سيدي بوزيد تستقبل ذكرى الثورة التونسية بخيبة أمل
آخر تحديث GMT07:42:25
 العرب اليوم -

ما زالت تعاني من "البطالة والفقر والإهمال السياسي"

سيدي بوزيد تستقبل ذكرى "الثورة التونسية" بخيبة أمل

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - سيدي بوزيد تستقبل ذكرى "الثورة التونسية" بخيبة أمل

الثورة التونسية
تونس - كمال السليمي

تستقبلك علامة مرورية، كتبت بحروف عربية خضراء ترحب بالزائرين، بمجرد وصولك إلى مدينة سيدي بوزيد مهد الثورة التونسية، ويستقبلك أهل المدينة ببشاشة، كعادة أهل الريف... ولكن سرعان ما يتحول الترحاب إلى شكاوى، بمجرد أن يتطرق الحديث عن الثورة التونسية التي فجرها ابنهم محمد البوعزيزي يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول عام 2010، حيث الشكوى لا تنتهي من السياسة والسياسيين، من الواقع الاجتماعي والاقتصادي المتردي، من القسوة التي يواجهها أهل المنطقة التي أهملها نظاما بورقيبة وبن علي، لمدة عقود من الزمن، وتواصل تهميشها بعد الثورة التي خيبت الآمال ولم تف بوعودها على حد تعبير.

ويلحظ الزائر للمدينة آثار تنهيدة طويلة، على وجوه السكان... وعلامات انتظار أطول لعناصر التنمية وتشغيل العاطلين، وهي عناصر كانت منتظرة خلال أعوام الثورة السبعة الماضية، لا تشعر بأي وهج يوحي باندلاع ثورة من هذا المكان، ذات شتاء سابق، ثورة أربكت العالم وأطاحت بعدد من الأنظمة السياسية العربية... ولا تزال آثارها بائنة في كل أرجاء المنطقة. في مدينة سيدي بوزيد، تطغى مشاعر الغضب على كل مشهد، فالشعارات نفسها التي طالبت بالتنمية والتشغيل ما زالت محفورة على الجدران بما يوحي بعدم تغير شيء على الإطلاق، الحياة رتيبة هنا، وعقارب الساعة تدور ببطء شديد، ولا ترى حركة أو جلبة إلا أمام بعض المؤسسات العمومية على رأسها مركز الولاية "المحافظة"، حيث أحرق البوعزيزي نفسه احتجاجًا على ظروفه الاجتماعية القاهرة.

ويتجمع الناس في مقاهي المدينة المنتشرة... في ظل غياب الأنشطة الترفيهية الأخرى، ويسود كلام مكبوت بين الجميع: «الثورة قام بها الزواولة "الفقراء"، ولكنها عمقت من آلام الفقراء أكثر"، أما ساحة محمد البوعزيزي المكان الذي أحرق فيه جسده فهي كذلك تعج بالشباب الباحث عن عمل عرضي يقي به الفقر والخصاصة، فمنهم من اختار بيع الخضر والغلال، ومنهم من فضل تجارة الملابس المهربة أو الأكلات الخفيفة "بيع البيض المسلوق والساندويتش"، ويخشى الناس هنا من إعادة السيناريو نفسه في أي لحظة، فالأسباب التي دعت البوعزيزي إلى حرق نفسه ما زالت قائمة، وربما تعمقت أكثر خلال الأعوام السبعة الماضية.

ويقول عطية العثموني، وهو ناشط سياسي: «لقد ذقنا الأمرين في عهد بن علي... لاحقنا البوليس السياسي وأذاقنا أنواعًا من العذاب، ولكننا تماسكنا وتمسكنا بخيط الأمل، إلى أن جاءت القشة التي قصمت ظهر بعير نظامه. تفاءلنا خيرًا وانتظرنا الكثير من وراء الثورة. "يصمت قليلًا ثم يهز رأسه إلى السماء لتخرج تنهيدة قوية من أعماقه"... لكن الأمل خاب». ويصب جام غضبه وسخطه على الساسة والسياسيين «فهم غنموا المناصب ونسوا الفقراء ومن قادهم إلى تلك المناصب».
ذكرته بصوت هادئ عله يخفض من لهجته الثورية، بأن الحكومة وعدت ببرنامج للنهوض الاقتصادي خلال العام المقبل، لكنه لم يبد أي اهتمام لذلك، وحسب قوله فإن «كل الوعود تتبخر في أول تجربة عملية... وكل المحاولات في إحداث التنمية المرجوة باءت بالفشل، ولا ندري كيف سيكون المستقبل». ويضيف: «النتائج الاقتصادية المحققة والخوف من عدم صرف رواتب التونسيين عند نهاية كل شهر، تبين الصورة المتوقعة».

