كشف مصدر ديبلوماسي جزائري رفيع المستوى أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة رفض بلباقة ديبلوماسية طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإيفاد رئيس الوزراء الجزائري عبد المجيد تبون أو وزير الشؤون الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل أو تحديد ممثل خاص وشخصي له لتمثيل الجزائر في قمة دول الساحل-موريتانيا، مالي، النيجر، بوركينا فاسو وتشاد-التي ستجرى الأحد المقبل في العاصمة المالية باماكو .
وبحسب ذات المصدر في تصريح إلى "العرب اليوم" فإن بوتفليقة شرح له موقف الجزائر تجاه هذا التجمع الإقليمي الأفريقي الذي عندما تأسس منذ سنتين لم يتم دعوة الجزائر للانضمام إليه أو حتى مشاورتها في إنشائه. وقد جاء هذا الرفض الجزائري للطلب الفرنسي أثناء المكالمة الهاتفية التي جرت بين الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يوم الأربعاء الماضي، حيث أفاد بيان للرئاسة الجزائرية صُدر يوم الخميس الماضي أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة تحدث هذا الأربعاء مع نظيره الفرنسي الرئيس إيمانويل ماكرون.
ولهذه المناسبة, يقول البيان الرئاسي الجزائري, "أعرب رئيسي الدولتين عن ارتياحهما للإجراءات المتفق عليها من أجل تفعيل مشاريع التعاون والشراكة المشتركة سيما تحسبا لزيارة الدولة التي سيقوم بها الرئيس إيمانويل ماكرون للجزائر خلال الأسابيع المقبلة". كما أوضح البيان أن"الرئيسين بوتفليقة وماكرون تبادلا وجهات النظر حول السبل والوسائل الكفيلة بالمساهمة في تسريع عملية تجسيد اتفاق الجزائر من أجل السلم والمصالحة الوطنية في شمال مالي الذي كلفت الجزائر بمتابعة تطبيقه بالتعاون مع شركاء دوليين آخرين لمالي من بينهم فرنسا".
وتعتبر المكالمة الهاتفية الأخيرة الثالثة من نوعها بين الرئيسين الجزائري والفرنسي منذ انتخاب إيمانويل ماكرون رئيسًا لفرنسا في مايو/أيار الماضي، وكان الرئيس الفرنسي يمني النفس بافتكاك موافقة بوتفليقة في المشاركة في قمة دول الساحل ولو كعضو ملاحظ للثقل الكبير الذي تمثله الجزائر، لكنه اصطدم بالرفض القاطع للرئيس الجزائري الذي يعتبر مجموعة دول الساحل تنكرًا لمساعي الجزائر الحثيثة في مكافحة الإرهاب والتهريب بمنطقة الساحل الأفريقي.
وأشار مصدرنا أن الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا كان قد طلب من الرئيس الجزائري مشاركة الجزائر في قمة الأحد المقبل التي ستحتضنها بلاده لدول الساحل كضيف شرف أو عضو ملاحظ بمعية الرئيس الفرنسي، لكن بوتفليقة رفض الطلب المالي شارحًا للرئيس كايتا مبررات ذلك. وقد رفض بوتفليقة حتى مشاركة السفير الجزائري في باماكو لحضور جانب من أشغال هذه القمة.
