقة لزمانه وأبناء جيله. وما تركه من مؤلفات، تتمحور رغم تنوع مواضيعها حول فكرة واحدة، هي النهوض، من خلال تبسيط المعرفة لتصبح في متناول الجميع، مما يشحذ الأذهان، ويبني جيلاً متنوراً. واعتبر البستاني اللغة، الأداة أو الوسيلة التي لا بد من امتلاكها. فكان له «مصباح الطالب في بحث المطالب» واختصره في «مفتاح المصباح»، واختصر «محيط المحيط» في «قطر المحيط»، كما وضع «آداب العرب» و«شرح ديوان المتنبي» وألف، إضافة إلى كتب كثيرة، «كشف الحجاب في علم الحساب». ومع أنه قليلاً ما يحكى عن اهتمام الرجل بالرياضيات، فإنه كان يولي هذا العلم اهتماماً خاصاً، ويعتبره عماداً، شارحاً أن «من لا يعلقون على الحساب كبير منفعة... فقد وقعوا في شطط عظيم».

وبمناسبة مرور 200 سنة على ولادة بطرس البستاني عقد اجتماع تأسيسي للهيئة الوطنية لإحياء الذكرى المئوية الثانية لميلاد المعلم في بيروت، وبدأت التحضيرات لحفل كبير سيقام في مايو (أيار) المقبل، كما تسعى وزارة الثقافة اللبنانية لوضع برنامج يتضمن فعاليات وأنشطة في مختلف المناطق، رغبة في إعادة التذكير بأفكار الرجل التنويرية، وسيرته الفريدة. فلقد طال الوقت الذي أهمل فيه بطرس البستاني، ولم يعط حقه رغم أن ما ناضل من أجله قبل قرنين لا يزال، لسوء الحظ، عصياً على التحقق، ومن التمنيات الوطنية الكبيرة التي يؤمّل بأن تصبح واقعاً.

قد يهمك أيضا .. 

اتحاد الكتاب الروسي يُعدِّد مناقب المُترجم الراحل أبوبكر يوسف

سورية تحتفل بإدراج تراثها الثقافي ضمن قائمة اليونسكو

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان يحتفي بالمئوية الثانية لرائد النهضة العربية بطرس البستاني لبنان يحتفي بالمئوية الثانية لرائد النهضة العربية بطرس البستاني



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"

GMT 19:55 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوداني يقصف مركز إيواء في نيالا ويخلف قتلى وجرحى

GMT 19:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

تحذير لريال مدريد من انتكاسة طبية محتملة لمبابي

GMT 14:08 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

صلاح عبد الله يتعرض لـوعكة صحية مفاجئة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab