وقعت تركيا وروسيا، الإثنين، مذكرة تفاهم لتزويد أنقرة بكميات إضافية من الغاز، بسعر مخفّض، كما اتفق الجانبان على تعزيز تبادلهما التجاري، فيما لم تثمر زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى أنقرة تقاربًا في ملفات سياسية، إذ بدا الخلاف صارخًا مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان في شأن مستقبل سوريّة.
وتزوّد موسكو أنقرة 3 بلايين متر مكعب إضافية سنويًا من الغاز، كما اتفق الجانبان على توسيع تعاونهما الاستراتيجي في الطاقة والغاز.
وأعلن بوتين خفض سعر الغاز الروسي إلى تركيا، وزيادة الكمية المصدرة منه، وكذلك إلغاء مشروع تشييد أنبوب غاز "ساوث ستريم" نحو أوروبا، مشيرًا إلى "إمكان التعاون مع تركيا في تشييد مركز لتصدير الغاز إلى جنوب القارة".
واتهم بوتين أوروبا بـ"عرقلة مشاريع الغاز الروسية في المنطقة"، مبرزًا أنَّ "هذا خيارهم وسنتجه إلى أسواق أخرى بديلة، وأوروبا هي الخاسرة".
ونبه الرئيس الروسي، الذي يرافقه وفد ضخم يضمّ 10 وزراء، إلى أن "إبرام اتفاق للتجارة الحرة مع تركيا ليس سهلاً".
ومن جانبه، أعلن أردوغان، أنّ "تركيا وروسيا اتفقتا على العمل لرفع سقف التبادل التجاري إلى 100 بليون دولار عام 2023"، علمًا بأن الحديث كان عن عام 2020.
وأقرّ بـ"وجهات نظر مختلفة مع روسيا في شأن سورية"، لافتًا إلى أنه "علينا أن نتطلع إلى الأزمة السورية من منظور إنساني، الرئيس السوري بشار الأسد يقتل شعبه، ونحن ملتزمون بمحاربة (داعش) والإرهاب"، معتبرًا أنَّ "الرئيس الأسد هو السبب الأول في معاناة السوريين، ولا حلّ في سورية مع نظامه".
وشكّك أردوغان في الانتخابات السورية، معتبراً أنها "غير ديموقراطية"، داعيًا إلى "الامتناع عن القلق على مستقبل سورية بعد إطاحة الأسد، لأن الإرادة الشعبية ستتجلى، وداعش لن يستطيع أن يستفيد من ذلك".
في المقابل، اعتبر بوتين أن "الرئيس الأسد يحظى بدعم من السوريين"، مذكّرًا بـ"فوزه في انتخابات الرئاسة"، ورأى أن "العمل في سورية يجب أن يركّز على وقف الإرهاب ووقف نزيف الدم"، وأضاف "نتفق مع تركيا في شأن ضرورة القضاء على داعش".
وشهدت زيارة بوتين تدابيرًا أمنية مشددة، علمًا بأن الرئيس الروسي أصرّ على استخدام سيارته المصفحة الخاصة أثناء تنقله في أنقرة، إذ أحضرها معه من موسكو.
وبقيت الخلافات السياسية على حالها في شأن أزمتَي سورية وأوكرانيا، وإذ تدرك أنقرة موقف بوتين إزاء القضيتين، تُركت ملفات سياسية موضع خلاف للقاء منفرد مع رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، الذي حاول انتزاع دعم روسي لوضع التتار في شبه جزيرة القرم، التي ضمّتها موسكو.
وشدّد داود أوغلو على ضرورة التزام موسكو بوعودها للتتار، بمنحهم حقوقًا قومية والتعلّم بلغتهم التركية الأم، للخروج بحد أدنى من التفاهم لتغطية هوّة سحيقة بين الجانبين في ملفَي سورية وأوكرانيا.
في السياق ذاته، نظّم عشرات الأطفال من أصول شيشانية وتتارية وداغستانية، مسيرة صامتة توجّهت إلى القنصلية الروسية في شارع الاستقلال في إسطنبول، احتجاجًا على زيارة بوتين.
ولمّح مسؤول تركي إلى تعاون محتمل مع موسكو لمواجهة "داعش"، لافتًا إلى أنَّ التنظيم "يجنّد مسلمين من القوقاز (الروسي)، ما يشكّل مشكلة أمنية خطرة بالنسبة إلى لروسيا".
ومن جانبه، اعتبر مساعد بوتين لشؤون السياسة الخارجية يوري أوشاكوف، تولي تركيا رئاسة مجموعة العشرين، للمرة الأولى في تاريخها، "يعزّز أهمية العلاقات الثنائية"، لافتاً إلى مناقشة الأزمة السورية بـ"التفصيل"، أثناء زيارة الرئيس الروسي.
وركّز أردوغان على الملفات الاقتصادية، اذ رأس اجتماعًا للجنة العليا للشراكة مع روسيا، ضمّ 10 وزراء من كل طرف، وناقش اتفاقات تعاون في ميادين الطاقة والغاز والسياحة والتبادل التجاري.
وتسعى موسكو إلى تعزيز تعاونها الاقتصادي – التجاري مع تركيا، لخرق طوق العزلة الدولية المفروض عليها بسبب الأزمة الأوكرانية، فيما يبدو هذا التعاون بمثابة طوق نجاة للاقتصاد التركي، الذي يعاني ركودًا، بسبب عزلة أنقرة سياسيًا في المنطقة.
وأعلنت وزارة البيئة، مع وصول طائرة بوتين إلى أنقرة، موافقتها النهائية على مشروع شركة "روس آتوم" الروسية المكلّفة بتشييد مفاعل نووي جنوب تركيا، ما يزيل آخر عقبة أمام تنفيذ المشروع.
ويعد توقيت الخطوة محاولة تركية لطمأنة موسكو إلى المشروع الذي سيكلّف نحو 20 بليون دولار، فيما تتوقّع أنقرة في المقابل خفضًا لسعر الغاز الروسي، وزيادة تدفقه إلى تركيا بنسبة 30% عام 2015.
أرسل تعليقك