النغمة المتشائمة هي أسلوب واحد بين معظم السكان... ويذهب البعض إلى القول «إن الواقع الاجتماعي والاقتصادي قد لا يتغير في سيدي بوزيد وغيرها من المدن التونسية... حيث لا يوجد نور على طول أو في آخره»، الشافعي السليمي وهو إعلامي من سيدي بوزيد، يقول: «لا يمكننا أن نتحدث عن تغييرات قد تتحقق، فالأمر في حاجة إلى رجة نفسية قوية، ولكنها هذه المرة قد تكون أكثر شراسة مما وقع عام 2010، فالغضب والاحتجاجات تكاد تكون يومية أمام مقر الولاية وفي كل المدن المكونة لهذه المنطقة على غرار منزل بوزيان وبني عون وجلمة والرقاب والمكناسي، وهي من بين أهم المدن التي أسهمت في إسقاط النظام السابق، ودفعت ثمن ذلك من دماء أبنائها»،
ويضيف: «لقد عملنا في ظروف صعبة خلال عهد بن علي، وكان ينقصنا حرية التعبير في ظل واقع اجتماعي تدعمه الدولة بكل الوسائل، أما الآن فلنا حرية التعبير، ولكن لا شيء أبعد من ذلك».

ومن جانبه، أشار عبدالرحمان البراهمي، وهو أستاذ متقاعد، إلى أن «مؤسسات اقتصادية كثيرة، أغلقت أبوابها بعد اندلاع الثورة، كما تم إهمال شركات فلاحية منتجة تابعة للدولة، فأصيب الشباب بخيبة أمل، وهو يرى أحلامه تحترق أمام عينيه، وتزامن ذلك كله مع ارتفاع مستمر في أسعار كل المواد الاستهلاكية، وهو ما أثقل كاهل فئات عريضة من التونسيين، وهذا ملحوظ أكثر بين الفئات الاجتماعية الفقيرة».

وتقول السلطات إنها تستعد لإنشاء مصنع للإسمنت، ومشروع لاستخراج مادة الفوسفات، بمنطقة المكناسي، وهي مشاريع في طور الدراسة وقد تجد طريقها نحو التنفيذ، ولكنها خطوة تبدو صغيرة، وسط مطالب جحافل العاطلين عن العمل ولا تلبي طموحات الآلاف منهم.

أما مسعود الرمضاني، رئيس المنتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية "منظمة حقوقية مستقلة"، أكد أن «هناك شعورًا عامًا سائدًا بالإحباط، فالبطالة والتهميش الاجتماعي تفاقما بعد الثورة ولم تجد البلاد توازنها إلى حد الآن... وأن معظم الاحتجاجات الاجتماعية يطغى عليها الطابع السلمي، حتى الآن... إلا أن الأمور قد تخرج عن السيطرة في حال عدم فتح آفاق فعلية أمام المحتجين». وأضاف: «العقدة لا تكمن في مشاريع البنى التحتية والإصلاحات الاقتصادية التي أخذت الدولة في إنجازها، وإنما في توفير عوامل غير اقتصادية من شأنها أن توفر الأمن وتعيد الاستقرار وتسترجع ثقة المستثمرين».
 
وفي سيدي بوزيد التي يقدر سكانها بنحو 420 ألف ساكن، ترتفع نسبة الأمية في المحافظة إلى حدود 29.2 في المئة، فيما تقدر نسبة البطالة بنحو 17.7 في المئة "معدل وطني بنحو 15 في المئة" ويمثل خريجو الجامعات ومؤسسات التعليم العالي 57.1 من إجمالي العاطلين، وهو ما يجعل العبء ثقيلا على أي حكومة تونسية تأخذ بزمام الأمور.

هنا في سيدي بوزيد، يسود إحساس بأن «الثورة أكلت أبناءها»، ويسر إليك بعض الشباب أن ثورة أخرى مقبلة على مهل، وهي تنتظر أسباب اندلاعها من جديد، وهو ما تشير إليه أحزاب سياسية معارضة وعدد كبير من المنظمات الحقوقية والاجتماعية.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سيدي بوزيد تستقبل ذكرى الثورة التونسية بخيبة أمل سيدي بوزيد تستقبل ذكرى الثورة التونسية بخيبة أمل



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف
 العرب اليوم - دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 08:50 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
 العرب اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية
 العرب اليوم - واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 07:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"فولكس فاغن" تتمسك بخطط إغلاق مصانعها في ألمانيا

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 15:39 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا يوسف تخوض تحديا جديدا في مشوارها الفني

GMT 15:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 14:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 17:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن مقتل رهينة بقصف إسرائيلي شمالي غزة

GMT 08:28 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يحول الرسائل الصوتية إلى نصوص بلغات منها العربية

GMT 08:16 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"حزب الله" يعلن استهداف قوات إسرائيلية في الخيام والمطلة

GMT 08:32 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 22:49 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

غارة إسرائيلية على معبر حدودي بين سوريا ولبنان

GMT 17:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الشيوخ الأميركي يطالب بايدن بوقف حرب السودان

GMT 23:03 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة كاميلا تكسر قاعدة ملكية والأميرة آن تنقذها
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab