بيروت ـ فادي سماحة
بات بحكم المؤكد بأن ما تداولته وسائل الإعلام اللبنانية عن عقد لقاء بين زعيم تيار "المستقبل" الرئيس سعد الحريري، وبين رئيس تيار "المردة" النائب سليمان فرنجية لم يكن مجرد اشاعة يراد منها تمرير رسائل سياسية لهذا الطرف أو لذاك، بمقدار ما شكل أول فرصة لبداية حوار بينهما يفترض ألا يخضع للتأويل أو الاجتهاد وان يترك الحكم على نتائجه لعامل الوقت نظرًا الى رغبة الطرفين في مواصلته من خلال قنوات تم الاتفاق عليها.
وعلمت مصادر إعلامية لـ "الحياة" أن لقاء الحريري-فرنجية كان حاضرًا بامتياز على طاولة الاجتماع الماراثوني الذي استضافه الأول في دارته في الرياض في المملكة العربية السعودية وخصص لتقويم المرحلة السياسية الراهنة التي يمر فيها لبنان، والذي اقتصر على عدد من القياديين في "المستقبل"، في مقدمهم رئيس الكتلة النيابية الرئيس فؤاد السنيورة ونائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري، ووزير "الداخلية" والبلديات نهاد المشنوق (الذي انتقل من أبو ظبي الى الرياض للمشاركة فيه)، اضافة الى النائبين الماضيين باسم السبع وغطاس خوري ومدير مكتب الحريري نادر الحريري، ورضوان السيد، والمستشار الإعلامي هاني حمود.
ووضع الحريري الحضور في الأجواء التي سادت اجتماعه مع فرنجية في باريس، وهو الأول بينهما منذ فترة زمنية طويلة. وذكرت مصادر مواكبة لهذا الاجتماع إن زعيم "المستقبل" تمنى على الحضور عدم تداول مضمون الاجتماع في وسائل الإعلام مضيفًا "لأننا ما زلنا في أول الطريق ولا مصلحة لنا في حرق المراحل، ولن نحجب ما دار بيننا عن جمهورنا، لكن دعونا نتابع ولن يكون هناك من أسرار، وفي الأيام المقبلة سنكشف عن الأجواء التي اتسم بها اللقاء".
ولفتت المصادر نفسها إلى رغبة أبداها الحريري في ممارسة أعلى درجات ضبط النفس لمنع التشويش على الحوار، الذي وإن كان تأخر لبعض الوقت، فإن الظروف التي يمر فيها البلد "تتطلب منا الانفتاح والحوار، ولم يعد من مانع للحوار مع فرنجية طالما أننا نتحاور في حوار ثنائي مع "حزب الله" برعاية رئيس المجلس النيابي نبيه بري وكنا تحاورنا في الماضي مع زعيم "تكتل التغيير والإصلاح" العماد ميشال عون".
ورأى الحريري بحسب المصادر أن التواصل ضروريًا، مؤكدًا "لكننا لن نتطلع لعقد صفقة ثنائية، وإنما من واجبنا في ظل استمرار الفراغ في سدة الرئاسة الأولى الانفتاح على الآخر لخفض فاتورة كلفة الأضرار على البلد في ظل الانتظار مع إننا في طليعة الذين يطالبون بانتخاب رئيس الجمهورية اليوم قبل الغد". لذلك، أراد الحريري من خلال هذا اللــقاء التأكيد ان "لا فيتو على هذا الطرف أو ذاك، يدفعنا الى عدم التحاور معه وبالتالي لا بد من أن نأخذ وقتنا في تبادل الآراء، خصوصًا ان هذا الحوار ينطلق من موقع الاختلاف".
