أعلنت القوات التي يقودها نجل شقيق الرئيس اليمني السابق، طارق صالح، الدخول على خط النار في مواجهة ميليشيات جماعة "الحوثيين"، وسط آمال عريضة يعلقها أنصار حزب "المؤتمر الشعبي" على هذه القوات لجهة الثأر من الميليشيات التي قتلت زعيمهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح ونكلت بقيادات الحزب واستولت على أمواله ومقراته في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وأكّدت مصادر حزبية أن ذعرا دب في صفوف قيادات الميليشيات الحوثية بعد دخول طارق صالح وقواته ميدان المعركة، وأفادت مصادر محلية في محافظة الحديدة بأن الميليشيا استدعت المئات من عناصرها المرابطين في الجبهة الشمالية من الساحل الغربي، حيث حرض وميدي شمال غربي محافظة حجة، في مسعى لتعزيز جبهاتها أمام الزحف الوشيك لقوات طارق باتجاه مديرية "حيس" التي ترابط فيها قوات الجيش والمقاومة التهامية على بعد 115 كيلومترا جنوبي الحديدة.
ويشكل بدء مشاركة هذه القوات ذات الجاهزية القتالية الجيدة، بنظر المراقبين العسكريين، منعطفا تحوليا كبيرا على صعيد حسم المواجهة لإنهاء الوجود الحوثي وإسناد صفوف الشرعية اليمنية، بغض النظر عن الحساسيات غير المعلنة الناجمة عن الخلفيات السابقة لخريطة التحالفات بين كافة الأطراف المناهضة للجماعة.
وعلى رغم أن المواجهة ضد عناصر التمرد الحوثي لن تكون بالسهولة التي يتوقعها أنصار صالح نظرا لطبيعة المعركة المعقدة وتداخلات إرث الصراع السياسي، إلا أن التعويل - في نظر أغلب المناهضين للجماعة الانقلابية - يبقى كبيرا على هذه القوات التي تمتلك من الدوافع ما يؤهلها لكسر شوكة الحوثيين ودحرهم، على الأقل في جبهة الساحل الغربي وصولا إلى مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي قبل الانتقال إلى الخطوات التالية.
ولأن مسألة التقدم المباشر باتجاه الحديدة فيه مغامرة قد تكون غير محمودة العواقب وفقا لمراقبين عسكريين، فضلت هذه القوات التي تشكلت بدعم من التحالف العربي وأطلقت على نفسها اسم "المقاومة الوطنية" أن تبدأ أولا بتأمين ظهرها بتحرير المناطق الشرقية لمدينة المخا الساحلية والواقعة غربي تعز، حتى تأمن أي هجمات حوثية يمكن أن تقطع عنها طرق الإمداد عبر التوغل من مناطق تمركزها في الوازعية وموزع ومقبنة باتجاه الساحل غربا.
وكشفت المصادر الرسمية لهذه القوات التي أطلقت على أول ثلاثة ألوية منها اسم "حراس الجمهورية" بأنها تمكنت بعد ساعات من دخول المعركة رسميا من التقدم شرقي المخا وتأمين كافة المرتفعات المحيطة بمعسكر "خالد بن الوليد" حيث يقع مفترق طرق، تؤدي إلى الحديدة شمالا وإلى تعز شرقا وإلى الوازعية جنوبا.
وتبعد المنطقة التي تقدمت إليها القوات نحو 40 كيلومترا شرقي المخا، ونحو 60 كيلومترا غربي مدينة تعز التي يحاصرها الانقلابيون الحوثيون من ثلاث جهات، بما فيها الجهة الغربية. وذكرت مصادر ميدانية أن قوات طارق صالح شنت هجوما متزامنا مع قوات تتبع فصيل السلفيين على مواقع الجماعة، وهو ما أدى إلى مقتل 70 حوثيا على الأقل وفرض حصار مطبق على مجاميع أخرى ليس في مقدورها إلا الاستسلام أو الموت بحسب بيان صادر عن هذه القوات.
وأكد البيان أن ما سماها بـ"قوات المقاومة الوطنية" تمكنت (الخميس) من السيطرة على جميع المرتفعات المحيطة بمعسكر خالد بن الوليد القريب من مفرق المخا، والتي كانت تتمركز فيها ميليشيات العصابة الحوثية. وأضاف أن "قوات من ألوية "حرّاس الجمهورية" نفذت عمليات نوعية مسنودة بضربات جوية من طيران التحالف العربي وألوية قوات العمالقة، واستطاعت من خلالها أن تبسط سيطرتها الكاملة على المرتفعات المحيطة بمعسكر خالد بعد أن كبدت ميليشيات الحوثي خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد".
وأشار بيان قوات طارق صالح إلى أنها تمكنت في أول أيام المواجهة من "قطع الإمدادات على قوات الحوثي المنتشرة في المنطقة"، وقالت إن "السيطرة على هذه المرتفعات تقطع الإمداد على كافة المجاميع المنتشرة في المنطقة وتجبرها على الاستسلام أو الموت دون قتال".
وتكشف المؤشرات الميدانية لحركة هذه القوات التي شكلها نجل شقيق صالح، من عناصر ما كان يسمى بقوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن المركزي التي كانت قائمة أيام حكمه أنها تهدف إلى تأمين مناطق الريف الغربي لتعز كاملا، وبخاصة مفرق المخا ومفرق البرح، حيث يتفرع منهما طريقان رئيسيتان متوازيتان باتجاه الشمال وصولا إلى "حيس".
وكانت قوات الجيش الموالية للحكومة الشرعية تقدمت في الأسابيع الماضية إلى حيس من الطريق الساحلية، انطلاقا من المخا ثم الخوخة، في حين بقيت الطريق الموازية الثانية المؤدية إلى حيس من مفرق المخا بمثابة خط تماس مع الوجود الحوثي، في الوقت الذي لا تزال الطريق الثالثة الموازية لهما المتجهة إلى حيس مرورا بمديرية مقبنة ومفرق شمير في يد الميليشيات حيث تستخدمها لإمداد جبهاتها غربي تعز في موزع والوازعية، وهو المسار الذي تخطط قوات طارق صالح لسلوكه، بحسب ترجيحات المراقبين.
وفيما أثار دخول قوات "حراس الجمهورية" التابعة لما أطلقت عليه "المقاومة الوطنية" بقيادة طارق صالح، ذعرا عارما في صفوف الحوثيين، كانت أيضا لقيت معارضة من قبل أنصار حزب "الإصلاح" في تعز، والذين يرجح المتابعون للشأن اليمني بأنهم لا يزالون عالقين في شراك "فوبيا صالح ونظامه" حتى بعد مقتله، وتحول أغلب أقاربه ومنهم طارق صالح إلى الصف المعادي للحوثيين.
ودفعت الجماعة الانقلابية على وقع إعلان دخول القوات المعركة ضدها، برئيس مجلس انقلابها صالح الصماد إلى الحديدة، حيث بدأ متوسلا للرجال والنساء، كما ظهر من تصريحاته، من أجل التظاهر ضد قوات طارق صالح وحشد المقاتلين لإعاقة تقدمها الوشيك باتجاه الحديدة. وفي السياق ذاته أطلق القيادي محمد علي الحوثي رئيس ما يعرف باللجنة الثورية العليا، تهديدات تضمنت التلويح بشن هجمات تستهدف طريق الملاحة في البحر الأحمر ردا على دخول قوات طارق صالح إلى المعركة.
وفيما ترى كثير من المكونات الحزبية والسياسية المؤيدة للشرعية اليمنية أن قوات طارق صالح، تمثل مكسبا إضافيا لجهة العدو المشترك بين الجميع وهو الحوثي، يشن ناشطون محسوبون على الجناح التركي - القطري في حزب "الإصلاح"، هجوما واسعا ضد هذه القوات التي يرون فيها خطرا على نفوذهم إذا ما تمكنت من دحر الحوثيين، سيؤدي إلى إعادة أقارب صالح إلى واجهة الحكم.
ويرجح المراقبون أن قوات نجل شقيق صالح أمامها فرصة مواتية لتحرير الحديدة، لجهة الطبيعة الجغرافية المنبسطة، ولجهة الآليات القتالية الجيدة، إضافة إلى التدريب والإعداد الجيد والخبرة السابقة لعناصرها في صفوف وحدات الجيش إضافة إلى ضعف الحاضنة الشعبية للجماعة الحوثية في الساحل الغربي عامة.
وباستثناء حقول الألغام التي يلجأ إليها المتمردون لإعاقة تقدم خصومهم، وبعض المزارع الكثيفة التي تنتشر في مناطق سهل تهامة، بإمكان قوات طارق صالح، أن تحرز نصرا واسعا وسريعا باتجاه الحديدة، التي يرجح أن تصبح لاحقا القاعدة الأساسية التي تنطلق منها باتجاه صنعاء وإب والمحويت وحجة شرقا، حيث التضاريس الصعبة والجبال التي يتقن الحوثيون استخدامها لإعاقة القوات الحكومية.
وكان نجل شقيق صالح، نجح في الإفلات من قبضة الحوثيين بعد أحداث الانتفاضة التي قادها عمه صالح في الثاني من ديسمبر (كانون الأول) الماضي في صنعاء ضد الجماعة وانتهت بمقتله مع العشرات من رفاقه وحراس منزله في الرابع من ديسمبر (كانون الأول) نفسه. وللوهلة الأولى بعد مقتل عمه، كان مصيره مجهولا وسط تصريحات من أقاربه بأنه قتل أثناء المواجهات، وهي تسريبات كان هدفها كما اتضح لاحقا التغطية على عملية هروبه من صنعاء، إلى مناطق آمنة تاركا وراءه، نجله عفاش، وشقيقه محمد، ونجلي عمه صالح، مدين وصلاح، في قبضة الاعتقال الحوثي، حيث لا يزالون ورقة بيد الجماعة.
