ما إن كُلّف نائب رئيس الجامعة الأميركية في بيروت حسّان دياب بتشكيل الحكومة الجديدة حتى بدأ يواجه مجموعة من العقد، أبرزها البحث عن أسماء الوزراء من الطائفة السنّية المرشحين لدخول الحكومة، في ضوء توالي الاعتذارات من قبل معظم من تواصل معهم حتى الآن، وفي مقدّمهم المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء إبراهيم بصبوص والمهندس حسان قباني وعدد من الشخصيات السنّية العاملة في الحقلين العام والخاص.
لكن دياب يواصل مساعيه بحثًا عن أسماء لا تستفز أو تتحدى تيار "المستقبل" بزعامة رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري، أو الحراك الشعبي الذي يُفترض بالحكومة الجديدة أن تلبي طموحاته في استجابتها لمطالبه، آخذة بنصيحة مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد هيل للذين التقاهم في زيارته الأخيرة لبيروت من دون أن يتدخّل في الشأن الحكومي تكليفًا وتوزيرًا.
ومع أن دياب كان يتطلع إلى إسناد وزارة الاتصالات للمهندس قباني والداخلية للواء بصبوص فإنه يدرس اختيار العميد المتقاعد في الجيش اللبناني لبيب بوعرم للداخلية، إضافة إلى أنه على وشك الانتهاء من إعداد لائحة شبه نهائية بأسماء الوزراء السنة يتوقف عددهم على التركيبة الوزارية العتيدة التي ستتراوح بين 18 وزيرًا و24 وزيرًا.إلا أن إعداد دياب لهذه اللائحة لا يعني أن المواجهة السياسية ستكون محصورة بينه وبين الشارع السنّي بمقدار ما أنها ستتجاوزه إلى مواجهة من العيار الثقيل بين الأخير ورئيس الجمهورية ميشال عون ومن خلاله رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل.
وفي هذا السياق، عزا مصدر مقرّب من رؤساء الحكومة السابقين تصاعد مثل هذه المواجهة مع عون إلى أنه "تولى شخصيًا رعاية الانقلاب الذي حال دون عودة الرئيس الحريري إلى رئاسة الحكومة". وقال لـ"الشرق الأوسط" إن عون "كان وراء رفض المواصفات التي وضعها الحريري لتشكيل حكومة إنقاذ من اختصاصيين لمرحلة انتقالية لمدة ستة أشهر".
ولفت المصدر نفسه إلى أن رئيس الجمهورية "اشترط أن تتشكّل الحكومة من تكنوقراط وسياسيين بذريعة أن التركيبة التي يقترحها الرئيس الحريري تفتقر إلى قاعدة سياسية تمثيلية في البرلمان تتولى الدفاع عنها وهذا ما قاله بوضوح في مقابلته المتلفزة مع الزميلين سامي كليب ونقولا ناصيف".
وقيل في حينه إن عون، كما يقول المصدر نفسه، يريد مراعاة "الثنائي الشيعي" والتناغم معه في مطالبته بأن تكون الحكومة الجديدة مختلطة تتشكل من سياسيين وتكنوقراط، لكنه سرعان ما بدّل موقفه مع تكليف دياب بتأليف الحكومة مؤيدًا إياه في إصراره على أن تتشكّل من اختصاصيين ومستقلين.
وسأل المصدر عن "الأسباب التي أملت على عون موافقته على المواصفات التي وضعها الحريري، لكنه بادر إلى تجييرها لمصلحته فور إعلان زعيم المستقبل عزوفه عن الترشّح لرئاسة الحكومة". وقال إن "مثل هذا التصرّف يدعونا للتأكيد على أن رئيس الجمهورية سرعان ما انقلب على التسوية التي أبرمها مع الحريري رغم أنها أخذت تتهاوى وتكاد تكون من الماضي".
ورأى أن "الإعداد لإطاحة الحريري تمهيدًا لشن حملة منظمة تستهدف الحريرية السياسية لم يبدأ مع اعتذاره عن الترشُّح لرئاسة الحكومة وإنما بوشر في التخطيط له منذ استقالة الحكومة". وقال إن باسيل حاول تسويق النائب فؤاد مخزومي لتولي رئاسة الوزراء، لكنه اصطدم كما تردّد برفض من "حزب الله".
وأكد أن رفض "حزب الله" أعطى الضوء الأخضر للبحث عن مرشح بديل كان من نصيب دياب الذي عمل على تسويقه المدير العام السابق لصندوق المهجّرين شادي مسعد الذي كان رشّحه "التيار الوطني" للمقعد النيابي الأرثوذكسي عن (مرجعيون - حاصبيا) ولم يحالفه الحظ. وقال إن "مسعد أسرّ باسم دياب لعدد من الأصدقاء منذ أسابيع عدة على هامش الاحتفال الذي أقامته السفارة العُمانية في بيروت بمناسبة العيد الوطني".
