أشعل ملف المحاسبة في هدر الكهرباء فتيل التفجير السياسي بين نواب من "تكتل التغيير والإصلاح" ونواب من "المستقبل"، مكرسًا واقعًا مأزومًا يعكس انسدادًا في الأفق السياسي في لبنان، فالجو السياسي المشحون الذي ساد اجتماع لجنة الأشغال العامة والطاقة النيابية الأسبوع الماضي، انعكس توترًا على اجتماع اللجنة الأثنين في المكتبة العامة في ساحة النجمة لمتابعة موضوع المخالفات والعقود في الكهرباء والتقنين القاسي والهدر المالي، برئاسة رئيس اللجنة محمد قباني وحضور وزيري المال علي حسن خليل والطاقة أرتيور نظريان، ورئيس ديوان المحاسبة القاضي أحمد حمدان.
واستعيد سيناريو الإشكال الذي حصل سابقًا في مجلس الوزراء بين الرئيس تمام سلام، والوزير جبران باسيل أمام الكاميرات، وعلى خلاف العادة (حين أصرّ الأخير على الكلام بالنظام مع وجود التلفزة، فرفض سلام قائلًا له: "لم أعطك الكلام ودار سجال قاس. اعتذر بعده باسيل في جلسة لاحقة)، فتكرّر المشهد فور بدء الاجتماع ودخول كاميرات التلفزة للتصوير بإشكال، لكن هذه المرة بالصراخ والألفاظ النابية، بين قباني وعضو "تكتل التغيير" حكمت ديب الذي قال: "بدي إحكي بالنظام"، فرفض قباني قائلًا: "بعد ما افتتحنا الجلسة"، لكن ديب أصرّ على الكلام وبحدة معترضًا على إدلاء قباني
بتصريحات، كما قال، عن اللجنة مغايرة للوقائع، وإطلاق الاتهامات حول وزارة الطاقة واصفًا إياها بمغارة علي بابا و40 مستشارًا فيما هو (قباني) لا يدفع فواتير الكهرباء.
وردّ قباني، واصفًا كلام ديب بـ "الكذب والدجل" واستغلال وجود الكاميرات، وقال: "أنا لم أقل 40 حراميًا واللي فيه مسلة تحت إبطه بتنعروا، إنما عرضت وقائع، وتكلمت باسمي بعدما تم تناولي بالكلام، واللائحة التي صدرت عن عدم
دفع فواتير كهرباء وطاولتني مزورة"، معلنًا رفع الجلسة، بعد تدخل النائب مروان حمادة طالبًا رفعها حتى لا تتطور الأمور، وأيده بذلك النائب قاسم هاشم قائلًا : "(غدًا) موعد الحوار، ما بدنا يتأثر". وهكذا كان. وهو ما عارضه النائب فادي الأعور، قبل أن تتطور الأمور إلى إشكال كبير بين عضو كتلة "المستقبل" جمال الجراح الذي تدخل للتهدئة، وبين عضو "تكتل التغيير" زياد الأسود الذي رشق زميله بعبوة مياه مملوءة سقطت على طاولة المجتمعين، أعقبتها مشادات كلامية حادة تبادل فيها النواب كلامًا نابيًا وشتائم واتهامات بالسرقة والصفقات والسمسرة في حق بعضهم بعضًا، صوتًا وصورة، الأمر الذي حدا بالجراح إلى التهكم قائلًا: "بتستاهل القضية هالصراخ لأنو في بالدق بليون و200 مليون دولار".
فردّ عليه أسود: "اسكت أنت أكبر حرامي" وكرر ذلك الأعور بصراخ عال، أجابه الجراح: "سد بوزك". وكادت الأمور تصل إلى الاشتباك بالأيدي، لولا تدخل عدد من النواب، خصوصًا علي عمار ومعين المرعبي، لمنع التدافع، والفصل بين المتلاسنين، ومسارعة قباني إلى رفع الجلسة، تجنبًا للأسوأ بعد تطاير عبوات المياه في كل
اتجاه.
وعلّق حمادة بعد رفع الجلسة واصفًا ما حدث بأنه "مشهد مزر، وتفجير للجلسة في وقت كنا نتوقع جلسة هادئة تعرض فيها شروحات منطقية من كل الجهات حول ملف الكهرباء الذي يشكو منه الجميع"، وقال: "كان هناك قرار مقصود بتفجير الجلسة، إذ أنه بمجرد دخول الإعلام بدأ الصراخ، لأن من يملك حججًا لا يفجر الجلسة".