و كان 5 قادة أفارقة، قد أعلنوا تشكيل قوة مشتركة لمكافحة الإرهاب في الساحل الأفريقي من دون الجزائر في شباط/فبراير الماضي، وبرعاية ودعم من الاتحاد الأوروبي، وهو ما اعتبرته الجزائر ضربة موجعة لاتفاق الدول الستة التي أبرمت في الجزائر في آذار/مارس 2010 والقائمة على إنشاء قوة إقليمية مشتركة مقرها تمنراست جنوب الجزائر، بغرض التعاون الأمني فيما بينها ومحاربة تنظيم "القاعدة" دون أي تدخل غربي. تلك القوة الإقليمية المشتركة التي أعلن ميلادها قبل 7 سنوات، واتخذت قيادة أركانها بمدينة تمنراست، والتي تضم كلا من موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينافاسو، بالإضافة إلى الجزائر، هي مبادرة أرادت بها الجزائر بعد مساع حثيثة قادتها، إقناع هذه الدول بضرورة التوحد في "حلف أفريقي" يحل مشاكله الأمنية بمفرده مع استبعاد أي تدخل أجنبي بالمنطقة، مركزة على دعم عدة جوانب كانت ترى فيها نجاح مشروعها، منها تخصيص 50 ألف جندي مع إمكان توفير الأسلحة والتدريب والمعلومة الاستخباراتية، التي تعتبر أهم عنصر في صناعة أي قرار عسكري، مع استبعاد ضغط الطرف الآخر كالفدية التي باتت لغة الجماعات الإرهابية لابتزاز أموال الغرب.
لكن دول الساحل الأفريقي سارعت إلى الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي لدعمها في مكافحة الإرهاب، متجاهلة اتفاق الجزائر التي تجمعها منذ 7 سنوات، ليتأكد سقوط مبادرة الجزائر، بالنظر إلى انقلاب قادة هذه الدول الأفريقية رغم الجهود الكبيرة التي بذلتها الجزائر لمكافحة الإرهاب وزرع الأمان في المنطقة. وأعلن قادة الدول الخمسة، المنضوية في مبادرة الجزائر، شباط/فبراير المنصرم، تشكيل قوة جديدة فيما بينها لمكافحة الإرهاب، دون إشراك الجزائر، حيث قال الرئيس التشادي، إدريس ديبي، إن الدول الأعضاء في المجموعة (مالي، تشاد، النيجر، بوركينافاسو وموريتانيا) تقع على "خط المواجهة ضد الخطر الإرهابي"، مضيفًا أن هذه الدول ستسعى للحصول على تمويل لقوتها المشتركة من الاتحاد الأوروبي، بحجة أنها ستوفر على أوروبا الزج بجنودها في عمليات داخل أفريقيا في وقت "يتنامى فيه خطر الإرهاب".
وتطرح السياسة الجديدة التي تنتهجها دول الساحل، بلجوئها إلى الاتحاد الأوروبي، لمكافحة إرهابها، جدوى الاتفاق المبرم في 2010 في الجزائر، بين دول الساحل الأفريقي والذي ينص على أهمية التعاون على المستوى الإقليمي، مع العمل بصورة جماعية لمحاربة "القاعدة" في صحراء الساحل التي تمتد لآلاف الكيلومترات، من دون أي تدخل أجنبي للدول الغربية مهما كان شكله وأهدافه ومسمياته.
هذا وقد تأسست مجموعة دول الساحل الخمس- مساحة هذه البلدان تقدر بأكثر من خمسة ملايين كلم مربع-بمبادرة موريتانية، من أجل مواجهة التحديات الأمنية في منطقة الساحل الأفريقي. وتضم مجموعة دول الساحل النيجر وبوركينا فاسو، وتشاد، ومالي، بالإضافة إلى موريتانيا. وأعلن عن مجموعة دول الساحل الخمس، في ديسمبر/كانون الأول 2015 في نواكشوط، لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية، والعمل على حشد التمويلات واستقطاب الاستثمار الأجنبي لتحقيق التنمية في المنطقة، خاصة للدول الأعضاء.
وجاء إعلان هذه المجموعة الجديدة في بيان صدر في ختام قمة مصغرة ضمت الرئيس الموريتاني والرئيس الدوري الجديد للاتحاد الأفريقي محمد ولد عبدالعزيز، والرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا، ورئيس النيجر محمد ايسوفو، ورئيس بوركينا فاسو بليز كومباوري، والرئيس التشادي إدريس ديبي. وأسندت رئاسة المجموعة إلى الرئيس الموريتاني، كما تقرر أن تستقبل موريتانيا مقر الأمانة الدائمة لهذه المجموعة التي ستتولاها النيجر، على أن تستضيف تشاد القمة المقبلة للمجموعة التي جرت سنة 2016.
