كشفت حليم عبدالملك، مسلم فرنسي مشتبه بكونه "إرهابيًا"، أنه لم يصوت في الانتخابات التي جرت في فرنسا، فبعتباره متطرفًا مشتبًها به فهو محرومًا من حريته، وكان سيحتاج إلى إذن خاص للقيام بذلك، مؤكدًا أنه على أي حال، يشعر أنه فقد الثقة في النظام السياسي للبلد الذي اعتاد أن يفخر به.
ويعد عبدالملك رسميًا مشتبه فيه، على الرغم من أنه لم يُحاكم أبدًا، ناهيك عن إدانته، بأي جرائم متطرفة، والواقع أنه هو الشخص الأول وحتى الآن الوحيد الذي أصدرت المحكمة حكمًا بالإقامة الجبرية ضده لأجل غير مسمى، وقد استرد الميكانيكي البالغ من العمر 35 عامًا، حريته بعد نضال قانوني طويل وضيق، ولا يزال المئات من السجناء في منازلهم، دون محاكمة أيضًا، في أعقاب عمليات الاعتقال واسعة النطاق التي أعقبت الهجمات القاتلة التي قام بها المتطرفون الإسلاميون في الأعوام القليلة الماضية.
وأوضح عبدالمالك لصحيفة "الاندبندنت" البريطانية: "كيف يمكنني أن أؤمن بدولة دمرت حياتي تقريبًا، وحياة عائلتي؟ ودمرت عملي؟ لا، لم أصوت في تلك الانتخابات، وأنا لا أشعر بأني جزءً من ذلك البلد"، ورغم أن انتصار إيمانويل ماكرون على مارين لوبان موضع تركيز دولي مكثف، إلا أنه يقول، "لن يكون له تأثير يُذكر على حياته أو على المسلمين الآخرين الذين يُعتبرون أعداءً للدولة".
وأراد عبدالملك أن يؤكد أنه لا يعتقد، مثل بعض المسلمين الأصوليين، أن الإسلام لا يسمح للسلطة العلمانية للحكم، وبالتالي المشاركة في الانتخابات يعد خطأ، وإذا كان قد صوت، لكان صوت لجان لوك ميلينتشون، المرشح اليساري المتطرف، قائلًا: "بالنسبة لي كان أفضل منهم جميعًا، وقال إنه يريد الدفاع عن مصالح الناس العاديين، الطبقة العاملة، والمسيحيين والمسلمين أو أيًا كان، لكن السياسة تعني القليل بالنسبة لي الآن، وأعتقد أنه لن يتغير الكثير، وسيكون هناك أشخاصًا متهمون بالتطرف بسبب الدين، ويشعرون بعدم الترحيب فيما كنا نظن أنه بلدنا ".
ويُمكن للمرء أن يجادل بأن فرنسا اتخذت خطوة حازمة بعيدًا عن كراهية الأجانب والتعصب، فقد اعتقدت لوبان وحزبها، الجبهة الوطنية، أن اللعب في السباق ببطاقة الدين، و"التهديد الإسلامي" وسط الهجمات المتكررة التي عانت منها البلد، من شأنه أن يعطيهم تقدمًا كبيرًا في الانتخابات، وهذا لم يحدث، مع فوز ماكرون بشكل شامل.
ولكن الشعور بالاغتراب والغضب في مجتمع مزعج لا يزال قائمًا، مع سلسلة لا هوادة فيها من الفظائع الإسلامية التي تثير الخوف والشك، وتعزيز البحث عن التهديد في الداخل، وكان من بين أكثر الأحداث الرهيبة مقتل 12 شخصًا في مكاتب باريس لمجلة "تشارلي إبدو" في كانون الثاني/ يناير 2015، وبعد أربعة أشهر، شوهد عبدالملك في منطقة يعيش فيها أحد أعضاء طاقم المجلة الذين ظلوا على قيد الحياة.
وادعت السلطات أن عبدالملك كان يقوم بعمليات استطلاع، وأخذ صورًا ونقل معلومات عبر هاتفه المحمول، ربما بهدف شن هجوم، فيما نفى عبدالمالك بشدة تلك الاتهامات، قائلًا إنه لم يلتقط أي صور فوتوغرافية، فالمكالمة الهاتفية كانت لزوجته، وكان في تلك المنطقة بالذات لأنه كان في طريقه إلى منزل والدته في مكان قريب من المنطقة، ولم يكن لديه أي فكرة عن تواجد أي فرد من موظفي "شارلي إيبدو" أنه يعيش هناك.
وقد وجد عبد المالك رسالة تطلب منه الحضور إلى مركز الشرطة في صباح اليوم التالي، وهناك تم استجوابه وتم مصادرة هاتفه المحمول وتحليله، غير أنه لم تجر أي عمليات تفتيش لمنزله؛ ولم يتم فحص أجهزة الكمبيوتر، ولم توجه إليه أي اتهامات ولم يكن محتجزًا، واستمر في حياته التي كانت تسير على ما يرام، وعقب وقوع هجمات تخريبية في فرنسا، وبالتحديد في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، حيث الاعتداءات المتعددة المنسقة في باريس التي أسفرت عن مقتل 130 شخصًا، 89 منهم في مسرح باتاكلان، تلقى عبدالملك رسالة تطلب منه الحضور إلى مركز للشرطة.
ولم تتهم النيابة العامة عبدالملك بأي تورط في هجمات تشرين الثاني/ نوفمبر، وأكدوا أن احتجازه كان مرتبطًا بالتجسس المزعوم على صحافي "شارلي إيبدو" من العام السابق وتهريب مزعوم لسيارة مسروقة قبل ثمانية أعوام، لجمع الأموال للمتمردين الإسلاميين في اليمن، واتهم أيضًا بالتردد على مسجد سلفي حيث كان هناك دعاة متطرفون.
واستجوب عبدالملك بالفعل بشأن تهريب السيارات في الماضي، كما كان قيد المراقبة بشأن "تشارلي إبدو"، دون توجيه أي تهم، ويُعتقد أن عملية اعتقاله الجائرة، وغيرها من عمليات الاعتقال ضد آخرين، كانت نتيجة لحكومة فرانسوا هولاند التي اتخذت إجراءات صارمة بشأن التطرف.
وأصر عبدالمالك على أن ذلك كان ضد العنف والدعاية إلى الحوار السلمي، وكان قد اعترف، بحضور مسجد إسلامي متشدد في الماضي، لكنه ادعى أنه لم يعد يفعل ذلك، ويختلف نظام ما يدخل في نطاق فترة الإقامة الجبرية الواسعة بين الأفراد، بالنسبة لعبد الملك كان يقصد به أن يقتصر على بيته في المساء والليل يذهب لمركز الشرطة ثلاث مرات في اليوم، وكان لهذا تأثيرًا كبيرًا على أعماله، فقد وجد صعوبة في العثور على محامين لتمثيله، قائلًا: "كان الناس يترددون في الدفاع عن شخص محتجز بسبب التطرف، وهذا هو المزاج في ذلك الوقت"، ولكن في النهاية، تمكن من الحصول على المحامين.
غير أن هناك مشكلة في تصاعد الدفاع في مثل تلك الحالات، وهي أن الكثير من الادعاء يستند إلى معلومات استخباراتية وتظل المصادر سرية من أجل النيابة العامة، وليس الإضرار بها ووضعها في خطر، وقد قررت وزارة الداخلية عدم الطعن في الحكم، ولكن، بموجب نظام العقوبات كمشتبه فيه رسميًا يمكن اعتقاله مرة أخرى.
أرسل تعليقك