نشر مكتب التحقيقات الفيدرالية ووكالة المخابرات المركزية ووكالة الأمن الوطني و12 وكالة استخباراتية أميركية أخرى، تقريرًا مشتركًا غير مسبوق اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه أمر بحملة اختراق ضد انتخابات الرئاسة الأميركية لعرقلة المرشحة هيلاري كلينتون.
وظهرت هذه المعلومات في يونيو/ حزيزان 2016 ما ألقى بظلال الشك على رئاسة دونالد ترامب الرئيس الأميركي الحالي. وقالت الوكالات الاستخباراتية الأميركية إن الكرملن يقف وراء اختراق اللجنة الوطنية الديمقراطية DNC، إلا أن شركة "كرودسترايك" للأمن السيبراني والتي كانت أول من تداولت هذه المعلومات، تواجه حاليًا عدة أسئلة بشأن مصداقيتها.
واضطرت شركة "كرودسترايك" لسحب أجزاء من تقريرها. كما رفضت مخاطبة الكونغرس بشأن ما توصلت إليه حول القرصنة الانتخابية التي قامت بها موسكو، وتم تعيين كرودسترايك من قبل اللجنة الوطنية الديمقراطية للتحقيق في النشاط الشبكي المشبوهة في مايو/أيار الماضي. وصرحت الشركة في يونيو/ حزيزان أن الحكومة الروسية اخترقت اللجنة ما أثار عاصفة قوية. وتعد الشركة ومقرها في "إيرفين" في كاليفورنيا الوحيدة التي سمحت لها لجنة DNC بفحص خوادمها مباشرة، حتى أنها لم تسمح لمكتب التحقيقات الاتحادي بالوصول إلى خوادمها، واعتمدت بقية الوكالات الأميركية على عمل شركة كرودستريك، إلا أنه لا يوجد دليل قضائي آخر كشف عن علاقة الكرملن بالهجمات، بما في ذلك تقارير وبيانات وكالات الاستخبارات.
وكشفت جريدة "ديلي ميل" أن شركة كرودستريك تراجعت بهدوء في مارس/ أذار عن تقرير ديسمبر/ كانون الأول بشأن مزاعم القرصنة الروسية، بعد أن تبين أن الشركة اعتمدت على بيانات غير دقيقة نشرت عبر الإنترنت من خلال مُدونة دعائية موالية لبوتين، ودفعت هذه الأخطاء كلًا من الجيش الأوكراني ومؤسسة أبحاث بريطانية بارزة لإصدار تصريحات علينة تشكك في بيانات كرودستريك، وجاء في تقرير كرودستيريك المزعوم أن القرصان الروسي فانسي بير الذي يقف وراء الهجمات على لجنة DNC يعمل لصالح وكالة المخابرات العسكرية الروسية GRU، وأفادت الشركة أنها وجدت دليلًا على اختراق بير للتكنولوجيا العسكرية الأوكرانية بنفس البرنامج الذي استخدمه لاختراق لجنة DNC.
وأشار التقرير إلى استهداف القراصنة التطبيق الذي استخدمه الجنود الأوكرانيون لتحسين كفاءة مدافع "الهاوتزر"، وأدى الاختراق إلى فقدان أوكرانيا 80% من الأسلحة في معركتها مع القوات الروسية شرقي البلاد، وحظى التقرير باهتمام عدة وسائل إعلامية مثل NBC News و Foreign Policy و The Guardian، فيما أوضحت دونا برازيل أن كرودستريك غردت عبر تويتر " توصلت الشركة إلى صلة بين اختراق DNC والمدفعية الأوكرانية"، إلا أن الجيش الأوكراني أصدر بيان عارض فيه هذه الادعاءات وأنكر أنه ضحية للقراصنة أو فقد هذا العدد الكبير من مدافع الهاوتزر.
وذكر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية والذي استعانت به كرودستريك كمصدر لمزاعمها بفقدان 80% من مدافع الهاوتزر لصوت أميركا VOA أن هذا الرقم غير دقيق، موضحا أن النسبة الفعلية للخسائر تراوحت بين 15-20%، وسرعان ما تبين فيما بعد أن كرودستريك لم تحصل على المعلومة من المعهد مباشرة لكنها حصلت عليها من أخر نشرة على موقع موالٍ لروسيا باسم The Saker، وكُتب المقال على موقع The Saker من قبل مدون روسي باسم "كولونيل كاساد" والذي وصف نفسه باعتباره "دوق الدعاية الشمولية".
وأسقطت كرودستريك الشهر الماضي بهدوء مزاعمها بشأن خسارة 80% من الأسلحة الأوكرانية مشيرة إلى تعديل تقريها بعد تحديث البيانات من المعهد، ولم توضح الشركة سبب استخدام باحثيها لهذه الأرقام الضخمة ولم توضح كيف أثّرت هذه البيانات على استنتاجاتها، ولم ترد الشركة على مخاوف التقرير بشأن الجيش الأوكراني كما نفى مطور التطبيق العسكري حدوث أي قرصنة، وفي حين أن التراجع لا يعني أن روسيا لم تخترق DNC أو أوكرانيا أوضح النقاد أنه يدعو إلى التشكيك في عمل شركة كرودستريك بشأن هذا الموضوع.
وأوضح خبير الأمن السيبراني جيفري كار أن ذلك يثير المخاوف بشأن مصداقية الشركة، وأضاف كار الذي ألّف العديد من الكتب حول الحرب السيبرانية "يوضح ذلك أن تقارير كرودستريك الاستخباراتية تمثل مشكلة واضحة، لقد وجدوا فقط ما أرادوا أن يجدوه ولم يتوقفوا للحظة للتساؤل، ولم يتصلوا بالمصدر الأساسي، إنه تحليل في مستوى المدرسة الابتدائية".
