يتلخص التنافس الشرس والمثير بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب، ومنافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، في صورتين، الأولى كانت خلال حفل الزفاف الثالث لترامب، من زوجته الحالية ميلانيا، في عام 2005، والذي تم بحضور هيلاري كلينتون، وزوجها بيل، والذي شغل منصب رئيس الولايات المتحدة خلال حقبة التسعينات من القرن الماضي، وعكست نظرة كلينتون لترامب العلاقة الودية العميقة التي كانت تجمع بينهما، بينما الصورة الثانية كانت خلال المناظرة الرئاسية التي عقدت بينهما مؤخرًا، والتي كانت تحمل معان مختلفة تمامًا تبدو شريرة، وتعطي انطباعًا عن تحول العلاقة فيما بينهما من الصداقة إلى العداء.
وأكدت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أنها المرة الأولى التي يكون المتنافسان فيها من ولاية نيويورك منذ 72 عامًا، عندما وقف توماس ديوي أمام منافسه فرانكلين روزفلت، والذي كان يبلغ من العمر وقتها 62 عامًا، متبعًا نفس السياسة التي يتبناها ترامب حاليًا في مواجهته أمام كلينتون، ووصفه بالرجل العجوز المتعب.
وفي ليلة الانتخابات، سيعقد الحزب الجمهوري مؤتمره في مانهاتن، بينما اختارت هيلاري أن يكون مؤتمرها في مركز "جافيتس" للمؤتمرات، ذات السقف الزجاجي، لتقليب الذكريات المؤلمة على منافسها الجمهوري، حيث أن الرجل أراد يومًا ما، في أواخر السبعينات من القرن الماضي، أن يقوم ببناء هذا المركز على نفقته الخاصة، بشرط أن يحمل إسمه، إلا أن إدارة المدينة رفضت ذلك تمامًا حينها.
وأصبحت "نيويورك" هي الجانب الذي يطغى على الانتخابات الرئاسية الأميركية هذه المرة، وقال دوني دويتش، الشخصية التلفزيونية المعروفة، إن الانتخابات المقبلة جاءت لتضع المصارع والداعية في المواجهة، وأن المرشحين يمثلان كل ما هو مبتذل، ولا يمكن تصديقه في هذا البلد. وأضاف قصة ترامب وكلينتون، والتحولات الكبيرة في علاقتهما، لتبدأ بالعناق وتنتهي بالصراع، وكيف أن كلًا منها أعاد إنتاج نفسه من جديد بعد سقطات عديدة، هي نفسها قصة الولاية التي خرجا منها سويًا، قصة نيويورك، إنها قصة القوة والنفوذ والطبقات الاجتماعية والطموح، وما بينها من تحولات.
وبدأت قصة كلينتون مع نيويورك في عام 2000، عندما قررت أن تخوض انتخابات مجلس الشيوخ الأميركي من هناك، ربما قررت أن تعيش هناك بعد فضيحة زوجها الشهيرة مع مونيكا لوانيسكي، وأنها لم تكن عاشت في نيويورك من قبّل، ولكنها رأت أن نيويورك تبدو المكان الأفضل بالنسبة لها، خاصة وأنها سبق وأن احتضنت بوبي كيندي عام 1964، والذي رحل إليها من ماساتشوستس وضواحي واشنطن في عام 1964، وقالت كلينتون إن تتطلع للحصول على مقعد دانيال باتريك موينيهان في مجلس الشيوخ.
وعندما ذهبت هيلاري إلى نيويورك، كان انقسامًا حادًا بين أثرياء الولاية الأميركية، بشأن مرشحي الرئاسة الأميركية في ذلك الوقت، وهما جورج بوش الإبن، وأل جور، إلا أنهم في النهاية قرروا جميعًا الالتفاف حول عائلة كلينتون التي حققت استفادة كبيرة، مكنتهم من البدء في إعادة اكتشاف أنفسهم من جديد.
وشقت كلينتون طريقها نحو السياسة بخوض الانتخابات على أحد مقاعد الولاية الأميركية في مجلس الشيوخ الأميركي، بينما بدأ زوجها هو الأخر في تأسيس مؤسسته الجديدة، والتي تحمل اسمه، وجمع مبالغ هائلة من التبرعات، استطاع أن يبدأ بها العمل في المؤسسة، وتحقيق أرباح كانت هائلة وصلت إلى حوالي 230 مليون دولار خلال خمس عشرة عاما منذ تأسيسيها في عام 2001.
وفي الوقت الذي كانت فيه عائلة كلينتون تبدأ طريقها الجديد، بعد النهاية غير الجيدة لرئاسة بيل كلينتون، كان رجل الأعمال الأميركي دونالد ترامب هو الأخر، يتحسس طريقه نحو انطلاقة جديدة، وتحول من عمليات المخاطرة الكبيرة التي كان يخوضها في السابق والتي وضعته على حافة الإفلاس، إلى العمل في عمليات ذات درجات مخاطرة أقل، وكان يمنح اسمه لمشاريع تابعة لرجال أعمال أخرين، وأصبح كذلك أحد نجوم تلفزيون الواقع الأميركي.
