أثارت زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى دولة السودان، أصداءًا واسعة، ورود فعل كبيرة في الأوساط السياسية، حيث توالت التقييمات والتحليلات لنتائجها على مستويات إعلامية وسياسية وحزبية في القاهرة والخرطوم.
ورصد موقع "العرب اليوم" هذه التقييمات، حيث كشفت هذه التقييمات حالة من الإجماع على أن تغيير إيجابي غير مسبوق في شكل العلاقات المشتركة، يتزامن مع ترتيبات مماثلة بين إثيوبيا وإريتريا.
شراكة استراتيجية مرتقبة
وعكست كلمات رؤساء مصر والسودان، الكثير من الدلالات بشأن ماوصلت إليه العلاقات الثنائية، وكشفت إلى حد كبير مستقبل تلك العلاقات، حيث تعهد البشير عقب جلسة مباحثات مع السيسي في الخرطوم بإزالة جميع العوائق أمام حركة الأفراد والسلع، أما السيسي فقال "سنسعى لبناء شراكة إستراتيجية مع السودان عبر العمل الدؤوب لتطوير التعاون والتنسيق والاستفادة من الفرص المتاحة والتشابه في البناء الاقتصادي، ليشدد أيضا على ضرورة تفعيل اللجنة المشتركة لمناقشة كافة القضايا عبر خريطة طريق واضحة بمواقيت وأهداف محددة".
ودعا السيسي وسائل الإعلام السودانية والمصرية للعمل الجاد لتعزيز وتعضيد قيم الخير والسلام والاستقرار والتبشير بعلاقات البلدين، معبرا عن عدم رضاه لما يكتب في وسائل الإعلام في البلدين باعتباره "لا يخدم مصالح البلدين والشعبين".
الإعلام من الزيارة
ونتوقف على على المستوى الإعلامي، حيث تناولت كبرى الصحف والمواقع العالمية والعربية الزيارة، وركزت جريدة "الحياة" اللندنية على محاور التوافق العسكري والأمني، بالإضافة للتطرق بين السيسي والبشير فيما يخص المياة والزراعة والتطورات الإقليمية في هذا الصدد، لتكشف أنه جرى الاتفاق على تأجيل الملفات الخلافية إلى قمة مرتقبة بعد ثلاثة أشهر.
وأطلقت صحيفة "الشرق الأوسط" على الحدث "قمة الإحتواء"، ورأت أن تقارب ملموس وقع بين قيادات البلدين ، وأن المسؤولين المصريين والسودانيين ارتقوا فوق اختلافات بوجهات النظر كانت قد طفت على السطح مؤخرا، الأمر ذاته جرى تناوله من خلال الصحف الخليجية، الأنباء الكويتية، وعكاظ السعودية والجزيرة القطرية، واللذين سلطوا الضوء على أن ثمة طوي لصفحة الخلافات يحدث حاليا بين دولتي وادي النيل، وأن رغبة حقيقية في الانخراط بترتيبات إيجابية للبيت الأفريقي من الداخل، بالتزامن مع الانفتاح غير المسبوق في العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا.
"درجة نضج غير مسبوقة" وأفضل من "تكسير العظام"
وننتقل إلى رؤية الزيارة من بوابة الخبراء والمحللين، الذين لم يفوتوا تفصيلات معينة قاموا بقراءتها في زيارة السيسي إلى الخرطوم، فالسياسي السوداني الدكتور الرشيد محمد إبراهيم وصف ماجرى بـ"درجة نضج غير مسبوقة" وصلت إليها الأنظمة الحاكمة في مصر والسودان، وأن كليهما وصل إلى قناعات مؤكدة بأن بناء علاقات قائمة على التفاهم، سيكون فعال وناجح أكثر من انتهاج سياسية "تكسير العظام" التي جرت على مستويات إعلامية على الأقل خلال الشهور الماضية، وذلك وفقًا لتصريحاته لموقع "الحزيرة نت".