ورأى أن "تسويق مسعد لاسم دياب تناغم مع ما تناقلته مصادر وزارية ونيابية عن لسان مقربين من باسيل وهم في الوقت نفسه على تقاطع مع الأجواء التي كانت سائدة لدى فريق محسوب على الرئاسة الأولى وخلاصته أن لا حكومة برئاسة الحريري".
وكشف المصدر أن مسعد الذي "يُنظر إليه على أنه العرّاب الذي تولى تسويق دياب والترويج له"، هو من "اصطحبه للقاء باسيل ومن ثم الرئيس عون". وقال إن رئيس المجلس النيابي نبيه بري "فوجئ بترشيحه، ولا صحة لما نُقل عنه بأنه سأل الحريري بعد أن وضعه في الأسباب التي دفعته إلى الاعتذار عن رأيه في ترشيح دياب". وشدد المصدر على أن "الموقف ليس موجّهًا ضد دياب وإنما يستهدف عون وباسيل على خلفية انقلابهما على الميثاقية من جهة والتفافهما على اتفاق الطائف من جهة ثانية، وصولًا إلى تعديله بالممارسة". ورأى أن قول نائب رئيس "التيار الوطني الحر" مي خريش بأن الاستشارات النيابية مُلزمة لرئيس الجمهورية لكن نتائجها ليست مُلزمة ويحق له أن يستمزج الآراء في تسمية الرئيس المكلف "يكشف النيات المبيتة ضد اتفاق الطائف، وبالتالي يستعيد موقف التيار منه بذريعة أنه كان وراء نفي عون إلى فرنسا".
ورأى أن "ضرب الميثاقية بعرض الحائط سيلقى رد فعل يتجاوز الشارع السني إلى عدد من الدول العربية الداعمة للبنان والمؤيدة للطائف، وأعتقد أن دياب أُحيط علمًا بذلك".
أما فيما يخص التمثيل الشيعي، فعلمت "الشرق الأوسط" أن لقاء دياب بالمعاونين السياسيين لرئيس البرلمان علي حسن خليل والأمين العام لـ"حزب الله" حسين خليل لم ينتهِ إلى نتائج حاسمة ويُنتظر أن يُستكمل بلقاءات أخرى، في ضوء إصرارهما على تطعيم التشكيلة الوزارية بوجوه سياسية من الوزن الخفيف "لقطع الطريق على انزلاق الحكومة في متاهات إقليمية ودولية غير محسوبة".
ويتردد أن دياب أثار مع عون وجهة نظر "الثنائي الشيعي"، وكان جوابه العودة إلى التواصل معهما، علما بأن إصرار هذه الثنائية على موقفها يكمن في أن مجرد موافقتها على حكومة من اختصاصيين "ستؤدي إلى إحراجها أمام الحريري على خلفية رفضها لتركيبة وزارية من هذا النوع، سيما وأن الحريري حرص على تحييدها في حملته على عون وباسيل وتحدّث بإيجابية عن تعاونها معه".
ناهيك من أن "الثنائية الشيعية" ترفض حصر الحوار معها حول الأسماء الشيعية المرشّحة لدخول الحكومة وتصر على أن يشمل البحث جميع الأسماء من الطوائف الأخرى. كما أن أي تركيبة وزارية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار رد فعل الحراك الشعبي لجهة إمكانية استيعابها لمطالبه، إضافة إلى ضرورة احتضانها من المجتمع الدولي، وأيضًا من غالبية الدول العربية، وهذا ما يتطلب من الرئيس المكلف تأليف حكومة متوازنة لا تُحدث خللًا يؤشر إلى توظيفها من قبل "العهد القوي" وباسيل في محاولتهما لتصفية حساباتهما مع الحريري بعد أن أُعيدت العلاقة إلى المربع الأول الذي سبق انتخاب عون رئيسًا للجمهورية.
كذلك لا ينبغي إغفال مواقف أحزاب "التقدمي الاشتراكي" و"القوات اللبنانية" و"الكتائب" المعترضة، في حال أتاحت التشكيلة الوزارية لباسيل فرض سطوته على الحكومة من خلال وزراء محسوبين عليه يعتقد بأن وجودهم يعزّز له طموحاته الرئاسية، وإلا لماذا استحضر اسم السفير قبلان فرنجية ليكون في عداد الحكومة اعتقادًا منه بأنه يزعج "تيار المردة" ورئيسه سليمان فرنجية، مع أنه يُدرك سلفًا أن "تحرشه" سيرتدّ عليه.
وحصلت "الشرق الأوسط" على عيّنة من أسماء المرشحين لدخول الحكومة ضمّت دميانوس قطار، زياد بارود، شادي مسعد، فايز الحاج شاهين، النقيبة السابقة للمحامين آمال حداد، العميد لبيب بوعرم، غسان العريضي (رجل أعمال مقيم في دبي)، نجاة صليبا، حسين قعفراني، غازي وزنة، لكن لا شيء نهائيًا ما دام أن المشاورات ما زالت في أول الطريق، وإن كان باسيل يرشّح مسعد لوزارة الدفاع.
