القاهرة ـ أ.ش.أ
صدرت حديثا عن المركز القومي للترجمة النسخة العربية من كتاب (لعبة التجسس - التاريخ السري للجاسوسية البريطانية)، من تأليف مايكل سميث ومن ترجمة ناصر عفيفى.
يستعرض الكتاب في 26 فصلا و774 صفحة دور أجهزة الاستخبارات في جمع المعلومات وكيف تقوم بدور بالغ الأهمية في السلم والحرب على حد سواء.
ففي وقت السلم، تؤدي أجهزة الاستخبارات دورها من خلال التعرف على ظروف الدول المجاورة وأحوالها ومواقفها في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والعسكرية بهدف الوقوف على مدى استعدادها للحرب أو شن العدوان بالإضافة إلي العديد من المكاسب الأخرى والتي يتمثل أهمها في المنافع الاقتصادية.
أما في زمن الحرب.. فهي تقوم بدور بالغ الخطورة؛ حيث تلعب دورا مهما في تحقيق النصر، سواء من خلال الحصول على معلومات دقيقة عن تسليح العدو وخططه العسكرية ومواقعه وشبكة اتصاله، أو القيام بخداعه من خلال دس معلومات وهمية تهدف إلى تضليله من أجل تحقيق أهداف معينة، حيث تعمل أجهزة الاستخبارات دائما على مستويين: هما المستوى الداخلي والمستوى الخارجي، بمعنى تأمين الجبهة الداخلية وحمايتها من العملاء والمخربين، والعمل على المستوى الدولي ضد الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة.
كما يقدم الكتاب تاريخا وافيا ومفصلا لأجهزة الاستخبارات البريطانية على مر العصور من حيث نشأتها وتطورها في المراحل المختلفة سواء في السلم أو الحرب، ومن أبرز هذه المراحل دورها في التعامل مع المشكلة الأيرلندية وعمليات الجيش الجمهوري الأيرلندي، بالإضافة إلي دورها في الحربين العالميتين الأولى والثانية ودورها الحاسم في انتصار الحلفاء على قوات المحور، كما يتطرق إلي دور الاستخبارات في جمع المعلومات الاقتصادية في فترة ما بعد انتهاء الحرب الباردة لما لها من أهمية قصوى في حسم المنافسة المستعرة بين الشركات العالمية لاقتناص الصفقات الكبرى، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة التي تعصف بالعالم.
ويوضح الكتاب أيضا ما يسمى بالمنظور الأخلاقي للتجسس وكيفية تطوره على مدار التاريخ؛ حيث كان ينظر إليه في البداية باعتباره عملا شائنا يثير الاشمئزاز ويتناقض مع الأخلاق والمثل العليا ويجب أن لا يقوم به الرجال المهذبون، مما أعاق في كثير من الأحيان عملية الحصول على متطوعين أو تجنيد عملاء جدد، باعتبار أن التجسس مهنة مقيتة، ولكن مع زيادة الوعي بأهمية تلك المعلومات وأثرها الحاسم في تحقيق الانتصار، تغيرت الرؤية العامة لهذه المهنة وأصبحت أكثر تفهما.
ويحرص المؤلف على توضيح الفرق بين القصص الشائعة والأفكار المغلوطة التي تتضمن معلومات خاطئة ومبالغ فيها في كثير من الأحيان، وبين الأنشطة الفعلية لهذه الأجهزة على أرض الواقع، حيث ساهمت الأفلام السينمائية التي تناولت هذه العمليات في رسم صورة مثيرة لهذا العالم، وبحسب المؤلف، فإن الافتتان بعالم الجاسوسية أدي إلي إنتاج ثروة من الروايات والأفلام السينمائية، ومن هنا أصبح معظم الناس لديهم إدراكا معقولا لكيفية عمل الجواسيس، وأصبحوا يفهمون على سبيل المثال، معنى كلمة "المنزل الآمن" و"تقنيات التجسس".
وعلى الرغم من الأهداف النبيلة لهذه الأجهزة والمتمثلة في حماية الدول والشعوب وتحقيق الأمن ومكافحة الإرهاب والجريمة، تحدث في بعض الأحيان بعض التجاوزات من قبل العاملين في هذه الأجهزة أو دولها سواء من حيث الغاية أو الوسيلة، حيث تكون لها في بعض الأحيان نتائج كارثية على الشعوب أو الدول، كما حدث في حقبة مكافحة الشيوعية في بريطانيا، حيث كان يتم التنكيل بالأبرياء لمجرد انضمامهم إلي الحزب الشيوعي أو نقابات العمال، وتتجسد من هنا القضية الأزلية المتمثلة في كيفية تحقيق التوازن بين النزاع الدائم بين المصلحة العليا للوطن والحفاظ على حقوق مواطنيه في نفس الوقت.
المؤلف مايكل سميث، صحفي بريطاني في جريدة (صنداى تايم)، متخصص في شئون الدفاع والاستخبارات، حاصل على جائزة الصحافة البريطانية في العام 2006، له عدد كبير من الكتب أهمهم (المحطة إكس: القائمون على فك الشفرة في بليتشلى بارك) وهو الكتاب الحائز على أفضل المبيعات في العام 1998، أيضا كتاب (الصفوة القاتلة: القصة الداخلية لفريق العمليات الخاصة البالغة السرية في أمريكا).
المترجم ناصر عفيفي له عدد كبير من الترجمات، نذكر منها (الحرب والسلام في الشرق الأوسط)، (الأصولية اليهودية في إسرائيل)، (التحالف ضد بابل) و(كيف خسرت إسرائيل).
أرسل تعليقك