وأجمعت مصادر نيابية على أن الجلسة انفجرت فجأة عندما علم نواب التكتل بأن رئيس ديوان المحاسبة موجود داخل الجلسة التي كانت ستبحث في موضوعين الأول تلزيم معمل دير عمار بـ 500 مليون دولار، من دون (t v a)، واعتبر ديوان المحاسبة أن 50 مليون دولار كـ (t v a) يجب أن تكون من ضمن المبلغ.
وكان الوزير جبران باسيل طلب فتح اعتماد بذلك، فلم يوافق ديوان المحاسبة، والثانية موضوع معملَي الجية والذوق إذ أجري تعديل على الاتفاق، فقال ديوان المحاسبة: "أنا كنت موافقًا، لكن التعديلات يجب أن تعود إليّ لأوافق عليها". فردّ باسيل: "القرار بذلك هو عندي، أوافق أو لا"، فقيل له "إن أجهزة الرقابة هي من تقرر". وقد راسل ديوان المحاسبة وزير المال، طالبًا وقف الدفع، ما دفع التكتل إلى اتهام وزير المال بتأخير العمل، فذهب باسيل إلى مجلس الوزراء مطالبًا بدفع المستحقات، لكن تم التوافق على مراجعة ديوان المحاسبة". وهذا لم يفعله.
وتواصل تبادل الاتهامات والتراشق السياسي، إذ سارع نواب "تكتل التغيير"، ديب والأعور ونبيل نقولا إلى عقد مؤتمر صحافي في المجلس النيابي طالبوا فيه بإقالة قباني من رئاسة الجلسة وبعلنية الجلسات.
ولفت الأعور إلى أننا نعاني من رئيس لجنة الأشغال إذ يصرّح بغير ما يتم التداول فيه خلال الجلسة، ولا يحق له رفع الجلسة وفريق 14 آذار بادر باتهامنا بسرقة أموال ونحن لم نقبل بذلك"، مشيرًا إلى "خلل كبير يعتري اللجنة نأمل بتصحيحه"، وقال:"نحن نطلب ألا تكون الجلسة المقبلة سريّة ونطالب بوجود الإعلام فيها".
وقال ديب: "طلبت في الجلسة أن ترفع السرية عن مداولات لجنة الأشغال لهذا حصل الإشكال أمام الإعلام وسنطالب رئيس المجلس نبيه بري بإجراء تعديلات على اللجنة، هناك ترويج للشائعات وتزوير حقائق داخلها".
أما نقولا فأكد أن "الإشكال كان مقررًا ولا علاقة لما حصل اليوم بالحوار غدًا"، لافتًا إلى أن "نية التعطيل أتت خشية مما لدينا من ملفات".
وردّ قباني محاطًا بنواب "المستقبل" أحمد فتفت والجراح ومحمد الحجار وكاظم الخير أنه "بعد انتهاء جلسة اللجنة السابقة صرّحت بدقة عما جرى في تلك الجلسة وقرّرنا أن نتابع الجلسة بحضور ديوان المحاسبة، وهذا ما حصل فحضر الأثنين رئيس الديوان ومع بدء الجلسة ودخول وسائل الإعلام افتعل بعض النواب مشكلًا من خلال إلقاء الشتائم والاتهامات مثلما فعل رئيسهم في مجلس الوزراء قبل شهر".
وأكد أنه "في تصاريحنا نعبّر بدقة عن محاضر اجتماعات اللجنة وهذه المحاضر موجودة ويمكن الرجوع إليها"، وقال: "من المؤسف إننا لم نشهد في المجلس النيابي أسلوبًا من الغوغائية كهذا، وأنا أتحدى أن يجد أحد أي فاتورة في
الكهرباء أو في المياه لم أدفعها وأؤكد أن أحدًا من هؤلاء لا يستطيع أن يغبّر عليّ". وقال: "سأفتح الجلسات أمام الإعلام بدءًا من الجلسة المقبلة وقد فعلت ذلك في بعض الجلسات السابقة وأنا كنت طلبت من الرئيس أن تذاع محاضر جلسات لجنة الأشغال الأخيرة علنًا، واليوم رفعت الجلسة لأن الخلاف أخذ منحى معيبًا". وأوضح أنه "في انتظار اتصال من بري في شأن علنية الجلسة المقبلة ستحدد قبل 20 الجاري .
