أفادت لجنة أطباء السودان المركزية، مساء الأربعاء، بوقوع قتيلين و8 جرحى بالرصاص خلال التظاهرة الاحتجاجية التي شهدتها مدينة "أم ردمان". وكانت اللجنة قالت إن هناك "حالات إصابة بطلق ناري مباشر في الصدر والبطن والأرجل".
وتشير التقديرات الرسمية إلى مقتل حوالي 20 شخصاً على الأقل منذ بدء الاحتجاجات، بينهم اثنان من رجال الجيش. واتهم نشطاء وجماعات حقوقية الرئيس السوداني عمر البشير وأجهزته الأمنية باستخدام القوة المفرطة ضد المحتجين.
وكانت مدينة "أم درمان" شهدت إحدى أكبر المظاهرات المطالبة بتنحي الرئيس عمر البشير، منذ اندلاع المظاهرات في السودان قبل أربعة أسابيع، وشارك فيها آلاف المواطنين، معظمهم من الشباب، فيما شهدت الخرطوم حشداً لأنصار الحزب الحاكم وحلفائه، رددوا خلاله شعارات "تقعد بس" مقابل الشعار الذي رفعه المتظاهرون وهو "تسقط بس".
اقرأ أيضاً : تظاهرة مؤيدة للرئيس عمر البشير في شرق السودان
وقال الرئيس البشير أمام حشد من أنصاره يقدر عددهم بالآلاف، إن "من يرغب في تسلم السلطة ليس أمامه سوى طريق واحد هو انتخابات 2020... وعبر صناديق الاقتراع وبقرار الشعب السوداني" وفقاً لعبارته، وإنه على استعداد للتخلي عن الحكم للفائز.
وأكد البشير في كلمته لحشد مؤيديه، أن من يريد حكم السودان "عليه الرجوع للشعب السوداني، لأن القرار قراره، من خلال انتخابات حرة نزيهة"، وتابع: "حينها سنقف ونحيّي الذي يختاره الشعب السوداني". وتعهد بتسليم السلطة للشباب الذين دعاهم لإعداد أنفسهم وتوحيد صفوفهم، وتقوية عزيمتهم، وذلك بعد يوم واحد من تلميحه بإمكانيه تسليمه السلطة للجيش في خطاب أثناء تدريب عسكري.
وجدد البشير تهديداته السابقة بحسم من أطلق عليهم العملاء والمخربين، وقال: "من يخرب ويحرق ويدمر ويكسر ممتلكات الشعب السوداني فسنحسمه"، كما جدد اتهاماته لجهات خارجية بالتآمر على السودان ومحاولة تركيعه وإقعاده، بدعم التمرد، وقصف الخرطوم وفرض الحصار الاقتصادي عليها، وشكر من سماهم أصدقاء السودان وداعميه، وخص منهم دول "الصين، وروسيا، والإمارات العربية المتحدة، والكويت... وقطر".
وقطع البشير في خطاب موجه لحركات التمرد المسلحة، بعدم وجود سبب لحمل السلاح بقوله: "لا يوجد بعد اتفاقية السلام ووثيقة الحوار الوطني، سبب لحمل السلاح والبندقية". وتابع: "بعض الذين لديهم أجندة خارجية يدارون من الخارج من أعداء السودان، ولكن ليس لديهم طريقة للنيل منه".
وقالت اللجنة التنسيقية لأحزاب الحوار الوطني الموالية للرئيس البشير التي نظمت الحشد، إن المشاركة في ميدان "الساحة الخضراء" أمس فاقت التوقعات، وتجاوزت وفقاً لتقديرات أولية مليون مواطن، وهو رقم قللت منه تقديرات صحافية كثيراً، وقصرته في حدود سبعة آلاف يقل أو يزيد قليلاً.
ونقل البيان عن الفاتح عز الدين، نائب رئيس اللجنة، أن الحشد الذي تضافرت فيه كل القوى السياسية، يؤكد عزم أهل السودان على المضي قدماً صفاً واحداً من أجل الإنتاج والبذل والعطاء، وأن مواطني الخرطوم كانوا على قدر التحدي، وتابع: هذه رسالة للسلام والوحدة والعمل ونبذاً للفتن والخراب والدمار.
وفي العاصمة القومية أم درمان، خرج آلاف المتظاهرين المطالبين برحيل الرئيس البشير وحكومته، في موكب أطلقوا عليه "موكب 9 يناير"، ويهدف لتسليم مذكرة للبرلمان تطالب بتنحي البشير وحكومته فوراً. ودعا "تجمع المهنيين السودانيين" المواطنين إلى تنظيم الموكب في ساحة الشهداء بأم درمان، امتداداً للمواكب التي نظمها من قبل، ومواصلة للاحتجاجات والمظاهرات التي نظمت في السودان منذ 19 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وأيدته في ذلك أحزاب المعارضة ونشطاء المجتمع المدني والشباب.