ورأي مراقبون آخرون أن هناك تسريع واضح في إيقاع اللقاءات وإبرام التفاهمات بين البلدين، وأن مرجع ذلك إلى تطورات مماثلة تجري فيما يخص حسم الكثير من النقاط الخلافية حول سد النهضة، وأن تقارب القاهرة والخرطوم، يُعد انعكاسًا واضحًا لتصفية مماثلة في الأجواء بين إرتيريا وإثيوبيا.
كما أكد الأمين السياسي للحزب الحاكم في السودان الدكتور عبد الرحمن الخضر في تصريحات تليفزيونية أن هناك تطلع مصري سوداني لافت إلى شراكات سياسية واقتصادية تتجاوز الشقاقات كافة التي تنامت مؤخرا، وأن التطورات الإقليمية الجارية بين دول القارة السمراء، تعزز من دون شك مبدأ التكامل بين تلك الدول.
وقال مسؤول سوداني لـ "الحياة"، أن البشير والسيسي لم يناقشا قضية النزاع على مثلث حلايب الحدودي، بل أقرا إرجاء مناقشة الأمر إلى اجتماعات اللجنة العليا بين البلدين على المستوى الرئاسي التي ستستضيفها الخرطوم أيضاً في تشرين الاول /أكتوبر المقبل.
الأحزاب بدأت التقييم
وانطلقت معظم الأحزاب المصرية لتقييم الزيارة، حيث بادر حزب "التجمع" العريق بإبداء استحسان لمدى القوة والمتانية التي بدت عليها العلاقة بين القاهرة والخرطوم، كما الحرية الصاعد في مصر إلى وصفها بالناجحة والتاريخية، وتحدث مباشرة عن المكاسب المشتركة منها كالربط من خلال السكك الحديدية والمشروعات الكهربائية العملاقة.
واعتبر حزب "حماة الوطن" صاحب الـ 20 مقعد بالبرلمان المصري أن الزيارة قطعت تماما الشكوك حول وجود توتر في العلاقات بين البلدين، ليطالب القيادة السياسية في مصر بمزيد من تعزيز التواجد والحضور في العمق الأفريقي.
وقال النائب ماجد أبو الخير وكيل لجنة العلاقات الأفريقية بالبرلمان المصري، في تصريحات خاصة إلى "مصر اليوم"، أن مجلس النواب على مدار الشهور الماضية، كان يبذل محاولات حثيثة لتقريب وجهات النظر مع الخرطوم، وأن لقاءات عدة جرت لتحقيق هذا الهدف، كاشفا عن مجموعة من القوانين التي يجري تجهيزها داخل أروقة البرلمان الآن، لترجمة التطور الإيجابي العلاقة إلى قوانين لها قوة التنفيذ والتحقق على أرض الواقع.
وأضاف أبو الخير "نملك تصورات كاملة عن مشروعات للربط الكهربائي، ومايتطلبه مد خطوط السكك الحديدية مع السودان، والاستفادات العائدة على كلا البلدين من وراء ذلك"، لافتا إلى أن النهج الرئاسي المتبع حاليا في التعامل مع الملفات الأفريقية، محل إعجاب شديد من نواب الشعب، اللذين يثمنون تلك الخطوات، وعلى استعداد لدعمها على عدة أصعدة.
واعتبر هاني رسلان خبير الشؤون الأفريقية ورئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل، أن هناك تغيير يجري حاليًا لشكل العلاقات بين مصر والسودان، وأن خطط موضوعة من قبل القيادة السياسية المصرية لكبح أي تدهور في تلك العلاقات.
وأضاف رسلان في تصريح إلى برنامج "الجمعة في مصر" على قناة "إم بي سي" الفضائية، أن فتح المعابر البرية بين مصر والسودان نقطة تحول في العلاقة بين البلدين، مضيفا لأنها سمحت بتداول أكبر للسلع.
أرسل تعليقك