ويبدو المشهد في نيويورك معتمدًا إلى حد كبير على الحفاظ على تقاليد الكياسة، بينما يبقى العمل الخيري والفنون من أساسياته إلى حد كبير، حتى أولئك الذي يتحصلون على الثروة في الخفاء دائمًا ما يحافظون على المظهر المرموق. وقال أحد مسؤولي مؤسسة نيويورك، والذي طلب عدم ذكر اسمه، أن مجتمع الأثرياء والمنجزين الذي يأتون للعيش في نيويورك لا يمكنهم أن ينظروا إلى ترامب باعتباره زعيمًا للمدينة، لأنه ببساطة يبدو شخصًا غير مرغوب فيه من الأساس. ويستطرد الرجل قائلًا إن نيويورك هي المكان الذي يتواجد فيه رجال الأعمال، على غرار هنري كرافيس، وستيفن شوارزمان، والذين يعملون على تقديم التزامات تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة.
وأضاف المسؤول "مكانة هؤلاء الرجال تأتي ليس من مجرد كونهم في موقع المسؤولية في أحد المؤسسات أو الشركات الاستثمارية العملاقة، وإنما من مشاركتهم في بناء أحد المستشفيات أو الجامعات أو المراكز الثقاقية، موضحًا أن ترامب لم يكن يومًا ما جزءًا من هذا العمل، وأن مؤسسات ترامب عندما تقوم بتنظيم حفل خيري للمحاربين القدماء أو بطولة خيرية للغولف، فإن الهدف الرئيسي منها هو تلميع إسمه فقط، موضحًا أنه استطاع القضاء على الكثير من العاملين في مجال العقارات والبنوك وغيرها من أجل أن يبقى الوحيد المسيطر على تلك الأسواق".
وأدرك ترامب أن لعبة الغولف ستكون المدخل لاجتذاب بيل كلينتون، وذلك عندما قام بشراء ملعب للغولف في وستشستر في أواخر التسعينات من القرن الماضي، وأغلقه للتجديد، وبالفعل أعاد افتتاحه مرة أخرى في عام 2002، حيث لم يكن هذا النادي بعيدًا عن منزل أسرة كلينتون بأكثر من ستة أميال فقط. ويقول أحد المقربين من ترامب أنه رجل الأعمال الأميركي قال له إنه قام بشراء ملعب الغولف من أجل بيل كلينتون، حيث أنه كان يعلم بحبه لممارسة تلك اللعبة، وحاجته إلى ملعب يمكنه القيام فيه بذلك.
وكانت الصداقة بين كلينتون وترامب في حقيقتها صفقة، من أجل تحقيق مصلحة البيزنس بينهما، ووجد ترامب أن التقرب من أسرة الرئيس الأميركي السابق ستساهم بصورة كبيرة في تعزيز إسم ترامب كعلامة تجارية بارزة في الولايات المتحدة، وبالتالي تحقيق مزيد من المكاسب، وهو الأمر نفسه الذي سعى إليه كلينتون، والذي وجد ضالته في التقرب من أصحاب رأس المال كوسيلة لإعادة اكتشاف نفسه.
وأكد مفوض الشرطة في مدينة نيويورك الأميركية برنارد كريك، أن كلًا من ترامب وكلينتون اختارا أن يلعبا نفس اللعبة في نفس المدينة، وأنهما فكرا بنفس الطريقة. فكلا منها رأى أن تحسين العلاقات هو الوسيلة التي يمكن من خلالها بناء الأعمال وتحقيق المكاسب. الأمر بالكامل كان يهدف في الأساس إلى الوصول إلى المال.
وأكد نائب رئيس مؤسسة ترامب لويس سانشاين، أن ترامب أراد أن يعيش في حياة موازية للحياة الواقعية التي نعيشها، وشكل عالمه الخاص، الذي نسج فيه أحلامه ورغباته، فكانت طريقته المفضلة لقضاء المساء هي الحصول على العشاء من أحد المطاعم، فكان يفضل اللحوم، ليتناولها بسرعة، ثم يقضي ليلته في متابعة حدث رياضي، في حين أن عالم كلينتون كان أكثر اتساعًا وربما عالمية.
والأمر لا يختلف كثيرًا بالنسبة للسيدة كلينتون، ونسجت هي الأخرى عالمها الخاص بها مع أسرتها، فبالرغم من ظهورها في الكثير من المهرجانات واحتفالات أعياد الميلاد وغير ذلك إلا أنها فشلت في الاندماج مع المجتمع. وحضور كلينتون لحفل زفاف ترامب في عام 2005، كان مفاجئًا لمعظم مساعديهم، حيث أنهم قاموا بإعادة ترتيب مواعيدهم من أجل حضور هذا الحدث ظنًا منهم أنه سيكون مانحًا لمؤسسة كلينتون أكثر أهمية مما كان عليه. في حين أن ترامب كان واقعيًا عند الحديث عن علاقته بعائلة كلينتون منذ البداية، وقال إنه كرجل أعمال ينبغي أن تكون علاقاته قوية بالعاملين في مجال السياسة، مؤكدًا أنها لم تكن صداقة ولكنها مصلحة.
أرسل تعليقك