يسيطر اليأس على الفلسطينيين في قطاع غزة، ليس لأنهم يدفنون شهدائهم أثناء إحياء ذكرى النكبة 1948، والتي تسببت في طرد أجدادهم من منازلهم ما يعرف الآن باسم إسرائيل، ولكن أيضا لأنهم تحت الحصار الذي لا يمكن تحمله، وكذلك الإحساس بأنه العالم غير المبالٍ تخلى عن مصيرهم. وتعد إسرائيل عدو الفلسطينيين الرئيسي قبل وبعد حرب عام 1967، وقد سحبت إسرائيل قواتها من قطاع غزة في عام 2005، ولكنها ما تزال تسيطر على الحدود والمجال الجوي ومياه القطاع، كما تُغلق مصر معبر رفح الحدودي، وتستخدم القاهرة نفوذها للضغط على حركة حماس الحاكمة للقطاع، وكذلك على 2 مليون نسمة، عدد السكان.
الحصار وخلاف حركتي حماس وفتح:
وأدان الرئيس الفلسطيني في الضفة الغربية، محمود عباس، أعمال القتل التي وقعت الأثنين، من مقره في رام الله، ولكنه كان عدائيا أيضا، حيث يعلق رواتب موظفي قطاع غزة، بسبب الخلاف حول الضرائب وشرعية حكم حماس للقطاع منذ عام 2007. ولم تسفر جهود المصالحة بين حركة فتح التي يتزعمها عباس وحماس عن أي شيء منذ موجة من الإثارة في العام الماضي، وكان مطلب عباس نزع السلاح غير المقبول من حماس، في حرب عام 2014، عندما قُتل 2300 من سكان غزة، بينهم مئات المدنيين ومقاتلي حماس، واُتهم عباس بالإيماء بالرأس ومحاباة إسرائيل لمواصلة مهاجمتها لحماس، وبالتالي إضعاف منافسيه.
وتراجعت شعبية عباس في الأشهر القليلة الماضية، ليس فقط بسبب أسلوبه الاستبدادي، ولكن فشل منظمة التحرير الفلسطينية التي أسسها الرئيس الراحل ياسر عرفات، في تحقيق أي تقدم مع إسرائيل منذ وفاته في عام 2004، رغم اتباعها سياسة اللاعنف.
حكومة نتانياهو تقتل جهود عملية السلام:
وقتل استمرار النشاط الاستيطاني الإسرائيلي المتواصل في الضفة الغربية والقدس الشرقية، تحت حكم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الحل الدبلوماسي، وكذلك فعل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب. ويترأس نتانياهو، أكبر حكومة يمنية في تاريخ إسرائيل، وهو مستعد لإعطاء الفلسطينيين ما يسمى بالدولة الناقصة، بينما يطالب بالإعتراف الرسمي بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، كما لم تُعقد محادثات سلام لأكثر من 4 سنوات.
ويشعر الفلسطينيون بشكل متزايد بالقلق من العالم العربي، كما أن قضيتهم لطالما جذبت الدعم العربي الشعبي، حيث يرون المشاهد العافية على المقاهي في الجزائر والكويت، حين تبثها قناة الجزيرة الفضائية، ولكن بالنسبة للحكومات المسألة مختلفة، عقدت مصر معاهدة سلام مع إسرائيل في عام 1979، وكذلك الأردن 1994، وكليهما حليف قريب للولايات المتحدة، وفي الوقت الجاري، ظهرت العلاقات الوليدة والروابط السرية بين إسرائيل والسعودية ودول الخليج الأخرى، واجتمعوا سويًا على محاربة إيران، وبالتالي وُجهت الاتهامات للقادة العرب بأنهم "عرب صهاينة" يتآمرون على تصفية القضية الفلسطينية، كما تلعب الانقسامات التي خلفتها الحرب السورية 2011 دورًا في ذلك. ولا تعكس احتجاجات غزة اليأس الذي يعيشه الفلسطينيون، بل أيضا التعبئة الشعبية والإبداع التكتيكي الذي جذب الانتباه الدولي، ودفع لإدانة إسرائيل باستخدام القوة المفرطة.
وتريد حماس بالتأكيد استغلال الاحتجاجات، لكن الإصرار الإسرائيلي أنها تدافع عن حدودها ضد المتطرفين يعد تجاهلًا لأصوات الفلسطينيين العاديين.
فك الحصار وفتح المعبر أبسط الحلول:
وتكرر الولايات المتحدة الحجج الإسرائيلية، وإذا كانت رسالة ترامب في توقيت افتتاح السفارة في القدس محل ترحيب من قبل الإسرائيليين، فكان تحيزًا واضحا ومقصود ضد الفلسطينيين، وفتح جرحهم الأول، كما أن فكرة خروج القدس من المفاوضات، تدفع عباس لإقصاء واشنطن من لعب أي دور في عملية سلام مستقبلية، وهذا يعني أن إعلان ترامب عن اتفاق سلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، سيموت فور إطلاقه.
وتبدو الآمال بإحياء أي نوع من المفاوضات وكأنها خيال بعيد. وينطبق الشيء نفسه على المطالب بالعودة الجماعية للاجئين الفلسطينيين، كما أن الإنذار والغضب والدعوات إلى ضبط النفس والتحقيق هي ردود فعل متوقعة لما أطلق عليه الصحافي في صحيفة هآرتس، عاموس هرئيل "حمام دم يمكن التنبؤ به".
ولكن هناك حاجة ملحة لإقناع السلطة الفلسطينية وحماس بإنهاء الخلاف المدمر، والمساعدة في توفير المياه الصالحة للشرب، والكهرباء ومعالجة مياه الصرف الصحي لغزة، سماح إسرائيل بمزيد من الصادرات وتصاريح الخروج، ولفتح مصر معبر رفح بشكل منتظم، وبخلاف ذلك فإن بؤس غزة الذي لا هوادة فيه، لا يمكن تخفيفه في أي قت قريب.
أرسل تعليقك