لندن ـ سليم كرم
تصدّرت لندن وبورتسموث أكثر المراكز الأوروبية شهرة في تجنيد المقاتلين، حيث يمتلك تنظيم "داعش" والجماعات المتطرفة الأخرى لديهم شبكات تواصل عدة في مجالات محددة معظمها من الجاليات المهاجرة، حيث يمكنهم التعرّف على أعداد كبيرة من المجندين المحتملين الذين يحتمل أن يكونوا تحت ضغط اجتماعي واقتصادي مشترك.
وكشف تقرير جديد صدر عن الجيش الأميركي، أن "الجهاديين" المعروفين الذين سافروا إلى سورية والعراق بين عامي 2011 و2015 والعدد الأكبر منهم آتٍ من لندن وعددهم 38 مجندًا بينما جاء 8 مجندين من بورتسموث وهي المدينة البريطانية الأخرى المدرجة في التقرير، ووفقًا لتحليل لمركز مكافحة الإرهاب والتي استخدمت عينة صغيرة فقط من بين عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب الذين انضموا إلى تنظيم "داعش" والجماعات المتطرفة الأخرى، وقد كشف المركز أن مراكز التجنيد موجودة في مناطق أخرى في أوروبا من بينها بروكسل ونيس وباريس ودينسلاكن في ألمانيا، كما تم تسليط الضوء على الضاحية البلجيكية مولينبيك بعد التدقيق والفحص الدولي بوجود صلة بين مقاتلي "داعش" والهجمات التي وقعت في كل من بروكسل وباريس، كما عرفت بعض المدن الأخرى بمساهمتها في التجنيد مثل مونتريال في كندا وسيدني في أستراليا وبعض مناطق البوسنة والهرسك وإسبانيا.
وأضاف التقرير: "على الرغم من أن المقاتلين الأجانب ككل هم مجموعة متنوعة من حيث التركيبة السكانية الاجتماعية ، والمجندين الفرديين أنفسهم يميلون إلى التجمع من حيث الناحية الجغرافية، وهناك ما يقرب من 70% من المقاتلين الأجانب يأتون من نفس المدينة على الأقل في مقاتلة أخرى، وهذا يشير إلى النهج الجغرافي المستهدف للتصدي للتطرف العنيف وهو أكثر احتمالًا لتحقيق النجاح من استراتيجية "السلاح"، وهذه الظاهرة يمكن تفسيرها وبشكل جزئي من خلال التأثير المستمر من قبل الأصدقاء والأقارب الموثق بين المتطرفين على الرغم من نمو الدعاية على الإنترنت.
وأوضح محللو مركز مكافحة التطرّف أنه "على الرغم من أنه يمكن للدعاية الافتراضية أن تقدم افتتاحًا معرفيًا أوليًا لاعتماد السرد الجهادي والاتصال البشري أمر ضروري لدفع الفرد ليكون نشط بشكل فعّال بالإضافة إلى الأسباب اللوجستية للسفر إلى منطقة الحرب"، ومن بين المعروفين من مقاتلي "داعش" في لندن محمد عموازي والمعروف بأنه المتطرّف جون بعد ظهوره في سلسلة من مقاطع الفيديو الدموية التي تظهر ذبح جيمس فولي ورهائن آخرين، وقد أصبح متطرفًا بعد اعتقاله هو وأصدقائه بعد رحلة سفاري في تنزانيا في عام 2009 حيث اتهمت المجموعة بمحاولة الوصول إلى حركة الشباب في الصومال التابعة لتنظيم القاعدة.