وأوضحت المصادر أن لقاء الرياض لم يقتصر على اطلاع قيادات في "المستقبل" على اجتماع الحريري-فرنجية، مع ان نفي حصوله قبل أيام كان يهدف الى وضعهم في الأجواء التي سادته. لافتًة إلى أنها شملت أيضاً طبيعة العلاقة السائدة داخل "قوى 14 آذار" التي لم يعد مقبولًا عدم التدخل لتنقية الأجواء والعمل من أجل رأب الصدع بين عدد من الأطراف المنتمين اليها وصولاً الى اعادة استنهاضها، لا سيما كما يذكر مصدر بارز "اننا نقف فيها أمام استحقاقات كبرى تستدعي منا اعادة ترتيب أوضاعنا وحماية بيتنا الداخلي من خلال التعاون على أساس التفاهم على سلّم الأولويات".
وعلمت مصادر أن «14 آذار» لم تكن في حاجة الى تظهير الخلافات الواقعة بين قواها الرئيسة والمستقلين من خلال الانقسام الذي برز للعلن في انتخابات نقابة المحامين التي دقت ناقوس الخطر الذي يتهدد وحدتها التي لم تصمد، على رغم انها تحرص في اجتماعاته الدورية على تكرار تمسكها بعدد من الثوابت أبرزها التوجه أولًا لانتخاب الرئيس. ومع ان المصدر نفسه يرفض ما أخذ يقال من حين الى آخر إن «14 آذار» مرشحة لأن تغرق في إعادة خلط أوراق يمكن ان تدفع في اتجاه تهديد وحدتها، فإنه في المقابل يحرص على ألا يكون «شاهد زور» يدير ظهره للاختلافات التي تشكو منها.
وكشف هذا المصدر عن وجود مشكلة لم تكن بسبب انقسام «14 آذار» على نفسها في انتخابات نقابة المحامين، وإنما تعود في الأساس الى التباين حول دعوة الرئيس نبيه بري لعقد جلسة تشريعية قبل أن تعود وتنتظم في صف واحد مستفيدة من المبادرة التي أطلقها الحريري وأدت الى اضفاء الميثاقية على هذه الجلسة.
وأكد المصدر بأن بداية الاشتباك السياسي داخل «14 آذار»، وتحديدًا بين رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، وبين مكاري، والوزير بطرس حرب وآخرين من النواب المستقلين، كان في الهجوم الذي قاده الأول ضد المستقلين الذين قرروا المشاركة في الجلسة التشريعية بصرف النظر عن موقف القوات.
وتابع ان جعجع شن هجومًا على المستقلين تحت عنوان أنهم وحدهم لا يؤمنون الميثاقية للجلسة التشريعية بذريعة ان لا تمثيل وازنًا لهم في الشارع المسيحي ما اضطرهم للرد عليه.
وأضاف أن موقف جعجع من المستقلين أدى الى انقطاع تواصله مع مكاري، وكادت علاقته بحرب تبلغ المصير نفسه، في ضوء الاتصال الساخن الذي دار بينهما وتخلله تبادل المواقف الحادة من الطرفين.
ورأى هذا المصدر أن اعادة تصحيح العلاقة بين جعجع ومكاري في حاجة الآن الى بذل جهد فوق العادة، وهذا ما تكفل به الحريري والسنيورة في معرض تقويمهما لسوء الأحوال السياسية بينهما، وذكر إن الإمكانية قائمة لمصالحة القوات مع حرب ولكنها في حاجة الى مداخلات لتنقية الأجواء بينهما.
وتابع إن علاقة "المستقبل" بحلفائه في «14 آذار» وتحديدًا بـ "القوات" وحزب "الكتائب" نوقشت بالتفصيل في اجتماع الرياض، وأن الحريري والسنيورة قادا الرأي القائل بضرورة التدخل لإعادة الاعتبار لها، من جهة ولدرء الأخطار التي تهددها، من جهة ثانية.
وأوضح المصدر أن الاجتماع الأخير لـ «14 آذار» الذي عقد ليل الخميس الماضي في "بيت الوسط» خصص للبحث في كيفية العودة بها الى الأصل الذي يحفظ وحدتها ويزيدها تمسكًا بالثوابت التي انطلقت منها. وذكر إن ممثل "القوات" في اللقاء النائب جورج عدوان أبدى مرونة في التعاون لاستيعاب التأزم الذي يهدد وحدتها وتحدث بإيجابية عن دور "المستقلين" فيها مع انهم صوتوا في انتخابات نقابة المحامين في دورتي انتخاب الأعضاء والنقيب لمصلحة مرشح "التيار الوطني الحر" أنطونيو هاشم الذي فاز بمنصب النقيب.
واعتبر ان الممارسة السياسية لمعظم الأطراف في داخل «14 آذار» تتناقض والموقف الموحد الذي يصدر عن اجتماعاتها الدورية، وذكر "لم يعد ممكنًا الاستمرار في ظل تصاعد حدة الاختلاف بين قواها الرئيسة وتغييب الدور الذي عهد به الى «المستقلين» الذين أحسنوا في تمرير رسالة سياسية لمن يعنيهم الأمر بأنهم يرفضون التعامل معهم على أنهم ملحقون بطرف أو بآخر".
واعترف المصدر أن لقاء الرياض توقف مليًا أمام المسار العام للعلاقة القائمة بين «المستقبل» و «القوات» و «الكتائب»، وأكد أن اعادة الحيوية اليها تستدعي عقد لقاء موسع لـ «14 آذار» بعيداً من الابتزاز أو الانزلاق في مشاريع خاصة، وقد يكون الفرصة الأخيرة لإصلاح ذات البين بين جميع مكوناتها وإلا فإن وحدتها ستذهب ضحية الازدواجية في المواقف.
وأجمع الذين شاركوا في اجتماع الرياض بخصوص الحوار الدائر بين «المستقبل» و «حزب الله» برعاية مباشرة من بري، على ضرورة استمراره، لأنه يشكل الحاضنة الوحيدة لتنفيس الاحتقان وخفض منسوب التوتر المذهبي والطائفي. ورأوا ايضًا أن الجلسة الحوارية المقبلة ستكون مناسبة لتقويم المبادرة التي أطلقها أخيرًا السيد حسن نصر الله ودعا فيها الى التفاهم على تسوية للأزمة في لبنان.
ورأى الذين شاركوا في اجتماع الرياض أن ما طرحه نصر الله هو بمثابة مؤشر ايجابي يجب التعامل معه بانفتاح لأنه لا مصلحة لأحد في رفض أي تسوية في المطلق.
واعتبروا ان هناك ضرورة لمتابعتها للتأكد من مضامينها وبعض تفاصيلها وما إذا كانت تصب في نهاية المطاف في التفاهم على انتخاب رئيس توافقي.
وبالنسبة الى وضع قانون انتخاب جديد، كان لا بد للمشاركين في اجتماع الرياض من تأييد تشكيل لجنة التواصل النيابية لعلها تتوصل الى ابتداع قواسم مشتركة يمكن التأسيس عليها لإنتاج قانون جديد مع استعدادهم للتفاهم في داخل «14 آذار» على مشروع موحد، خصوصًا ان «المستقبل» و «اللقاء الديموقراطي» برئاسة وليد جنبلاط و «القوات» كانوا توصلوا الى اتفاق على الإطار العام لهذا القانون الذي يجمع بين النظامين الأكثري والنسبي.
وعليه، فإن بداية الحوار بين "المستقبل" و "المردة" لن تشكل -كما يقول قيادي في «14 آذار» - عائقًا أمام الالتفات لتضميد الجروح السياسية التي أصابتها، متمنيًا عدم تفويت هذه الفرصة، لأن البديل سيكون حتمًا الانقسام بدلًا من تنقيتها من الشوائب وهي تستعد لمواجهة أكثر من استحقاق سياسي على وقع "إعلان النيات" بين الحريري وفرنجية لبدء حوار لا يزال في طوره التأسيسي.
أرسل تعليقك