يترقب اليمنيون بقلق بالغ ما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع الأمنية والسياسية في جنوب البلاد، بعد أن قررت قوى الحراك الجنوبي تغيير أساليبها في الدعوة إلى الانفصال، محددة آخر أيام تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، كآخر أيام مهلتها للجهات الحكومية لتلبية قائمة مطالب، قبل تدشين برنامج تصعيدي غير مسبوق، فيما دفعت السلطات بعدد من وحداتها الأمنية إلى الشوارع في محافظة عدن، ونشرت الآليات العسكرية، بالتزامن مع تهديدات الحراك الجنوبي، عشية العيد الوطني للجمهورية اليمنية، بإغلاق حدوده مع الشمال.
وأعلن الحراك الجنوبي، السبت، أنه سيغلق المنافذ الحدودية السابقة بين شمال اليمن وجنوبه، في سياق الخطوات التصعيدية للمطالبة بالانفصال، وإنهاء الوحدة اليمنية التي تمت بين الطرفين في العام 1990.
وأشار القيادي في الحراك الجنوبي حسين بن شعيب، إلى أن "إغلاق الحدود سيكون ضمن خطوات التصعيد التي ستبدأ الأحد، وتصادف ذكرى الاستقلال الوطني ورحيل الاحتلال البريطاني عن جنوب اليمن في العام 1967".
وأضاف، في مؤتمر صحافي عقده قياديون في الحراك الجنوبي، في عدن، أنه "سيتم إغلاق الحدود نهائيًا"، مشيرًا إلى أن "الفعاليات ستبقى في ساحات الاعتصام، وستتمسك بالنضال السلمي"، موضحًا أنهم "لن يقتحموا المؤسسات الحكومية".
وبدأ أنصار الحراك الجنوبي، السبت، التوافد إلى ساحتي الاحتجاج المركزيتين في مدينتي عدن والمكلا (جنوب)، للمشاركة في الاحتفال الذي يقام، الأحد، في ذكرى رحيل الاحتلال البريطاني، وهو الموعد الذي حدده الحراك الجنوبي، كآخر مهلة لمغادرة المقيمين في المحافظات الجنوبية من أبناء الشمال، وفقًا لبيان صدر عن الحراك الجنوبي منتصف تشرين الأول الماضي.
ويتظاهر أنصار الحراك الجنوبي، منذ أكثر من شهر، في محافظة عدن، حيث نصب المتظاهرون الخيام في ساحة قريبة من إدارة أمن عدن، في خور مكسر، مطالبين بفك الارتباط عن صنعاء، وإخراج من يسمونهم بـ"المحتلين"، من أبناء المحافظات الشمالية، وتسليم مؤسسات الدولة للحكومة والمسؤولين الجنوبيين.
ووصلت إلى محافظة عدن، في اليومين الماضيين، تعزيزات عسكرية تابعة للجيش اليمني، بينها آليات ثقيلة ودبابات، في حين انتشرت عربات عسكرية في محيط المؤسسات الحكومية والخاصة، ليضاعف كل ذلك من حدة التوتر الذي تعيشه عدن.
وكشف مسؤول أمني عن اجتماعين مغلقين، ضمّا عددًا من أعضاء اللجنة الأمنية العليا في العاصمة صنعاء، الوافدين إلى عدن، أخيرًا، مع أعضاء اللجنة الأمنية في المحافظة، الثلاثاء والأربعاء، في مبنيي الأمن السياسي وإدارة أمن عدن، دون التطرق إلى تفاصيلهما، لكن المسؤول رجّح أن يكونا قد خلصا إلى أنّ الأجهزة الأمنية لن تعترض المحتجين أثناء الفعاليات السلمية.
وأعلن الجنوبيون، في الـ14 من تشرين الأول/ أكتوبر، عن مهلة أخيرة للسلطات اليمنية لا تتعدى الـ30 من تشرين الثاني الجاري، لإجلاء موظفيها وجنودها من أبناء المحافظات الشمالية من أراضي الجنوب، وإيقاف جميع الشركات الأجنبية المستخرجة للثروات المعدنية، والإعلان عن اعتصام مفتوح يحتشد فيه الجنوبيون في ساحتين مركزيتين، في عدن والمكلا.
ومع اقتراب الموعد، الذي شهد مغادرة آخر الجنود البريطانيين لعدن عام 1963، باتت المخاوف تزداد من حدوث الفوضى، والانفلات، واستخدام الأجهزة الأمنية لقبضتها العسكرية في وجه المحتجين الجنوبيين، بعد هدوء موقت، قد تأججه تداولات إعلامية تتحدث عن ضرورة السيطرة على مؤسسات الدولة بعد انضمام كوادرها إلى ساحات الاعتصام.
وأكّدت وزارة الدفاع اليمنية، أن الأجهزة الأمنية ستقف بحزم شديد في حماية مؤسسات الدولة والمنشآت الخاصة، وستتصدى بحزم وقوّة لأية محاولات اعتداء، وستسعى للحفاظ عليهما من أي عبث.
ويعيش الأهالي في الأحياء المجاورة لساحة الاعتصام في عدن، حالة من الفزع من أن تتطور حدة التوترات إلى اشتباكات مسلحة، بين أنصار الحراك الجنوبي وقوات الأمن اليمني.
ويذكر أنَّ الحراك الجنوبي يضم مكونات وفصائل عدة، وقد نشأ مطلع عام 2007، انطلاقًا من جمعيات المتقاعدين العسكريين، وهم جنود وضباط سرحهم نظام الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح من الخدمة، لكنه سرعان ما تحول من حركة تطالب باستعادة الأراضي المنهوبة، والعودة إلى الوظائف، إلى المطالبة بالانفصال.
وأفرز مؤتمر الحوار الوطني اليمني، الذي اختتم في كانون الثاني/يناير الماضي، شكلاً جديدًا للدولة اليمنية المقبلة، على أساس دولة فيدرالية، من 6 أقاليم، أربعة أقاليم في الشمال، واثنان في الجنوب.
واندمج اليمن الشمالي واليمن الجنوبي في دولة الوحدة عام 1990، غير أن خلافات بين قيادات الائتلاف الحاكم وشكاوى قوى جنوبية من "التهميش" و"الإقصاء" أدت إلى إعلان الحرب الأهلية، التي استمرت لشهور عام 1994، وعلى وقعها ما زالت قوى جنوبية تطالب بالانفصال مجددًا.
أرسل تعليقك