بغداد ـ نهال قباني
شنّ ممثل المرجع الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني، هجوما ضاريا على الطبقة السياسية في العراق، ففي حين بدا الهجوم غير المسبوق لمرجعية النجف، شاملا كل الطبقة السياسية العراقية بأحزابها وقواها كافة فإن التأكيد على أن يكون رئيس الوزراء القادم "قويا وشجاعا" أعاد إلى الأذهان تخلي المرجعية عام 2014 عن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، حين دعت إلى "اختيار رئيس وزراء جديد"، مما مهد لوصول حيدر العبادي إلى منصب رئاسة الحكومة، فبعد أن وصف موقف المرجعية من المظاهرات التي أوشكت أن تتم شهرها الأول الأسبوع الماضي بأنه يمثل تراجعا عن تأييدها أول الأمر، مما منح الحكومة والطبقة السياسية حرية التصرف حيالها، بما في ذلك استخدام القوة المفرطة لتفتيتها، فإن هجوم المرجعية العنيف، على لسان ممثل آية الله علي السيستاني، الجمعة، على الطبقة السياسية منح المظاهرات زخما قويا، مما يضع حكومة العبادي في أكثر الزوايا حراجة خلال الفترة المقبلة.
وخلال خطبة الجمعة في كربلاء دعا الشيخ عبدالمهدي الكربلائي، إلى اختيار شخص شجاع وحازم لرئاسة الحكومة المقبلة، ويطبق برنامجا "صارما" لمكافحة الفساد، وقال الكربلائي "بعد أسابيع من الاحتجاج والاعتداء على المتظاهرين والقوات الأمنية والممتلكات العامة والخاصة وانجرارها لمصادمات خلفت عددا من الضحايا والجرحى من الضروري العمل بمسارين، وهما أن تحقق الحكومة الحالية بصورة عاجلة مطالب المتظاهرين وتخفيف معاناتهم وشقائهم، وأن تتكفل الحكومة القادمة بأقرب وقت ممكن بأسس صحيحة بكفاءات فاعلة وصحيحة، ويتحمل رئيس الحكومة كامل المسؤولية، ويكون حازماً وقوياً، ويتسم بالشجاعة لمكافحة الفساد المالي؛ وهو ما يعاني منه البلد، ويعدّ ذلك واجبه".
وحذّر ممثل السيستاني الحكومة المقبلة من "أساليب جديدة بالاحتجاجات الشعبية في حال عدم تنفيذ وعودها، ويكون للمشهد وجه آخر مختلف عما هو عليه اليوم"، كما دعا إلى "الإسراع في تشكيل الحكومة وعلى أسس صحيحة، وتطبيق ضوابط صارمة في اختيار الكابينة الوزارية المقبلة والمناصب العليا والدرجات الخاصة"، وأوضح أنه "إذا تنصلت الحكومة عن تعهداتها وتعطل مجلس النواب والقضاء فلن يبقى أمام الشعب إلا تطوير أساليبه الاحتجاجية السلمية لفرض إرادته على المسؤولين مدعوما من قبل كل القوى الخيرة في البلد، وسيكون للمشهد وقتها وجه آخر مختلف عما هو عليه اليوم".
وأعلن العبادي أنه تعاطى منذ البدء مع مطالب المتظاهرين، وقال العبادي في بيان "منذ اللحظات الأولى لإعلان المواطنين مطالبهم في عدد من المحافظات أعلنّا استجابتنا الفورية لجميع المطالب المشروعة، واعتبرنا الاستجابة لمطالب المواطنين قوة وليس ضعفا لأنهم أبناء شعبنا وهدفنا خدمتهم". وأضاف العبادي "التقينا وفودا كثيرة من أبناء المحافظات، وأصدرنا الكثير من الأوامر الفورية لتنفيذ المطالب الممكنة وفق الصلاحيات المحددة لنا والإمكانات المالية المتوافرة، وحسب الأولويات والتوقيتات الزمنية الممكنة، وشكلنا لهذا الغرض لجنة الخدمات والإعمار في المحافظات التي باشرت عملها على الفور"، وأشار العبادي إلى أن "كل ما دعت إليه المرجعية الدينية العليا كان وسيبقى نصب أعيننا منذ فتوى الجهاد الكفائي الخالدة، وإلى ما تضمنته خطبة الجمعة التي رسمت خريطة طريق لمستقبل العراق وشعبه"، لكن رجل الدين الشيعي الشيخ فرحان الساعدي يقول في حديث لـ"الشرق الأوسط"، إن "المشكلة أن الشارع يطالب بحلول ويطلب تدخل المرجعية لفرض هذه الحلول على الجهات الرسمية، بينما المرجعية لا تجد أن لها مصلحة في استغلال الموقف لصالحها بأي حال من الأحوال، لكننا اعتدنا في مجتمعاتنا الاستناد إلى سلطة أبوية تقدم لنا كل شيء، وهو أمر غير صحيح"، مبينا أن "ما يعانيه الناس من مشكلات يتعلق بالخدمات، وهذه مسؤولية مشتركة بين الحكومة والشعب الذي يجب عليه حسن الاختيار؛ حتى لا يضطر إلى الاحتجاج والطلب من رجال الدين التدخل في أمور لا يجدون أنفسهم فيها مثل الماء والكهرباء وتحسين الخدمات".
وأوضح الساعدي أن "من الواضح أن الطبقة السياسية فشلت فشلا ذريعا في إنتاج نظام حكم رشيد؛ لذلك فإن المرجعية تتدخل ليس من أجل تخفيف غلواء الشعب وغضبه لأن كلامها مسموع، كما أنها تريد أن تقول لكبار السياسيين إن ليس منهم من هو معصوم من المحاسبة، بل هم مجرد موظفين كبار يجب عليهم النهوض بمسؤولياتهم على أحسن وجه".
وانطلقت الجمعة في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبية مظاهرات ما سمي "مظاهرات المطالب الاستراتيجية"، متسلحة بموقف مؤيد من قبل المرجعية الدينية. وأكد محافظ البصرة أسعد العيداني في تصريح له، أن "الكثير من المطالب المستحقة لمحافظة البصرة انطلقت، ومنها موازنة البصرة من البترودولار البالغة 9 مليارات دولار أميركي بدأت، وكذلك مشروعات الماء وهي 3 مليارات دولار أيضا تمت المصادقة عليها"، مبينا أن "الأهم من كل هذا هو المشروع الاستراتيجي المستقبلي، وهو الأهم والخاص بتحلية مياه البحر، حيث تم إقراره ويكلف نحو أكثر من ملياري دولار، حيث يجهزنا بالماء الصالح والطاقة الكهربائية، فضلا عن إكمال مشروعات شبه مكتملة، مثل المدارس وغيرها".
وأوضح العيداني أنه "تم إقرار 8 محطات ماء في البصرة، بالإضافة إلى إطلاقات المياه لكي يتراجع اللسان الملحى في شط العرب"، وبشأن خطوط الكهرباء يقول العيداني "تم نصب الكثير من المحطات الكهربائية وسواها من المشروعات، حيث ننتظر إطلاق مخصصات البصرة من المنافذ الحدودية، وهي مبالغ كبيرة، ويمكن أن تشكل إضافة مهمة للمشروعات التي نعمل عليها في هذه المحافظة".
أرسل تعليقك