أعلنت وزارة الهجرة والمهاجرين في العراق، الأحد، عودة أكثر من 260 نازحًا إلى ناحيتي يثرب والإسحاقي في محافظة صلاح الدين، مؤكدة أنها تعمل على التنسيق مع كافة الجهات لتهيئة المستلزمات والاحتياجات الضرورية لضمان عودة النازحين الراغبين بالعودة الطوعية إلى مناطقهم المحررة.
وقال مدير قسم المحافظات المركزية في دائرة شؤون الفروع في الوزارة، وميض سعيد - في بيان صحافي، إن "كوادر الوزارة أعادت أكثر من 260 نازحًا كدفعة أولى من مخيم التكية الكسنزانية لمناطقهم المحررة في ناحيتي يثرب والإسحاقي في محافظة صلاح الدين بعد تهيئة كافة المستلزمات الضرورية واستكمال عمليات التدقيق الأمني من قبل القوات الأمنية"، مضيفًا أن الوزارة جهزت حافلات خاصة بالتنسيق مع وزارة النقل العراقية لنقلهم، فضلًا عن توفير عجلات الحمل لنقل أمتعتهم الموجودة في المخيم.
ومنذ أخرجت القوات العراقية الكرد من منطقة سنجار الجبلية التي تعتبر موطن الايزيديين في شمال العراق خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، يتساءل سكان المنطقة عما يمكن أن يؤول إليه مصيرهم، فقد قلت الأموال والمواد الغذائية منذ أوقفت منظمات الإغاثة شحناتها بعد تقدم القوات العراقية. وانهارت مبان في الاشتباكات كما أن الكثير من المباني السليمة عليها آثار الرصاص وتنتشر فيها العبوات الناسفة.
ومنذ فترة طويلة تنظر جماعات أخرى في العراق بعين الارتياب للإيزيديين الذي تجمع معتقداتهم عناصر من عدة أديان قديمة بمنطقة الشرق الأوسط كما تعرضوا للاضطهاد على أيدي جماعات أخرى، وفي عام 2014 قتل رجال تنظيم "داعش" أكثر من 3000 من الأيزيديين في حملة وصفتها الأمم المتحدة بأنها إبادة جماعية، والآن فإن الأرض التي عاشوا عليها منذ قرون أصبحت ورقة في خلاف بين بغداد وكرد العراق الذين سيطروا على المنطقة منذ سقوط صدام حسين عام 2003.
وقال أحد سكان مدينة سنجار يدعى كمال علي "نحن محاصرون في مباراة الكرة السياسية هذه بين العراق والكرد. لكن لا أحد من الطرفين يهتم بمستقبلنا"، وقد رفعت الفصائل المسلحة علم العراق بألوانه الثلاثة على المباني الحكومية وكُتب على أي أعلام باقية من أعلام الكرد كلمات العراق والله أكبر وطُمست الشمس المتوهجة في وسط العلم الكردي باللون الأسود، ولسنجار أهمية سياسية لأنها تقع في الأراضي المتنازع عليها وهي المناطق المختلطة عرقيًا في شمال العراق إذ أنها موضع نزاع دستوري قديم بين بغداد والكرد ويطالب بها كل من الطرفين.
وخضعت سنجار لسيطرة الكرد رغم وقوعها خارج الحدود المعترف بها لإقليم كردستان العراق، ولم تفعل بغداد شيئًا يذكر للاعتراض على هذا الترتيب حتى الهجوم الذي شنته قواتها في تشرين الأول عقابًا للكرد على إجراء استفتاء على الاستقلال في 25 سبتمبر/ أيلول، وسيطرت القوات العراقية على المناطق المتنازع عليها التي توسع فيها الكرد ومنها سنجار.
وجدد الاستفتاء التوترات الكامنة تحت السطح حول حدود السيطرة في شمال البلاد الغني بالنفط بين بغداد وحكومة إقليم كردستان بعد أن حارب الطرفان جنبا إلى جنب في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، فبعضهم أسعده رحيل الكرد ورأى فرصة في قدر أكبر من الحكم الذاتي بعد أن أصبحوا تحت سيطرة السلطة الاتحادية في أعقاب الهجوم الذي شنته القوات العراقية في أكتوبر، وقد سلمت القوات الكردية مدينة سنجار دون قتال إلى فوج لالش وهو فصيل يزيدي مسلح تدعمه الفصائل الشيعية شبه العسكرية.