ووضع رؤساء هذه الدول في الاجتماع التأسيسي للمجموعة برنامجاً طموحاً لإخراج المنطقة من كابوس الفقر والجهل والجوع، والتنسيق للتصدي للإرهاب، والتعاون في مجال الأمن وواجهة تجارة المخدرات والتهريب. كما تعول دول الساحل على التعاون الدولي لبدء برنامج استثماري بقيمة 15 مليار دولار، من عام 2015 حتى 2017 يخصص لتعزيز الأمن، واستتباب الاستقرار، وترقية التنمية، وإرساء فضاء ساحلي صحراوي آمن يضمن لجميع شعوبه تحقيق الازدهار والعيش الكريم.وانتخبوا النيجيري ناجم الحاج محمد، أمين دائم لمجموعة "الخمس في الساحل" التي سيكون مقره في نواكشوط.
وفي ختام قمتهم التأسيسية والأولى في نواكشوط ، دعا رؤساء تشاد ومالي والنيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو الأمم المتحدة إلى تشكيل قوة دولية للتدخل عسكرياً والقضاء على المسلحين في ليبيا. وفي هذا السياق أعلن الرئيس الموريتاني، ولد عبد العزيز أن دول المجموعة طلبت رسمياً من مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي تشكيل قوة دولية للتدخل العسكري السريع في ليبيا. وأضاف قائلاً "الأمر يعود الى الشعب الليبي فهو من يحدد طريقة الخروج من الأزمة وأعتقد أنهم باتوا مقتنعين الآن بأهمية التدخل الدولي لحماية المؤسسات وإيجاد قوة على الأرض لحماية خيار الشعب الليبي"
ووجه قادة بلدان المجموعة نداء إلى المنظومة الدولية لدعم جهودها في الساحل في حربها من أجل تعزيز الأمن والاستقرار وترقية التنمية. وشارك في القمة التي نظمت مباشرة بعد قمة "مسار نواكشوط" كل من الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا، والتشادي إدريس ديبي، ورئيس النيجر محمد ايسوفو، والرئيس الانتقالي في بوركينا فاسو ميشال كافاندو، اضافة الى الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز.
وكان الرئيس الموريتاني قد اعتبر في ختام القمة في مؤتمر صحافي أن هذه المجموعة الجديدة "لا تتناقض مع مجموعة دول الساحل والصحراء ولا مع اللجنة المشتركة لمكافحة آثار الجفاف في الساحل". وشهدت مالي نشاطاً مكثفاً لتنظيمات تابعة للقاعدة خلال العامين 2012 و2013، مع العلم أن مالي الشاسعة المساحة لها حدود مع سبع دول، بينها موريتانيا والجزائر والنيجر وبوركينا فاسو. وتمكنت تنظيمات إسلامية متطرفة من السيطرة على شمال مالي لفترة قبل تدخل فرنسي أفريقي طردها من هذه المنطقة.
ولكن قبل أزمة مالي وخلال العامين 2010 و2011 شنت موريتانيا حملات عسكرية استهدفت القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في الأراضي المالية وصفتها بأنها "وقائية".
وفي نيسان/أبريل 2010 ولجعل التنسيق أفضل ضد القاعدة أنشأت مالي وموريتانيا والنيجر والجزائر لجنة مشتركة لقيادة الأركان، اتخذت مقرا لها في تمنراست في جنوب الجزائر مع مركز استخباراتي في الجزائر العاصمة، وتجتمع هذه اللجنة مرتين في السنة إلا أنها لم تقم حتى الآن بأي عمليات عسكرية مشتركة.
