بيروت - العرب اليوم
فتح التدخل المباشر لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي على خط النزاع المتصاعد بين جهات قضائية والقطاع المالي، الباب لاحتواء التداعيات المالية الناشئة عنه، فيما نفت الرئاسة اللبنانية محاولات الربط بين دور لها والإجراءات القضائية التي اتُّخذت بحق عدد من المصارف، معتبرةً أنها «قمة في التزوير والافتراء والتضليل».وأنذرت الأزمة بين القضاء والمصارف، بتصعيد في المواقف إلى مستوى إقفال البنوك تحذيرياً بدءاً من مطلع الأسبوع المقبل، واستئناف موجات المضاربة على الليرة، على خلفية تقلص السيولة النقدية بالعملة الوطنية. لكن التحرك السياسي استوعب هذا التصعيد إلى حد كبير، إذ تبلور جانب مهم من مبادرة ميقاتي خلال الاجتماع مع وزير العدل هنري خوري، والاتفاق على الطلب من مدّعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، اتخاذ الإجراءات المناسبة في هذا الملف.
ورأى الرئيس اللبناني ميشال عون، أن «الحملات الإعلامية التي ارتفعت وتيرتها خلال اليومين الماضيين، والتي حاولت الربط بين دور لرئاسة الجمهورية والإجراءات القضائية التي اتُّخذت في حق عدد من المصارف، هي قمة في التزوير والافتراء والتضليل، وهي نتيجة مؤكدة لحالة الفلتان التي يعيشها لبنان على مختلف المستويات، والإمعان في ضرب مؤسسات الدولة والقوانين المرعيّة الإجراء».وأكد عون أن «كل ما نُشر في الإعلام عن «مواجهات» بين رئاسة الجمهورية ومسؤولين مصرفيين، هو من نسج الخيال ويهدف إلى تسييس هذا الملف القضائي الصرف واختراع معارك وهمية وربطها زوراً بالاستحقاق الانتخابي النيابي المرتقب في 15 مايو (أيار) المقبل. وقال: «إن رئاسة الجمهورية لم تتدخل يوماً في عمل القضاء وتحترم استقلاليته وليست لها أي علاقة بالإجراءات التي تُتخَذ، لكنها في المقابل تتابع ملف التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان تنفيذاً للقانون الصادر في هذا الشأن في إطار مكافحة الفساد وكشف مسببي التدهور المالي الذي أصاب الدولة».
ولفت عون إلى أن «كل هذا الضياع يمكن تفاديه من خلال إقرار خطة التعافي المالي بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ومن ضمنها إقرار قانون الكابيتال كونترول، والتي يتوجب على الحكومة الإسراع في إنجازها».ونجحت الاتصالات السياسية بتطويق تداعيات الاشتباك المصرفي - القضائي، وتشير المعطيات إلى توسع التدخل السياسي لتهدئة الاشتباك القائم، بعدما جرى إدراج الموضوع المصرفي كبند رئيسي في جلسة خاصة يعقدها مجلس الوزراء اليوم (السبت)، وتقضي الصيغة المطروحة بحصر الشؤون القضائية المتصلة بالقطاع المصرفي، بالمدعي العام التمييزي، وتحت سقف احترام الأصول وموجبات التحفظ «بمعزل عن الهمروجات التي تسيء إلى سمعة الشخصيات والمؤسسات ذوي العلاقة».
ولم تكن قيادات مصرفية بمنأى عن هذه الأجواء، وقالت مصادرها لـ«الشرق الأوسط» أمس، إن التصعيد المستجدّ بضم سادس رئيس مجلس إدارة مصرف إلى قائمة الممنوعين من السفر، «أسهم بتنشيط المساعي وتسريعها بهدف تنسيق التسوية - المخرج مع أطراف سياسية فاعلة، بينما يتكفّل مصرفيون كبار بالاستجابة للتهدئة من خلال التواصل المستمر مع رئيس الحكومة وفريقه الاقتصادي، بعدما تمت مطالبته بضرورة التحرك والحؤول دون انزلاق الملف إلى تصعيد متبادل تتعدى تداعياته السوقية الميدان المحلي لتهدد التعاملات المالية عبر الحدود ومع شبكة البنوك المراسلة».