ويتحدث أغلب الأيزيديين بلهجة كردية لكن كثيرين منهم لا يعتبرون أنفسهم كردًا من الناحية العرقية، وأوضح أيزيدي يبلغ من العمر 47 عامًا يدعى أبو سردار "نحن سعداء برحيل الكرد. فنحن أيزيديون ولسنا كردًا. ولا نريد أن نكون جزءا من كردستان"، بحسب ما أوردته "رويترز" في تقرير، وشكا أبو سردار مثل آخرين من أن الكرد أرغموه على الإدلاء بصوته في الاستفتاء. وتنفي حكومة إقليم كردستان هذه الاتهامات.
وقد عاد أبو سردار قبل شهرين إلى أطلال بيته في حي سينوني في سنجار وأعرب عن شعوره بخيبة أمل شديدة لأن شيئًا لم يتغير منذ رحيله في عام 2014 فالمستشفيات والمدارس لا تزال مغلقة ولا يزال أغلب المدينة عبارة عن ركام، وهو يأمل أن تعيد بغداد والفصائل بناء سنجار.غير أن آخرين يتحسرون على رحيل الكورد.
وتحمل حكومة إقليم كردستان العراق والجماعات الايزيدية المتحالفة معها رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي مسؤولية الحملة التي شنها تنظيم الدولة الإسلامية. ويقول هؤلاء إن هروب القوات العراقية من الموصل سمح للمتطرفين بالاستيلاء على أسلحة بمليارات الدولارات استخدموها فيما بعد في مهاجمة الأقلية الأيزيدية، ويقول القائد الأيزيدي قاسم ششو إن الحكومة العراقية طائفية وتبغض الأيزيديين بقدر ما يبغضهم تنظيم الدولة الإسلامية، وهو مثل كثيرين غيره يحمل الكورد مسؤولية الهجوم الذي شنه التنظيم.
وشيشو متحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في الإقليم وذلك رغم أن الكرد قطعوا مرتبات مقاتليه بعد أن سيطر فوج لالش على سنجار، ويؤكد سكان أنه في بعض الأيام لا يوجد سوى عظام في سنجار. فقد تم الكشف عن نحو 50 قبرًا جماعيًا خارج المدينة منذ عام 2014.
وأكد علي سرحان عيسى قائد فوج لالش والمعروف باسم خال علي "سنجار مدينة أشباح"، فقد فر عشرات الآلاف من الايزيديين أمام هجوم المتطرفين واتجهوا إلى جبل سنجار، وقُتل من لم يصل منهم إلى الجبل أي نحو 3100 فرد وتم القضاء على أكثر من نصفهم رميًا بالرصاص أو بقطع الرؤوس أو الحرق أحياء وتم التخلص منهم في مقابر جماعية، وكان مصير آخرين البيع كإماء أو أرغموا على القتال وذلك وفقا لما جاء في تقرير في نشرة بلوس ميديسن، ولا يزال البعض فوق الجبل مقبلين على قضاء ثالث شتاء بارد في الخيام.
وقبل هجوم التنظيم كانت سنجار موطنًا لنحو 400 ألف شخص أغلبهم من الأيزيديين والعرب السنة، وتوضح تقديرات لمنظمات إنسانية أن 15 في المئة فقط من الأيزيديين عادوا إلى ديارهم، ولا يزال أغلب الأيزيديين في مخيمات في إقليم كردستان مع معظم السنة الذين خرجوا من ديارهم في المنطقة. ويخشى العاملون في مجال الإغاثة إغلاق المخيمات إذا اشتعل التوتر بين بغداد والكرد.
ومما يعقد الصورة وجود مقاتلين من حزب العمال الكردستاني الانفصالي التركي، وينسب كثيرون من الأيزيديين لهم الفضل في فتح طريق بري للسماح للعالقين في جبل سنجار بالهروب من المتطرفين عام 2014، وقد رسخ حزب العمال الكردستاني وجوده وسط الطائفة بل وأسس وحدة محلية أطلق عليها اسم وحدات مقاومة سنجار وهي تسيطر على عدد من الحواجز الأمنية حول المدينة، وتراقب تركيا وإيران تحولات ميزان القوى في سنجار، فيما تريد طهران تأمين المنطقة الشمالية الغربية من العراق حيث حدود العراق مع سورية بينما تريد تركيا إخلاء المنطقة من حزب العمال الكردستاني الذي تحظره.
أرسل تعليقك