موسكو ـ العرب اليوم
بدا أمس أن العملية العسكرية الجارية على الأراضي الأوكرانية تسابق التدابير الداخلية في روسيا لمواجهة الاعتراضات المتزايدة على الحرب، أو محاولات «تشويه الموقف الروسي»، وفقاً لتأكيد المصادر الحكومية الروسية.ومع إعلان وزارة الدفاع الروسية توسيع سيطرة قواتها على مناطق الجنوب الأوكراني، بدا أنها تتجه إلى حسم معركة خاركوف في الشرق التي شهدت خلال الساعات الـ24 الماضية مواجهات عنيفة ومحاولات مكثفة لتوسيع عمليات الإنزال المظلي الروسي. وشهدت العاصمة الأوكرانية كييف، والمدينة الثانية في البلاد من حيث الحجم والأهمية، هجوماً صاروخياً ومدفعياً خلال الليل، يعد الأعنف منذ بدء العملية العسكرية. بالتوازي مع تقدم القوات الانفصالية عن أوكرانيا، المدعومة بنيران الجيش الروسي في المناطق المحيطة بمدينة ماريوبول التي تحظى بأهمية استراتيجية على بحر آزوف. ومع حلول صباح أمس، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن قواتها فرضت سيطرة كاملة على مدينة خيرسون، جنوب أوكرانيا، لتوسع بذلك مساحة سيطرتها على كل الساحل الجنوبي لأوكرانيا في البحر الأسود وبحر آزوف، باستثناء مدينة أوديسا في الجنوب الغربي، التي غدت محاصرة،
ومدينة ماريوبول الواقعة على بحر آزوف، لكنها باتت منذ يومين مطوقة من كل الجهات. وفي بيان عسكري، أكد الاستيلاء على مدينة خيرسون، قالت وزارة الدفاع الروسية إن البنية التحتية المدنية والمرافق الحيوية ووسائل النقل تواصل العمل بشكل روتيني. وأشارت إلى أن المدينة التي تعد عاصمة لمقاطعة إدارية أوكرانية تحمل الاسم نفسه، لن تعاني من تداعيات المواجهات، ولا من نقص في المواد الغذائية والسلع الأساسية. ووفقاً لبيان وزارة الدفاع، فإن الاستيلاء على المدينة تبعته «مفاوضات لا تزال جارية بين القيادة العسكرية الروسية وإدارة المدينة والمقاطعة لمعالجة قضايا الحفاظ على تشغيل مرافق البنية التحتية الاجتماعية، وضمان القانون والنظام العام وسلامة السكان». في الوقت ذاته، أعلن إدوار باسورين ممثل قوات دونيتسك الموالية لموسكو فرض الحصار على مدينة ماريوبول الاستراتيجية الواقعة على شاطئ بحر آزوف. وجاء هذا الإعلان بعد أن كانت وزارة الدفاع الروسية أكدت في وقت سابق أن وصول الوحدات الأوكرانية إلى شواطئ بحر آزوف «بات مقطوعاً بشكل كامل»، موضحة أن «مفارز أمامية لقوات دونيتسك تقدمت إلى حدود مقاطعة دونيتسك حيث التقت القوات الروسية التي سيطرت على مناطق على طول شاطئ البحر». وفي إشارة لافتة، أعرب باسورين عن أمل في أن «يبدأ السكان المدنيون في مغادرة ماريوبول اليوم (أمس)».
مع الإشارة إلى أن الجيش الروسي أقام مع القوات الموالية له في دونيتسك ممرين «إنسانيين» لمغادرة سكان ماريوبول. ووفقاً لباسورين: «بالنسبة لجميع المدنيين الذين أعربوا عن رغبتهم في المغادرة مؤقتاً إلى مكان آمن، يقوم الجيش الروسي بالتعاون مع قيادة قوات دونيتسك، بتنظيم ممرين إنسانيين لهذا الغرض». وزاد: «نضمن سلامة الحركة والتنقل على أجزاء من الطريق السريع، في اتجاهين، الأول نحو مقاطعة زابوروجيه، والثاني نحو أراضي روسيا». وكان لافتاً أن الممر الأول مفتوح نحو المناطق التي تسيطر عليها حالياً قوات لوغانسك الموالية أيضاً لموسكو، في حين أن الممر الثاني يتجه نحو الحدود الروسية. وأكد باسورين أن «روسيا مستعدة لاستقبال وإيواء المواطنين من ماريوبول».
وحذّر من أن «كتائب القوميين المتشددين تواصل ارتكاب الفظائع وتستخدم الأسلحة التي تم توزيعها بإيعاز من الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، لسلب المدنيين وقتلهم». ونوّه باسورين بأن 6 مراكز على محور ماريوبول خضعت لسيطرة القوات الشعبية خلال الـ24 ساعة الماضية. ولم تتضح أمس درجة استجابة سكان المدينة للتحذيرات ومطالب مغادرتها نحو الأراضي الروسية، لكن خبراء في موسكو قالوا إن وضع ماريوبول «بات محسوماً» وإنها غدت «مدينة ساقطة عسكرياً».
إلى ذلك، بدت التوقعات متواضعة من انطلاق جولة مفاوضات ثانية كانت مقررة مساء أمس بين الروس والأوكرانيين. وقال الناطق باسم الديوان الرئاسي الأوكراني إن كييف سوف «تذهب إلى المفاوضات من دون أن تحمل آمالاً كبيرة» وأوضح أن الطرفين «سيقدمان في الغالب نفس المواقف السابقة. ونحن لن نتراجع عن مطالبنا بوقف النار وإطلاق عملية حوار جادة لا تكون تحت الابتزاز العسكري».
في غضون ذلك، بدا أن التطورات الميدانية في أوكرانيا تسابق التحركات الروسية لمواجهة ردّات الفعل المتصاعدة في الشارع الروسي ضد العملية العسكرية في البلد الجار. وأعلنت النيابة العامة الروسية ليلة الأربعاء عن حجب إذاعة «صدى موسكو» ومحطة «دوجد» التلفزيونية بعدما اتهمتهما بترويج معلومات «خاطئة ومحبطة» عن الوضع حول «العملية العسكرية الخاصة لحماية دونباس». وهذا هو الاسم الرسمي الذي تطلقه موسكو على الحرب في أوكرانيا. وكانت السلطات الروسية أصدرت تعليمات بحظر استخدام مصطلح «الحرب في أوكرانيا» ووضعت عقوبات تحت طائلة القانون للمؤسسات الإعلامية الروسية والأجنبية العاملة في موسكو في حال استخدام تعريف مغاير للرواية الرسمية الروسية. وتعد إذاعة «صدى موسكو» وتلفزيون «دوجد» آخر المؤسسات الإعلامية المستقلة، وبحظرهما لا تبقى أي وسيلة إعلام غير حكومية على الأراضي الروسي، باستثناء جريدة «نوفايا غازيتا» المصنفة كـ«عميل أجنبي».
واللافت أن مجلس الدوما (النواب) تبنى أمس مشروع تعديل قانوني، قدّمه عدد من الأعضاء حول تشديد العقوبة على أي جهة قانونية أو أشخاص يعمدون إلى «تزوير الحقائق حول العملية العسكرية الخاصة». وبموجب التعديل المقترح، سيكون بمقدور المحاكم الروسية حبس مَن تثبت ضده اتهامات بالترويج لمعلومات «مضللة» لمدة 15 سنة. وتزامن هذا التحرك مع تشديد التدابير ضد الاعتصامات والمظاهرات المناوئة للحرب.
قد يهمك ايضاً
أرسل تعليقك