وكشفت مصادر قريبة من طارق صالح أن الميليشيات أوصلت إليه تهديدات بأنها ستقوم بتصفية أقاربه إذا قرر الانخراط في مواجهتها عسكريا، إلا أنه رفض الرضوخ لهذه التهديدات وأصر على خيار الإعداد للمواجهة العسكرية.
ولم تتضح بعد تفاصيل عملية هروبه من صنعاء، إلا أن الرواية الراجحة تقول إن عمه صالح ألح عليه بمغادرة المنزل المحاصر من قبل الحوثيين لعلاج جراحه التي أصيب بها، ثم الإعداد لمعركة الثأر من الجماعة، حيث نجح في اختراق الطوق الحوثي المسلح المفروض على محيط المنزل الواقع في شارع حدة، بمعية مرافقين له، قبل أن يصل إلى منزل آمن ومنه إلى قبيلة خولان في الأطراف الجنوبية الشرقية لصنعاء، قبل أن يغادرها متخفيا عبر طرق جبلية وعرة إلى منطقة صرواح غربي مأرب حيث استقر في عهدة أحد أنصاره من الزعماء القبليين الذي وفر له الحماية والعلاج.
وكان أول ظهور رسمي له بعد نجاته في شبوة الجنوبية في 11 يناير/كانون الثاني بمعية زعماء قبليين من أنصاره وتحت حماية قوات التحالف العربي، لتأدية واجب العزاء في مقتل القيادي في حزب "المؤتمر" عارف الزوكا الذي كان فضل الموت إلى جوار عمه صالح على يد الميليشيات الحوثية.
وفي تصريح مقتضب حينها، أعلن طارق صالح من شبوة أنه ماض على نهج عمه متمسك بوصاياه التي أعلنها في خطابه الأخير قبيل مقتله، إذ كان دعا إلى مواجهة الحوثيين وفتح صفحة جديدة مع دول التحالف العربي بقيادة السعودية لإنهاء الحرب وإعادة اليمن إلى محيطه العربي. وعلى رغم المصاعب الجمة والهزة العميقة التي ضربت صفوف أنصار الرئيس السابق والقوات الموالية له جراء مقتله وهيمنة الميليشيات على صنعاء منفردة، إلا أن طارق صالح نجح في امتصاص الصدمة، ربما ليعيش يوما آخر من أجل المواجهة والانتقام الثأري من الجماعة الحوثية.
ولم تتوافر على وجه الدقة معلومات عن حجم القوات التي تمكن نجل شقيق صالح من إعادة تجميعها في أحد المعسكرات الواقعة غربي عدن، إلا أن مصادر كانت أفادت لـ"الشرق الأوسط" أنها تناهز 10 آلاف مقاتل، من شتى المناطق اليمنية ومن مختلف وحدات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة. وأفاد الموقع الإخباري لوكالة "2ديسمبر" الذي أطلق بالتزامن مع دخول القوات أجواء المعركة رسميا، بأن المقاومة الوطنية التي يقودها تضم الآلاف من المقاتلين، حيث تم تشكيل ألوية "حراس الجمهورية" لبدء المعركة في الساحل الغربي، فيما لا تزال بقية القوات تنتظر أن تسند إليها المهام القتالية المطلوبة في وقت لاحق.
ويرشح كثير من المراقبين، نجل شقيق صالح، للعب دور محوري في المستقبل العسكري للجيش اليمني إذا ما تمكن من الإيفاء بوعوده بالثأر لمقتل عمه، وأسهم بشكل فاعل مع المكونات والقوى اليمنية الأخرى في القضاء على حلفائه السابقين من عناصر الميليشيات الحوثية وصولا إلى استعادة العاصمة صنعاء.
وفي المقابل يضع المراقبون ابن عمه الأكبر، أحمد علي عبد الله صالح الموجود حاليا في الإمارات العربية، مرشحا محتملا لوراثة التركة السياسية لوالده الراحل صالح في قيادة حزب "المؤتمر الشعبي" والإبقاء على حضور العائلة في مستقبل البلاد التي حكمتها لقرابة ثلث قرن. ويرجح المراقبون أن إصرار طارق صالح على إطلاق اسم "المقاومة الوطنية" على قواته بعيدا عن الهيكلية الرسمية لقوات الجيش الخاضعة للشرعية، مرده إلى الخلاف السابق بين عمه صالح وخصومه من القوى السياسية والقبلية الأخرى التي كانت عملت على تقويض حكمه عبر تثوير الشارع ضد نظامه في العام 2011 وهو ما أزاحه في النهاية عن سدة الحكم، بموجب اتفاق المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.
أرسل تعليقك