وانضم عدد من مسلحي داعش البارزين من بريطانيا إلى مجموعة من الأصدقاء بما في ذلك 6 شبان من بورتسموث والذين أطلقوا على أنفسهم "اللواء البريطاني باد بويز"، وقد حلق "بومبي لادس" معًا من مطار جاتويك للانضمام إلى "داعش" في شهر سبتمبر من عام 2013 بعد أن كبروا معًا في الشوارع بعيدًا عن واحدة من أكثر المناطق المحرومة في المملكة المتحدة ، وقد قتل كل من إفذكار جامان وأسد أوزمان ومهدي حسن وحميدور رحمن ومامونور رشدي في سورية وكان الناجي الوحيد هو ماشودور تشودري الذي الذي سجن في جرائم متطرّفة بعد عودته إلى بريطانيا، وكان جامان والذي أصبح بارزًا بسبب حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي عن الحياة في داعش قد أخبر "البي بي سي" أنه من المتوقع ان ينتقل إلى "الجنة الأبدية" في حواره معها قبل فترة وجيزة من وفاته في عام 2013، وقال جامان والذي يبلغ من العمر 23 عامًا في مكالمة فيديو "أنا داعشي وهذه هي المجموعة التي أنتمي إليها ونحن نحاول أن نقيم شرع الله" وأضاف خلال المكالمة "وهذا واجب علي فكل هؤلاء الناس يعانون والمسلمون يذبحون"، أما هاري سارفو والذي كان يعمل رجل بريد سابق في لندن قد انضم إلى "داعش" في سورية العام الماضي ، وتأثّر قراره بشكل كبير من أصدقائه الذين دعموا المجموعة بالإضافة إلى المتطرفين الذين قابلهم في السجن والشعور بالاغتراب، وقال هاري في حوار له مع صحيفة "الإنتبندنت" بعد سجنه لدى عودته إلى أوروبا: "لعب صديقي الذي انضم إلى داعش فيما بعد دورًا كبيرًا في تطرفي بالإضافة إلى الشرطة، ظل صديقي يخبرني أن هذا ما سيحدث إذا أصبحت مسلمًا في الغرب فهم يعتقدون أنك متطرّف دموي لذا يجب عليك أن تذهب وتعيش في "داعش" حيث يتم حماية كافة حقوق المسلمين وأن حياتك قد انتهت هنا وأن الديمقراطية هي السرطان الذي سوف يدمرنا نحن المسلمين".
وكانت التعليقات مناسبة لتحليلات مركز مكافحة التطرّف الذي أشار إلى أن الرواية التي يستخدمها تنظيم داعش وتنظيم القاعدة والتي تدعي أن الغرب يقتل ويضطهد المسلمين حول العالم كانت بمثابة القوة الدافعة لهؤلاء المجندين أكثر من الإسلام نفسه، وقد جاء في التقرير: "قدرة الجماعات الجهادية على تجنيد مقاتلين أجانب تعتمد على خلق رواية تعتمد على الحرمان المستمر للمسلمين سواء في الأنظمة الغربية المحددة والساحة الدولية، يبدو أن الشخصيات الدينية تلعب دورًا ضئيلًا نسبيًا في هذه العملية وهي حقيقة تقدم الدعم للنتائج السابقة التي تشير إلى أن الجوانب السياسية والثقافية للأيدولوجية الجهادية تلعب دورًا أكبر في التطرف للمقاتلين الأجانب أكثر من العقائد الدينية".
وتتّفق التحليلات مع المعلومات المسرّبة في وقت مبكر هذا العام من مجموعة نفيسة من أشكال الانضمام لداعش حيث إن الأغلبية التي انضمت لما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية رسخوا معرفة الشريعة باعتبارها "الأساس"، وكشفت الدراسة التي أجراها مركز مكافحة التطرّف أن الغالبية العظمى للـ 1200 مسلح الذين شملهم الاستطلاع لم يحصلوا على التعليم الديني الرسمي وأن الجماعات المتطرفة قد تفضّل هذا النوع من المجدين لأنهم "أقل قدرة على التدقيق فيما يخص التدقيق في السرد الجهادي والأيدولوجية" وبدلًا من الالتزام الكامل بعنف منظمتهم المختارة واختزال تفسير الإسلام، كما كشفت الدراسة أنه لا توجد "صورة" واحدة لهؤلاء المتطرفين على الرغم من أنهم في الـ 20 من عمرهم فهم عاطلون عن العمل أو طلاب ولديهم أصول مهاجرة، وكانت التقارير السابقة قد كشفت أن الكثير منهم لديه ماض إجرامي مثل التورط في جرائم العصابات الصغيرة والتي يمكن الاعتداء عليها من قبل المجندين الذين يقدمون "سرد الفداء" لاستغلال المهارات القيمة لشبكات سرية، وقد أجرى مركز مكافحة الإرهاب مسحًا شمل على الأقل 74% من المقاتلين الأجانب الذين قتلوا في العمليات على الرغم من تحذير الخبراء من إمكانية اختلال هذا الرقم بسبب الهويات الحقيقية للمقاتلين الأجانب الذين قتلوا التي هي أكثر عرضة لأن يكونوا لا يزالوا يمارسون نشاطهم.
وقتل ثلاثة أرباع المقاتلين البريطانيين الذين شملتهم العينة، ووصل معدل الوفيات بينهم إلى 66% من المنضمين إلى داعش و77% من المنضمين إلى تنظيم القاعدة التابع لـ"جبهة النصرة" والتي أعادت تسمية نفسها الآن لتصبح "جبهة فتح الشام" بعد انفصالها عن المنظمة الأم، ومن المستحيل تأكيد عدد القتلى في سورية والعراق مع غياب السلطات المحايدة على الأرض والرسائل التحذيرية الدعائية من الجماعات التي تقاتل من أجل السيطرة.
أرسل تعليقك