عون وبري يطلبان من دياب "التروي" في اختيار الأسماء
كشفت مصادر في الرئاسة اللبنانية ورئاسة مجلس النواب أن رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس المجلس نبيه بري طلبا من الرئيس المكلف تأليف الحكومة حسان دياب "التروي"، بعدما لمسا "استعجاله لإنجاز التشكيل خلال أيام".
وأوضحت مصادر الرئاستين لـ"الشرق الأوسط" أن طلب التروي جاء لعدد من الأسباب، بينها أن أسماء مقترحة في اللائحة التي قدمها دياب "غير معروفة"، مشيرة إلى أن "الحاجة ملحة لمعرفة معلومات عن سيرهم الذاتية وخبراتهم ونوعية اختصاصهم".
وضربت مثالًا بالوزير السابق دميانوس قطار المقترح لوزارة الخارجية، موضحة أنه "اشتهر بكل ما هو متصل بالمال لكن لا أحد من الرسميين يعرف مدى طاقته لقيادة الدبلوماسية اللبنانية، لا سيما أن العلاقات بين لبنان وعدد من دول الخليج ليست على ما يرام مع وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، وكذلك الأمر بالنسبة لعلاقات لبنان مع الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، إذ لم تكن جيدة على الصعيد الدبلوماسي أثناء فترة باسيل".
وقالت مصادر رئاستي الجمهورية والبرلمان إن عون وبري سألا الرئيس المكلف عن الجهة التي اختارت أو أوحت له بالأسماء "فلم يقتنعا بأجوبته، فاتفقا معه على أن يستمزج رأي الفاعليات بالأسماء والحقائب المقترحة من أجل تأمين الثقة لدى مجلس النواب لحكومته". ولفتا إلى أن الأسماء الواردة التي جرى تداولها لحقائب معينة "أدت إلى اشتباكات كلامية قاسية النبرة بين الفاعليات السياسية المتضررة على مختلف المستويات التي شملت عون من جهة والحريري من جهة أخرى".
وهاجم الوزير السابق زعيم "تيار المردة" سليمان فرنجية، رئيس "التيار الوطني الحر" واتهمه بأنه هو الذي يشكل الحكومة، ما دفع عون إلى نفي ذلك، مؤكدًا أن من يؤلّف الحكومة هو رئيسها المكلف. وأفادت مصادر أن أكثر ما أزعج فرنجية هو لجوء باسيل إلى تضمين التشكيلة اسم سفير لبنان في جنوب أفريقيا قبلان فرنجية من دون استمزاج مسبق له، ما اعتبر تحديًا ومحاولة من باسيل لبناء شعبية في زغرتا من نفس العائلة.
كما أن شادي مسعد المقترح في مشروع التشكيلة الوزارية وزيرًا للدفاع ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء معروف عنه أنه ترشح على لائحة "التيار" في الانتخابات النيابية الأخيرة في قضاء مرجعيون ضد النائب أسعد حردان، وهذا ينافي المواصفات الموضوعة لاختيار الوزراء.
وأفاد أحد المتابعين لسير الاتصالات لطبخة حكومة دياب بأن تأليف الحكومة وتوزيع الحقائب واختيار الوزراء تم بين "التيار" و"حزب الله" و"حركة أمل" خلال اجتماعات مكثفة، إضافة إلى بعض الأسماء التي أضافها الرئيس المكلف.
ولم يصدق بعض السياسيين دياب عندما قال إن "الأمور تسير على ما يرام والحكومة ستكون جاهزة" بعد زيارتيه لقصر الرئاسة في بعبدا للتكليف ثم لمعايدة عون في الميلاد. وقالت مصادر بعبدا وعين التينة لـ"الشرق الأوسط" إن "ما هو متفق عليه هو هيكل الحكومة، أي أن تتألف من 18 وزيرًا، 12 رجلًا و6 نساء". وأكدت أن "معظم الأسماء جديدة ويجب أن تحظى بموافقة الأطراف، ما يستوجب بعض الوقت، ومن هنا كانت زيارة دياب لعين التينة" أمس.
ولفتت إلى أن "التوزيع الوزاري المتداول على بعض المواقع الإلكترونية بعضه ممكن والبعض الآخر غير نهائي إطلاقًا". وأشارت إلى أن "الثنائي الشيعي هو الذي سيوافق على المرشحين من الوزراء الشيعة الأربعة، والتيار سيوافق على الوزراء المسيحيين فيما يرفض حزبا القوات والكتائب المشاركة". وكشفت المصادر أن العقبة الأساسية في إحراز أي تقدم أن كل من طرحت عليهم حقائب من السنة رفضوها، باستثناء من أيدوا مجيء دياب.
قد يهمك أيضا:
حكومة حسان دياب في مواجهة الشارع اللبناني المنتفض والمجتمع الدولي
الرئيس اللبناني ميشال عون يكلف حسان دياب بتشكيل حكومة جديدة
أرسل تعليقك