وبالفعل، تلقفت إدارات المصارف التي لبّت الدعوة الطارئة إلى عقد جمعية عمومية ظهر أمس في مقر الإدارة العامة لبنك «بيبلوس»، التحرك الحكومي بإيجابية حذرة، وقررت تفويض مجلس الإدارة باستخلاص القرار المناسب بعد التحقق من حصيلة المساعي ووجهة قرارات الحكومة في جلستها التي ستُعقد اليوم، إلى جانب إبداء الارتياح إلى مضمون تصريحات الرئيس ميقاتي، على أن يدعو مجلس الإدارة إلى عقد مؤتمر صحافي بعد ظهر غد (الأحد)، للإفصاح عن الموقف النهائي في ضوء التطورات.
وقالت مصادر شاركت في الجمعية العمومية لـ«الشرق الأوسط»، إن قيادات مصرفية فاعلة رجّحت تغليب كفة الاعتدال والتعاطي بعقلانية في إدارة النزاع المستجد، مقابل طروحات اتسمت بالانفعال لجهة الدعوة الفورية إلى إقفال عام للبنوك وإلقاء كامل المسؤولية على بعض القضاة. واستقرت التوصيات، حسب المصادر، على أن «الإضراب وسيلة وليس غاية»، وبالتالي «يقتضي التمهل لتبيان نتائج تحرك رئيس الحكومة»، فضلاً عن «الحرص على عدم التسبب بأي أضرار تلحق بأصحاب الحقوق والعلاقة مع الجهاز المصرفي».
وكان لافتاً في التصريحات الصادرة عن ميقاتي، إشارته الصريحة إلى أن «مسار الأمور لدى بعض القضاء يدفع باتجاه افتعال توترات لا تُحمد عقباها، وثمة محاولات لتوظيف هذا التوتر في الحملات الانتخابية، وهذا أمر خطير سبق وحذرنا منه»، منوهاً في المقابل إلى أن «الحرص على استقلالية القضاء وعدم التدخل في الشؤون القضائية، يوازيه الحرص على استقرار الأوضاع في البلد من النواحي كافة، لا سيما المالية».وقال ميقاتي خلال اجتماعه مع وزير العدل: «من حق القضاء أن يحقق في أي ملف مالي ومصرفي، خصوصاً استعادة المودعين في المصارف حقوقهم فهي الأولوية والثابتة الأساسية في كل المفاوضات التي نجريها مع صندوق النقد الدولي وكل الهيئات المعنية، إلا أن استخدام الأساليب الشعبوية والبوليسية في مسار التحقيقات أساء ويسيء إلى القضاء أولاً وإلى النظام المصرفي ككل».
وأضاف: «من هذا المنطلق نجدد مطالبة السلطات القضائية المعنية بأخذ المبادرة في تصويب ما يحصل، وفق الأصول المعروفة، والدفع في اتجاه العودة إلى مبدأ التحفظ، وعدم ترك الأمور على هذا النحو الذي يترك انعكاسات مدمرة على القضاء أولاً، وعلى إحدى الدعائم الاقتصادية في لبنان، والتي سيكون لها دور أساسي في عملية النهوض والتعافي».
بالتوازي، تسبب احتدام النزاع القضائي - المصرفي وشيوع معلومات عن توجه المصارف إلى تنفيذ قرار الإقفال التحذيري مطلع الأسبوع المقبل، في ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة المحلية في الأسواق الموازية، حيث سجل سعر الدولار قفزات متتالية ليصل بعد الظهر إلى نحو 23.5 ألف ليرة، مقابل نحو 20.8 ألف ليرة لكل دولار على منصة (صيرفة) التي يديرها البنك المركزي بالاشتراك مع المصارف وكبريات شركات الصرافة.
وتوقعت مصادر فاعلة في السوق الموازية أن يفضي نجاح مساعي احتواء النزاع إلى تبريد هذه المضاربات وعودة هوامش الأسعار إلى المستويات الأقرب للسعر المعتمد على منصة البنك المركزي. أما في حال التعثر، «فستكون الصورة مغايرة تماماً»، نظراً للحساسية المفرطة التي تتسم بها التعاملات في التعامل مع مستجدات تعمّق حال «عدم اليقين» المسيطرة على ترقبات المتعاملين.
قد يهمك ايضاً
أرسل تعليقك