تميّز خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بشخصية خاصة، جعلته محبوبًا ومؤثرًا، لاسيّما طروحاته الواضحة وصراحته وشجاعته في مواجهة الأحداث. وعرف بحرصه على إحقاق الحق الذي أصبح هاجسه، وإرساء العدل مطلبه، والتطور والحداثة هاجسين له، وحوّل بلاده إلى رقم صعب في المعادلة الدولية الراهنة، بحقائقها التي لا تنفصم فيها عرى الاقتصاد عن السياسة. ولمكانته العالمية، ودوره المؤثر، تم اختيار الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز، واحدًا من أقوى الشخصيات المؤثرة في العالم.
ويُعد الملك عبد الله بن عبد العزيز سليل أسرة عربية أصيلة، جذورها ضاربة في الأعماق، فهو إبن الجزيرة، وإبن الصحراء، وإبن عبد العزيز الملك والإنسان الموحد. أما أخواله فمن رؤساء عشائر شمر، فجده لوالدته هو العاصي بن شريم، فارس نجيب من فرسان العرب، وأحد شيوخ قبائل شمر. وكذا كان خاله مطني بن العاصي بن شريم. أما والدته فهي الفهدة بنت العاصي بن شريم، تزوجها الملك عبد العزيز وسكنت في قصر الحكم في الرياض، وقد ولدت له الأمير (الملك) عبد الله، والأميرة صيتة والأميرة نوف، وتوفيت في هذا القصر.
ونشأ الملك عبد الله بن عبد العزيز منذ طفولته في محيط القيادة الواعية، والعقيدة الإسلامية السمحة، وشمائل عربية متعددة من الرجولة والصدق، وقوة الإرادة، ونقاء السريرة والشجاعة، وتعتبر الدعامة الثانية في تكوين شخصيته، ثقافته التي استمدها من قراءاته المختلفة في جوانب العقيدة والفكر والثقافة والسياسية والتاريخ. فقد كانت للملك عبد الله اهتمامات خاصة وكبيرة بالأدب والأدباء، وله علاقات وثيقة بكثير من الأدباء،إذ كان يرى في الكتاب طريقًا لفهم ثقافة العصر ونظرياته وأفكاره وعلومه، ما جعله يهتم بالكتاب وأهل الثقافة، وكان من نتاج ذلك أن أسس مكتبة الملك عبد العزيز العامة في الرياض. كما أسس شقيقتها الأخرى في الدار البيضاء في المغرب. وتأكيدًا على اهتمام الملك عبد الله بن عبد العزيز بالثقافة، أن قرر قبل ربع قرن، إنشاء المهرجان السنوي الوطني للتراث والثقافة "الجنادرية"، الذي تشارك فيه كل الفعاليات الثقافية والتراثية من مختلف أنحاء السعودية، ويدعى إليه كثير من المفكرين والعلماء والمثقفين في جميع أنحاء العالم.
وتعدّدت هوايات الملك عبد الله، التي لازمته منذ الصغر، ما بين القراءة والسباحة وممارسة رياضة المشي والفروسية، وقد برز الملك في استخدام الأسلحة المختلفة ويعد من الرماة المشهورين، كما كان الملك يجيد لعبة البوليز.
كان يُعد الملك الراحل من أثرى أثرياء العالم، إذ ذكرت مجلة "فوربس" الأميركية في نشرة لها عن أغنى الملوك في العالم العام 2010، أنَّ قيمة ثروته تقدر بـ18 مليارات دولار. كما صنفته العام 2011 كسادس أقوى الشخصيات تأثيرًا في العالم، للمرة الثالثة. لكنه بقي محباًً للبساطة في العيش بطبعه، فهو يرى نفسه دائمًا بين البسطاء من الناس، ورافقت طفولته وصباه الصفات العربية، يهوى الصحراء وقد أمضى جزءًا من شبابه خارج المدن في الصحراء.
وفي إطار الأعمال الخيرية للمملكة العربية السعودية حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على أن تكون المملكة سباقة في مد يد العون لنجدة أشقائها في كل القارات في أوقات الكوارث التي ألمت بهم. ومنحته جامعة الدول العربية وسام "الأبوة العربية"، تأكيدًا على دوره الفاعل في قيادة الدول العربية نحو السلام والمصالحة العربية ـ العربية.
وجاءت إنجازاته عبر منظومة متكاملة من المشاريع والقرارات، وغطت جوانب مختلفة، أقرها لتستهدف أعلى درجات النمو البشري والحضاري والاقتصادي للإنسان السعودي، وذهبت لتطال هذه الجوانب الإنسان في كل مكان، من دون الالتفات إلى جنسيته أو ديانته.
وكان من إنجازاته إبان فترة حكمه للمملكة، دعوة القادة الفلسطينيين من حركتي "فتح" و"حماس" إلى مؤتمر في مكة، وذلك لحل المشاكل بينهم وإنشاء حكومة وحدة وطنية فلسطينية، وتوقيع اتفاق للمصالحة بين الفصائل الصومالية المتحاربة برعايته.
وأصدر الراحل الأوامر بنقل المصابين من قطاع غزة إلى المستشفيات السعودية، والتكفل بعلاجهم جراء إصابتهم من الاعتداء الإسرائيلي على القطاع، والأمر بإقامة جسر جوي لطائرات الإغاثة إلى مطار العريش في مصر، تحمل أدوية ومواد الغذائية وكل المستلزمات المعيشية، كما أمر بحملة شعبية لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة في أنحاء المملكة، وقد بدأت الحملة بتبرع منه قدر بـ 30 مليون ريال وذلك دعمًا للحملة.
وشهد عهده افتتاح مؤتمر حوار الأديان في مرحلته الثالثة، الذي أقيم تحت رعايته في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2008، أثناء انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ63 في نيويورك، وحضر المؤتمر العديد من دول العالم وأتباع الديانات المختلفة، واقترح في افتتاح المؤتمر إنشاء مؤسسة عالمية للسلام والحوار الإنساني تنبثق من الأمم المتحدة.
وتمَّ في عهده، إنشاء مؤسسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود العالمية للأعمال الخيرية والإنسانية.
وأمر ببدء التوسعة الكبيرة للمسجد الحرام في مكة في المنطقة الشمالية للحرم، والتوسعة في المسجد النبوي من الجهة الشرقية، والقيام بأعمال توسعات للمشاعر المقدسة في منى ومزدلفة وعرفات. وتم في عهده إنشاء "مستشفى الملك عبد الله للأطفال" ليكون مركزًا عالميًا لأمراض الأطفال، لاسيما الأطفال السياميين، منح بعدها لقب "ملك الإنسانيّة".
أرسل تعليقك