ورفض الشهر الماضي مؤسس كرودستريك ديمتري ألبيروفيتش ورئيسها شون هنرى دعوة للشهادة أمام لجنة المخابرات في مجلس النواب حول التدخل الروسي فى الانتخابات الأميركية، وأفاد جاك لانجر المتحدث باسم رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب ديفين نونيس "لقد رفضوا الدعوة لذلك نتواصل معهم للتحدث إلينا بشكل خاص"، وأوضحت لجنة DNC أنها عينت شركة كرودستريك في أواخر أبريل/ نيسان العام الماضي بعد اكتشاف نشاط مشبوه في أنظمة الكمبيوترا لخاصة بها، ولكن تبني أن الشركة كانت تجري بالفعل تحقيق لمعرفة ما إن كان موظفي حملة برني ساندرز استطاعوا الوصول بشكل غير مصرح به إلى قاعدة بيانات الناخبين، واختتم التحقيق الذي استمر 5 أسابيع في 29 أبريل/ نيسان عام 2016، ولم تسدد اللجنة الدفع الأولى من أموال كرودستريك حتى أوائل مايو/ أيار وعلى مدى الأشهر الثلاثة المقبلة دفعت للشركة إجمالي 168 ألف دولار.
وحدَّدت كرودستريك مجموعتين من القراصنة المجهولين باسم فانسي بير ووزي بير داخل أنظمة DNC، وتملك هذه الجماعات تاريخ لمهاجمة معارضي موسكو ما جعل كرودستريك تربط مباشرة الأمر بالوكالات الروسية، وأوضحت الشركة أنها أنشأت نظام كمبيوتر وهاتف جديد ونجحت في طرد المتسلليم من النظام في 10 يونيو/ حزيزان 2016، إلا أن معظم سرقات الرئاسل الإلكترونية حدث خلال هذا الوقت، على الرغم من مزاعم أن القرصان 'Guccifer 2.0' استطاع الوصول إلى البيانات لمدة عام إلا أنه لم يحدث نشر للرسائل لدعم تلك المزاعم، وشملت هذه الفترة إرسال رسائل إلكترونية خطيرة تناولت اقتراح موظفي DNC بالهجوم على التراث اليهودي لساندرز، حيث كتبت رئيسة DNC ديبي واسرمان شولتز رسالة إلكترونية في 21 مايو/ أيار بأن ساندرز لن يكون الرئيس مطلقا.
وأضافت شولتز "عندما اكتشفنا هذا التسلل تعاملنا مع هذا الحادث الخطير وتواصلنا مع شركة كرودستريك على الفور، وتحرك فريقنا في أسرع وقت لإنقاذ شبكتنا"، ولكن في الشهر التالي اضطرت شولتز للإستقالة بعد فضيحة تسريب رسائلها إلى الجمهور ما كشف عن الفوضى التي غرقت فيها حملة كلينتون، وواجهت كرودستريك بالفعل تدقيق من بعض خبراء الاستخبارات قبل الانسحاب، وأفاد كار أن الدليل الذي نشرته الشركة بشأن تورط الحكومة الروسية ضعيف وربما يشير إلى أن الجناة لا يعملون بأوامر مباشرة من الكرملن، مضيفا "هناك احتمال بتورط روسيا ولكن هناك إمكانية لتوريط آخرين، نحن بحاجة إلى مستوى أعلى من الإثبات".
ونشر كار انتقادات تفصيلية لنتائج كرودستريك، وفي حين أوضحت الشركة أن هناك دليلًا على أن المتسللين يتحدثون الروسية مثل استخدام لوحة مفاتيح سيريالية كتب كار أنه لا توجد أي أدلة عملية على ربط المتسللين بالوكالات الاستخباراتية الروسية GRU أو FSB أو SVR أو أي دائرة حكومية روسية أخرى، ومع ذلك أصدرت وزارة الأمن الداخلي ومكتب التحقيقات الفيدرالي في ديسمبر/كانون الأول تقرير من 13 صفحة باسم 'Grizzly Steppe' كإسم رمزي للقرصنة الروسية، وكررت أسماء المجموعات التي ذكرتها كرودستريك فانسي بير وكوزي بير كواجهات للمخابرات الروسية، واعتمدت تفسيراتها العامة على النتائج التي توصلت إليها كرودستريك وشركات القطاع الخاص الأخرى، ما أثار انتقادات بما في ذلك من قبل دان غودين المحرر الأمني للموقع المتخصص في الكمبيوتر Ars Tehnica.
ونشرت دوائر الاستخبارات تقريرها في يناير/كانون الثاني والذي خلص إلى تدخل روسيا في الانتخابات ضد هيلاري كلينتون، ولم يقدم التقرير أي أدلة جديدة بشأن استنتاجها في كيفية حدوث الاختراق، ولا يزال المجتمع الاستخباراتي ملتزمًا بهذا الموقف، وفي مارس/ أذار أوضح مايكل روجرز مدير وكالة الأمن القومي في شهادته أمام لجنة المخابرات في مجلس النواب حول مزاعم التدخل في الانتخابات الروسية أنه ليس هناك ما يدعو إلى تغيير النتيجة التي تم التوصل إليها في يناير/ كانون الثاني، مضيفا " اليوم بعد أكثر من شهرين من إصدارنا هذا التقرير سنقف بجانبه".
أرسل تعليقك