وهنا تدخّل فتفت فقال: "سمعت في الإعلام أن أحد الزملاء يريد تغيير رئيس اللجنة ليسمح لنا فيها، ليس هو من يقرر وأؤكد له مسبقًا أن محمد قباني سيعود رئيسًا للجنة بتوقيع نواب "التيار الوطني الحر" لأنهم يعرفون أنهم إذا لم يفعلوا ذلك فهناك رؤساء لجان أخرى سيطيرون".
وأضاف: "نحن لا نتحداهم، في المجلس يوجد توازن، وبصراحة أنا مسؤول عن هذا الملف في "تيار المستقبل" ولا أقبل أن يفكر أحد أنه يستطيع أن يستقوي على رئيس لجنة فقط لأن اسمه محمد قباني، كل رؤساء اللجان لدينا احترام لهم
وهناك توازنات معينة".
أما الجراح فلفت إلى أنه " أقرّ في المجلس النيابي قانون يمنح وزارة الطاقة بليونًا و200 مليون دولار لتأمين الكهرباء، ولجنة الأشغال حين تسأل الوزير وتستدعي الجهات الرقابية فهذا من ضمن عملها القانوني، ووزير المال عرض الوثائق والمراسلات مع ديوان المحاسبة المتعلقة بموضوع الطاقة"، وأشار إلى أن "خليل عقد اجتماعًا مع وزير الطاقة ووزير من التيار الوطني وطلب تقديم تعديل العقد لديوان المحاسبة وفق القانون، ووزير المال لا يمكن أن يخالف القانون، وقد رفض الوزير باسيل إرسال العقد إلى ديوان المحاسبة وهذا ما يدل على صفقات، وفي موضوع دير عمار وقع العقد
على شركة معينة وطلبت وزارة الطاقة إضافة عقد إلا أن ديوان المحاسبة رفض بسبب زيادة 50 مليون دولار".
وأشار الجراح إلى أن "كل المخالفات في العقود ارتكبها وزير الطاقة السابق جبران باسيل، وكل الناس تشهد لكفاءة الوزير الحالي للطاقة أرتور نظريان، ونحن طلبنا من ديوان المحاسبة الحضور إلى جلسة الأشغال لتبيان الحقيقة،
ولكن الفريق الآخر افتعل إشكالًا بسبب حضور ديوان المحاسبة". وطلب من الرئيس بري "رفع السريّة عن محضر جلسة الأشغال السابق".
ولفت النائب الخير إلى أن "ما عطّل دير عمار هو الفساد، وديوان المحاسبة هو المسؤول عن البت بالمناقصات". وقال: "إنهم يحاولون أن يلعبوا بالشارع اللبناني ليحضّروا ليوم 11 تشرين أي التظاهرة التي يحضّرون لها، لتجييش
الشارع من أجل التعمية على المخالفات التي ارتكبت لصرف الأنظارعن الفساد المرتكب في هذا الموضوع. وأتحدى الزميل حكمت ديب حول تعطيل معمل دير عمار، وليعطني دليلًا على ذلك، لقد اعترضنا على موضوع الداخون الذي خفّض ارتفاعه من 120 مترًا الى 60 وعلى الموضوع البيئي".
أما وزير المال الذي استوى على مقعده نائيًا بنفسه عن التدخل وراح يراقب المشهد من بعد، فأشار إلى أن السجال الذي حصل في لجنة الأشغال حول ملف الكهرباء لا يعنيه، موضحًا أن لديه "رأيًا تقنيًا وعلميًا في الموضوع".
وانعقدت اليوم الثلاثاء عند الساعة الثانية عشر ظهرًا الجلسة الرابعة للحوار في مجلس النواب بحضور جميع المتحاورين.
وسبق الاجتماع لقاء جمع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس تكتل "التغيير والإصلاح" العماد ميشالعون.
وقرابة الساعة 13:40 غادر العماد عون والنائب إبرهيم كنعان ساحة النجمة، فيما توقفت جلسة الحوار.
وفي هذا السياق علمت وسائل الإعلام أن عون استاء من عدم انسحاب الأجواء الإيجابية التي اتسم بها لقاؤه مع بري على جلسة الحوار فغادر، فيما وصفت مصادره أجواء الجلسة بـ"الزبالة"، هذا وعقد اجتماع بين بري ورئيس مجلس الوزراء تمام سلام بعد مغادرة عون، وعند الساعة الثانية استؤنفت الجلسة بغياب عون وكنعان.
أرسل تعليقك