وفيما وفرت قوات الأمن والسلطات الحماية والماء ووسائط النقل لحشد المؤيدين، واجهت موكب المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع والعصي، فيما سمعت أصوات لإطلاق الرصاص في الهواء، بيد أنها لم تفلح في تفريق آلاف المحتجين الذين انتشروا في مساحات واسعة من أم درمان، غطت ساحة الشهداء، وأحياء (بيت المال، والهاشماب، ودنوباوي، والموردة، والعباسية، والعرضة، وبانت، والفتيحاب).
وسد الشباب المحتجون الطرقات الداخلية في الأحياء بالمتاريس والحجارة وإطارات السيارات المحروقة، كما سدوا طريق "الأربعين" أحد أشهر شوارع مدينة أم درمان، و"شارع الهجرة" أمام حركة سيارات الشرطة والأمن لساعات، ما عرقل حركة آليات الأمن والشرطة فاضطروا للتوقف لإزالة الحواجز لفتح الطريق أمام آلياتهم، في الوقت الذي يواصل فيه المتظاهرون هتافات من قبيل "ما بنخاف ما بنخاف أي كوز ندوسو دوس، والشعب يريد إسقاط النظام، ثوار أحرار هنكمل المشوار، وسلمية سلمية ضد الحرامية، حرية سلام وعدالة الثورة خيار الشعب".
وبحسب شهود عيان، فإن المتظاهرين استخدموا تكتيك المظاهرات التي تنفض حال مهاجمتها من رجال الأمن، ثم تتجمع وتشتعل مرة أخرى من مكان آخر، وذكر الشاهد أن كل مظاهرة كانت في حدود الألف متظاهر على الأقل، في كل من هذه الأحياء والطرقات.
وبحسب شهود، تحولت المساحات أمام البرلمان والطرق المؤدية إليه إلى "ترسانة عسكرية متكاملة"، تقف فيها مئات العربات المسلحة والمدرعة، ومضادات الطيران، إضافة إلى شاحنات صغيرة من دون لوحات وعليها ملثمون، إضافة إلى شاحنات عليها جنود بزي قوات الدعم السريع المثيرة للجدل.
وقال المتحدث باسم "تجمع المهنيين السودانيين" محمد الأسباط لـ"الشرق الأوسط" إن حشد الساحة الخضراء، لن يؤثر سلباً على حراك الشارع المناهض للنظام، بل يؤكد انتصار حركة المواطنين، لأنه جاء ردة فعل للمظاهرات والاحتجاجات المستمرة للأسبوع الرابع على التوالي.
وأشار الأسباط إلى ما أطلق عليه المفارقة المتمثلة في أن المتظاهرين من جماهير الشعب جاؤوا على نفقتهم الخاصة وإرادتهم الحرة، وباستعداد لتلقي الرصاص والغاز المسيل للدموع، والاعتقال وحتى فقدان الحياة، في الوقت الذي جاء الحشد الحكومي ردة فعل على هذه البسالة والجسارة، ومدفوعاً من أموال الشعب وخزانة الحكومة الفارغة، وتحت ترسانة من الترغيب والترهيب وحشد أطفال المدارس وخلاوى تعليم القرآن الكريم بالقوة.
ويعاني السودان من أزمة اقتصادية طاحنة، ومعدل تضخم في حدود 70 في المائة، وشح كبير في رصيد العملات الأجنبية، أدى إلى تراجع سعر صرف الجنيه السوداني بمعدلات غير مسبوقة، وشح كبير في الوقود والمحروقات، وعجز المصارف والبنوك عن توفير النقد لعملائها.
واعترفت الحكومة بالأزمة وقدمت وعوداً بحلها، لكنها واجهت المتظاهرين والمحتجين بترسانتها الأمنية واتهمهم بتبني "أجندة عميلة"، وشنت حملة اعتقالات واسعة بين النشطاء وقادة المعارضة شملت أكثر من ثمانمائة شخص، بحسب حصيلة رسمية، فيما قدرتهم المعارضة بالآلاف.
قد يهمك أيضاً :
البشير يزور مهد الاحتجاجات "عطبرة" الثلاثاء لحضور مهرجان الرماية القومي
البشير يجري تعديلًا حكوميًا محدودًا ونائبه يتهم الأحزاب بإشعال نار الفتنة
أرسل تعليقك