بغداد - نهال قباني
كشفت حرب الموصل عن نفق طويل تحت سطح الأرض بعمق أربعة أمتار يبدو زاخرًا بالعديد من العلامات التي تعكس الأنشطة التي يمارسها تنظيم "داعش"، حسب ما ذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية.لقد كانت هناك نسخة من القران الكريم مثبته في فجوة تحت السقف مباشرة، وبينما كان الرائد حما الشاوري القائد في الميليشيات الكردية المعروفة باسم "البيشمركة"، يوقد شعلة لتفقد الغرفة، إذا بأحد أفرد كتيبته يستأذن لإزالة القران، فيرفض تماما مؤكدا أنه مفخخ.
ميليشيات البشمركة تعمل حاليا جنبًا إلى جنب مع القوات الحكومية العراقية والميليشيات الشيعية الموالية لها، بالإضافة إلى ميليشيات القبائل السنية من أجل تحرير مدينة الموصل، والتي يسيطر عليها تنظيم"داعش" منذ عام 2014، والقرى المجاورة لها.
وأضافت الصحيفة البريطانية أنه عندما بدأ الهجوم على مدينة الموصل العراقية يوم الإثنين الماضي، كان حوالي عشرة مسلحين تابعين للتنظيم المتطرف مختبئين في المنازل في قرية "بدانة" التي تبعد عن المدينة حوالي عشرة أميال فقط. وعندما قام فريق عمل الصحيفة البريطانية بزيارة ميدانية إلى المدينة العراقية بصحبة كتيبة حما، لم تكن هناك أية أصوات خارجة من القرية المهجورة سوى أصوات العصافير وكذلك أصوات الطائرات التي تحوم حولها، حيث عثرت ميليشيات البيشمركة على جثتين لإثنين من مقاتلي التنظيم المتطرف، قتلا من جراء القصف الجوي الذي تشنه قوات التحالف الدولي.
الأثار التي تركها التنظيم في القرية، والتي عثرت عليها الميليشيات الكردية، ربما تعطي لمحة مهمة للغاية عن الأنشطة التي مارسها التنظيم المتطرف، والكيفية التي كانوا يعيشون بها، بالإضافة كذلك إلى الاستعدادات التي قاموا بها لصد الهجوم المنتظر لتحرير المدينة العراقية، والتي تعد ثاني أكبر المدن في العراق.
النفق الذي وجده حما وكتيبته تبلغ مساحته حوالي 20 مترا، حيث يبدأ من فتحة بالأرض داخل أحد المنازل، تؤدي بعد ذلك إلى منطقة مظلمة للنوم تحت الأرض، ومطبخ صغير مؤقت. إنه المكان الذي كانوا يقضون داخله أوقات النوم، ويؤدون داخله الصلاة، هكذا يقول الرائد الكردي البالغ من العمر 46 عام، بينما كان يتجول داخل النفق.
كان القائد العسكري يدرك أن الميليشيات المتطرفة قامت بزرع المتفجرات في أماكن عدة بالقرية، ولذلك كان حريصا على حث رجاله أن يكونوا في غاية الحذر. في داخل النفق، كانت هناك أسلاك تمتد عبر شبكة من الممرات، حيث كانوا يستخدمون قضبانا حديدية وأخشابًا لرفع الأسقف، بينما كان الغبار متناثر في المكان مما يجعل التنفس أمرا في غاية الصعوبة، بينما يظهر على الحائط علم التنظيم، مكتوبا عليه عبارة "لا إله إلا الله."
العلامات أظهرت أيضا أن انسحاب الميليشيات المتطرفة كان متسرعا للغاية، ففي أحد الممرات، تجد موقدا يعمل بالغاز، عليه عدد من الأطباق، يحوي أحدها حمصًا طازجا غارقا في المياة، بينما توجد بجواره صينية من البيض، وبعض كسرات الخبز، في حين تناثرت على طول الطريق قشور بذور عباد الشمس، والتي من المفترض أنها كانت تستخدم للتسلية من قبل الميليشيات. ويبدو أن المسلحين الذين كانوا يقبعون داخل النفق معدين للقتال حتى النهاية.
ويقول أحد أعضاء البشمركة، ويدعى هادي محمد، أن أكياسا من التراب كان مجهزة لاستخدامها كوسيلة للدفاع عن أنفسهم، في حالة دخول القوات الكردية إلى داخل النفق.
وتقول "الغارديان" إن استرداد قرية بدانة على يد البيشمركة يقدم درسًا مهما حول العديد من الحقائق التي سوف تشهدها الحرب في الموصل، والمخاطر الهائلة التي سوف تواجهها كافة الأطراف المشاركة في تلك المعركة. القائد الكردي حما بدا خلال جولته فخورا للغاية، وعند سؤاله عن السبب في ذلك، يقول أنه شارك في الحرب ضد "داعش" منذ اليوم الأول، إلا أنه الوحيد الذي لم يقتل أي جندي من كتيبته حتى الان.
إلا أن حالة الزهو التي شعر بها الرجل على ما يبدو لم تدم طويلا، بحسب الصحيفة البريطانية، حيث أنه لم يمضِ سوى أقل من ساعتين فقط من زيارة النفق، حتى وصلت أخبار عن انفجار عبوة ناسفة داخل القرية أدت إلى مقتل إثنين من البيشمركة، بينما أصيب ثالث بجروح خطيرة.
أرسل تعليقك