و إعتبر المحللون الجزائر الغائبة الكبرى عن هذه القمة، خصوصًا أنها تملك خبرة كبيرة في مجال مكافحة الإرهاب، في حين أن تشاد بدأت تفرض نفسها كمحاور أساسي في هذا المجال لتدخلها العسكري المباشر في شمال مالي. ورغم الجهود التي بذلتها هذه الدول والتدخل الفرنسي في مالي والحضور الأممي العسكري، ظلت التنظيمات المسلحة الناشطة بالمنطقة مصدر تهديد دائم.وشهدت مالي وبوركينا فاسو والنيجر هجمات أدت إلى سقوط ضحايا كثر، كان للفرنسيين وقوات الأمم المتحدة نصيب منها.
كما يشكل تهريب المخدرات والتجارة بالبشر واحدا من التحديات الأمنية، حيث تقدر عائدات هذه الأنشطة بأربعة مليارات دولار سنويا، وفقا للمكتب الدولي لمكافحة المخدرات .
ورغم الجهود التي بذلتها هذه الدول والتدخل الفرنسي في مالي والحضور الأممي العسكري، ظلت التنظيمات المسلحة الناشطة بالمنطقة مصدر تهديد دائم. وسيشارك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قمة دول الساحل (موريتانيا ومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد) التي تجري الأحد المقبل في العاصمة المالية باماكو، تأكيدًا لجهود فرنسا في دعم قوة مشتركة من الدول الخمس لمكافحة الإرهاب، كما أعلن قصر الإليزيه مساء الخميس الماضي. وقد قررت الدول الخمس في شباط/فبراير الماضي إنشاء قوة حدودية لمكافحة الإرهاب قوامها خمسة آلاف رجل
وكانت الدول الخمس اتفقت خلال قمتها الأولى في شباط/فبراير على مبدأ إنشاء قوة حدودية قوامها خمسة آلاف رجل ما تزال تلقى مزيدا من الدعم الدولي، بما في ذلك الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي الذي وعد بتقديم مبلغ 50 مليون يورو، كما أعلنت الأمم المتحدة الأسبوع الحالي عن دعمها للقوة. وأكد الإليزيه أن "قمة الثاني من تموز/يوليو ستشكل مرحلة جديدة مع إطلاق القوة المشتركة التي ستتعقب الإرهابيين عبر الحدود".
وستنضم هذه القوة في المنطقة إلى قوة "برخان" الفرنسية وبعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما). وسيعلن ماكرون الأحد عن سبل هذا الدعم ويتضمن أساسا معدات وليس عدادا إضافيا لقوة "برخان"، وفقا للإليزيه.
هدف فرنسا هو إطلاق "ديناميكية دولية" لأجل "توسيع نطاق الدعم" ليشمل ألمانيا وهولندا وبلجيكا، وكذلك "دعما ملموسا" من الولايات المتحدة. وقال قصر الرئاسة الفرنسية: "سنقوم بكل ما يلزم لتكون هذه القوة جاهزة ميدانيا مع اقتراب بداية الخريف. في ذلك الوقت، يمكن البدء بالتمويل الأوروبي، وبحلول نهاية هذا العام أو بداية العام المقبل نرغب في تدخل آخرين" مشيرا إلى لقاء قريب للمساهمين المحتملين الأوروبيين
وهناك أولوية أخرى فرنسية وهي إعادة تفعيل اتفاق سلام حول مالي وقع في الجزائر عام 2015، و"يميل إلى التعثر"، وتريد فرنسا مشاركة دول الساحل الأخرى في متابعة تطبيقه. وقد أجرى إيمانويل ماكرون الأربعاء اتصالا هاتفيا بنظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من أجل "تقديم مقترحات ملموسة لإحياء هذا الإتفاق"، بحسب الإليزيه، مشيرا خصوصا إلى "نشر دوريات مختلطة في كيدال" شمال مالي.ورغم طرد الجماعات الجهادية المرتبطة بتنظيم "القاعدة" التي سيطرت على شمال مالي عام 2012 إثر تدخل عسكري دولي في كانون الثاني/يناير 2013 بمبادرة من فرنسا، إلا أن مناطق بأكملها ما تزال خارج السيطرة.
أرسل تعليقك