طرابلس - العرب اليوم
مع كل حكومة جديدة في ليبيا، يأمل سكان مدن الجنوب أن يجدوا حلاً لأزماتهم المتراكمة منذ عقد، لكن يبدو أن كثرتها وتجذرها يضع المسؤولين التنفيذيين في موضع «العاجزين عن التعاطي معها، وإيجاد حلول لها»، وفق رؤية كثير من سكان المناطق الواقعة في أقصى الصحراء الليبية.ويقول عدد من مواطني مدن سبها وأوباري ومرزق بالجنوب، إن مناطقهم «تعد منبع الثروة في ليبيا، ومع ذلك يعاني سكانها الفقر، بالإضافة إلى شح الوقود مما يجبرهم على شرائه من السوق السوداء بأضعاف ثمنه»، رغم أن حكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، دفعت إليهم مؤخراً بعدد من الشاحنات المحملة بالوقود.ولخص علي امليمدي، المنتمي إلى مدينة سبها، ويعمل محامياً، معاناة الجنوب في مجموعة من الأزمات، قال إنها «تعتصر المواطنين من سنوات». وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «مناطق الجنوب تعاني من انتشار الجريمة والمجرمين، ما يحد من قدرة المواطنين على ممارسة حياتهم في التجارة أو السياحة أو حتى التنقل بين المناطق»، لافتاً إلى أن «نقص السيولة في المصارف، وشح الوقود في المحطات التابعة للدولة يفاقمان من أزماتنا».
وانتهى قائلاً: «حتى وإن أرسلت وزارة البترول شاحنات محملة بالوقود يتحتم على المواطنين الانتظار في طوابير طويلة على المحطات، وينتهي بهم الأمر إلى اللجوء للسوق السوداء لعدم تعطل مصالحهم». وأمام شكاوى المواطنين، التقى الدبيبة، بمقر الحكومة في العاصمة، عمداء بلديات المنطقة الجنوبية، وبحث معهم الصعوبات التي تواجه مناطقهم، وفي مقدمتها نقص الوقود، وتعرض عدد من الطرق الرئيسة للتدمير، بالإضافة لنقص الأمصال في ظل انتشار وباء «كورونا».
والاجتماع الذي طمأن فيه الدبيبة مواطني الجنوب بأن حكومته تسعى لحل أزماتهم، وحضره وزراء المواصلات والصحة والدولة لشؤون مجلس الوزراء، استقبله المواطنون هناك بحالة من الرضا، لكنهم عبروا في الوقت ذاته عن مدى الضيق الذي يعانونه بسبب انقطاع التيار الكهربائي لمدد طويلة مما يعمق أزماتهم أكثر. ويقول بوسليمان إبراهيم، ويعمل مزارعاً، لـ«الشرق الأوسط»: «لم نعد نطيق صعوبات الحياة، نحن في الجنوب نعاني منذ عشر سنوات، ولم يسمع لنا أحد، غالباً نشتري الوقود من السوق السوداء، ولا نجد سيولة في البنوك، كما أن الكهرباء دائماً هاربة» (مقطوعة).ومنذ أن تولت السلطة التنفيذية إدارة شؤون البلاد، وهي تصرح بأولوية مدن الجنوب في الحصول على الدعم اللازم، ومؤخراً خصصت الدبيبة 500 مليون دينار لدعم الجنوب من (باب التنمية) في الميزانية العامة، مع ضرورة إعطاء الأولوية للجنوب، وتقديم الخدمات الأساسية من خلال الوزارات المختلفة.ورداً على شكاوى القطاع الصحي بالجنوب، الذي يعاني نقصاً في المستلزمات اللازمة لمواجهة فيروس «كورونا»، أكد وزير الصحة الدكتور علي الزناتي، استعداد وزارته لتوفير الاحتياجات العاجلة لمراكز العزل هناك، وطمأن العمداء بوصول كمية من الأمصال ستشرع الوزارة في توزيعها.
وسبق لرئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ونائبيه عبد الله اللافي، وموسى الكوني، زيارة مدن الجنوب، في مستهل عملهم، والتقوا حكماء وأعيان المنطقة للوقوف على معاناة المواطنين هناك، لكن منذ هذه الزيارة لم يتغير الأمر كثيراً في أزمات السكان هناك، وفق قولهم. وللحيلولة دون تفاقم الأوضاع هناك، اتفق نائب رئيس حكومة «الوحدة الوطنية» رمضان أبو جناح، مع خالد شكشك، رئيس ديوان المحاسبة، في اجتماع بمقر الديوان في طرابلس، على إجراءات عملية لمعالجة أزمات نقص الوقود والسيولة النقدية والوضع الصحي في المنطقة الجنوبية.
وأوضح ديوان المحاسبة، في بيان صحافي، أن الاجتماع تمحور حول «المشاكل المفصلية التي يعاني منها الجنوب وسبل العمل على حلحلتها وإحداث فارق إيجابي في حياة المواطنين». واتفق شكشك وأبو جناح على البدء فوراً في حل مشكلة نقص الوقود وتفاقم ظاهرة تهريبه من خلال «تفعيل منظومة لتتبع سيارات نقل الوقود بحيث تكون مبرمجة للوصول إلى محطة الاستقبال، ولا يمكن تجاوزها وبالإمكان تعطيل الناقلة إذا تجاوزت المسار المسموح به، وذلك بالتنسيق مع جميع الأطراف ذات الصلة».كما تم التطرق إلى سبل معالجة المشاكل الصحية التي يعاني منها الجنوب. ولفت شكشك إلى أهمية التجربة التي شرع فيها الديوان من خلال خصخصة التشغيل والإدارة، بحيث يتم الاجتماع العاجل مع وزير الصحة لتعميم هذه التجربة على مركز سبها الطبي، بما يضمن تقديم أفضل الخدمات الصحية للمواطنين في أقرب وقت ممكن.
وفي نهاية اللقاء تم الاتفاق على وضع جدول محدد بالأهداف والمواعيد لمتابعة تقدم الإنجاز في كل المستهدفات المتفق عليها، وعقد اجتماعات متابعة دورية لملاحظة التنفيذ والعراقيل بقصد حلها بما يضمن حل أزمات سكان الجنوب. ويعاني الجنوب الليبي منذ إسقاط النظام السابق عام 2011، من نقص الخدمات الحكومية، وشح الوقود، وارتفاع الأسعار بشكل كبير، إضافة إلى عمليات خطف على الهوية لأبناء مدنهم في العاصمة طرابلس؛ ما دفع مشايخ وأعيان فزان، إلى الشكوى من تعرض مدنهم لـ«التجويع والإقصاء والتهميش» على أيدي الحكومات المتعاقبة، محذرين من تعرض المنطقة إلى «تغيير ديموغرافي ممنهج». ودشن الدبيبة غرفة مشتركة لتأمين المنطقة الجنوبية، وتهدف إلى تتبع تحركات «الجماعات الإرهابية» ومطاردتها والعمل على القضاء عليها ولها التنسيق مع الأجهزة الأمنية المختصة بدول الطوق، بالإضافة لرصد مسارات الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر والتهريب ووضع الخطط العملية التي من شأنها الحد من هذه الظواهر.
قد يهمك ايضا
عقبات تهدد المسار الانتخابي في ليبيا أبرزها «المرتزقة» وبقاء الميليشيات وانتشار السلاح
سماع دوي إطلاق نار في العاصمة طرابلس في ليبيا
أرسل تعليقك