يتجه الزعيم الديني مقتدى الصدر على ما يبدو للعودة إلى الساحة السياسية في العراق بعد أداء قوي في الانتخابات البرلمانية في أعقاب تهميشه لسنوات من قبل منافسين تدعمهم إيران، فقد حققت قائمتا "الفتح" و"سائرون" مفاجأة بتصدرهما نتائج غالبية المحافظات العراقية، أمام قائمة "النصر" التي يقودها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، ووفقًا لنتائج جزئية رسمية للانتخابات، وحل تحالف "سائرون" الذي يجمع الصدر والحزب الشيوعي على أساس مكافحة الفساد، في المرتبة الأولى في ست محافظات من أصل 18، وثانيًا في أربع أُخُر، أما تحالف "الفتح" الذي يضم فصائل الحشد الشعبي التي لعبت دورًا حاسمًا في دعم القوات الأمنية لدحر تنظيم "داعش"، فحل أولًا في أربع محافظات، وثانيًا في ثمان أخرى.
الصدر العدو الأول لبريطانيا والغرب
وربما ينسى أي جندي بريطاني خدم خلال حملة بريطانيا في العراق، اسم مقتدى الصدر، وهو رجل الدين الشيعي الذي تحول إلى أمير حرب، وكان العدو رقم 1 للقوات البريطانية، خلال الخمس سنوات التي احتلتها لمدينة البصرة، وهو وراء العدد الذي لا يحصى من كمائن العبوات الناسفة والهجمات بقذائف الهاون، وأعمال الشغب المناهضة لبريطانيا، وبعد مرور 10 سنوات، نتوقع أن الديموقراطية الجديدة في العراق تم تنفيذها وفقًا للإجراءات القانونية الواجبة والتي يجب تطبيقها على هذا الرجل الذي قتل الجنود البريطانيين، وعدد لا يحصى من العراقيين بسبب طائفيته.
ويجب أن يكون مكان الصدر خلف القضبان، ولكن بدلًا من ذلك، أصبح أقوى سياسي في العراق، وأعلن انتصاره، بعد ظهر يوم الاثنين، في الانتخابات العراقية، مما يعد صدمة.
أعاد الصدر تشكيل نفسه ليصبح معتدل سلمي غير طائفي، وأعاد تسمية وحدات جيشه من وحدات جيش المهدي إلى لواء سلام، وكان انتصار كتلته السياسية غير متوقعًا على كتلة رئيس الوزراء، حيدر العبادي، المرشح المفضل للفوز.
الديمقراطية التي جلبت ترامب جلبت الصدر
في خضم أعمال العنف التي استهدفت افتتاح السفارة الأميركية الجديدة في القدس، فإن الانقلاب الانتخابي المذهل الذي حققه الصدر لم يلاحظه العالم إلى حد كبير حتى الآن، ما يزال الصدر هو الشخصية الأكثر معارضة للغرب من بين جميع اللاعبين السياسيين العراقيين، ولا سيما فيما يتعلق بمسألة القوات الأجنبية على الأراضي العراقية، ولكن في السفارتين البريطانية والأميركية في بغداد، ينظران إليه الآن على أنه حالة ديموقراطية أخرى تحقق "النتيجة الخاطئة" مثل قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، و انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فكليهما ليسا في مكانه الصحيح.
ولحسن الحظ بالنسبة لأقسام البروتوكول في السفارات، لن يضطر سفراء بريطانيا وأميركا إلى القلق بشأن ما إذا كانوا سيتعاونان معه ويديه مليئة بالدماء، وكونه رجل دين من الناحية الفنية فوق السياسة، لم يسعى الصدر إلى أن يصبح رئيسًا للوزراء، وبالتالي ربما لن يصبح.
لن يصبح رئيسًا للوزراء
ولن يصبح الصدر رئيسًا للوزراء، وبغض النظر عن مقدار خطاب السلام والحب الذي يتحدث عنه، فلن ينجذب العديد إليه كونه جون لينون العراق، وأعلن الصدر الحرب المفتوحة على الغرب منذ عام 2004، وأرسل الآلاف الشباب من الأحياء الشيعية الفقيرة في العراق إلى المعارك التي لقوا فيها حتفهم ضد قوات التحالف، وقد ساعدته إيران في تدريب رجاله على كيفية استخدام العبوات البدائية الصنع المخترقة للدروع، مما جعل جيش المهدي خصمًا كبيرًا مثل تنظيم القاعدة التابعة للمذهب السني.
وهرب الصدر إلى إيران بعد الحرب الأهلية بين السنة والشيعة في عامي 2006 و2007، والتي نفذ فيها جيش المهدي حملات تطهير طائفية في بغداد، وبعد أربع سنوات، عاد إلى العراق، وتعهد بالتخلي عن سلاحه، ولكن جزئيًا.
بعض الطائفة السنية لا تصدقه
ويصور نفسه الآن على أنه قومي عراقي وليس تابعًا لإيران، ويؤكد مجددًا أن التدخل الأجنبي كان سببًا في سقوط العراق، وبذل الدبلوماسيون العراقيون قصارى جهدهم لإيجاد إيجابيات في عرض الصدر القوي، وذلك منذ نتائج الانتخابات، وهم يحاولون الوصول إلى السنة في العراق؛ لإقناعهم على الأقل عن التخلي عن الخطاب الطائفي الذي شوه السياسية العراقية لفترة طويلة، وقال أحد العراقيين السنة "أراد أولًا قتلنا، والآن سيحكمنا، وهذا سيفجر المشكلة مرة أخرى"، ولكن بعض السنة يصدقون الصدر، ولكن البعض الآخر يخشون من إعادة إثارته للتوترات الطائفية.
وشكل انتصار كتلة الصدر مفاجأة للعبادي الذي نجح حديثًا في طرد تنظيم "داعش" من الموصل، وأول رئيس وزراء عراقي يُحدث تأثيًرا ملموسًا، ولكن بعيدًا عن ساحة المعركة، لم يكن العبادي أكثر فاعلية من القادة العراقيين السابقين، فمحاربته للفساد لم تصل إلى أي مكان، مما يعني أن الكثير من العراقيين متوسطي الطبقة لم يصوتوا في الانتخابات.
ويمكن أن يكون أول مطالب كتلة الصدر هي رئيس وزراء جديد، إن لم يكن الإقالة الفورية للعبادي، وجميع قوات التحالف، وطالما استمر نفوذ الصدر، فمن غير المرجح أن تشبه الديمرقراطية النمط الذي ضحت بريطانيا بجنود أرواحها من أجله.
أرسل تعليقك