أيدت عدة أطراف ليبية الدعوات المطالبة بتحقيق دولي في العثور على 8 مقابر جماعية بمدينة ترهونة، وبعض المناطق المحيطة بها، في تطور يستهدف التحقيق أيضاً في جرائم مماثلة، وقعت خلال الأعوام التي تلت إسقاط نظام الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011.وعثر على المقابر الثماني تباعاً في ترهونة (90 كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة طرابلس)، ومناطق مجاورة لها عقب انسحاب قوات «الجيش الوطني» من المدينة، وسط اتهامات لميليشيا «الكانيات»، التي كانت تسيطر على ترهونة، بخطفهم على خلفيات سياسية و«تعذيبهم قبل التخلص منهم».ودخلت أطراف دولية عديدة على خط القضية، التي أثارت حالة من الحزن والغضب لدى أطراف عديدة بالبلاد؛ مطالبة بسرعة التحقيق في القضية، بينهم سفراء أميركا وألمانيا وهولندا لدى ليبيا.
ولم يصدر أي تعليق، حتى الآن، من «الجيش الوطني» حول هذه المقابر الثماني، لكن مصادر عسكرية نفت لـ«الشرق الأوسط» أن تكون قوات الجيش أقدمت على مثل هذه الأفعال، التي وصفتها بـ«الإجرامية».ونقل الطاهر السني، مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة، والمُعبر عن حكومة «الوفاق»، القضية إلى مستويات دولية، وتساءل أمس قائلا: «هل تحتاج محكمة الجنايات الدولية أدلة أخرى»؟، وجزم بأن جميع من عثر عليهم في هذه المقابر قضوا خلال فترة سيطرة «الجيش الوطني» على ترهونة.
وأمام «بشاعة المناظر الدموية»، بعد العثور على جثث محترقة، بينهم أطفال، رأى سياسيون وحقوقيون وإعلاميون ليبيون ضرورة التحقيق في هذه القضية «كي لا تضاف لما سبق من جرائم ومقابر جماعية عرفتها السنوات التسع الماضية وطواها النسيان». وفي هذا السياق، قال الصحافي الليبي بشير زعبية، رئيس تحرير صحيفة «الوسط»، إن «ملف المقابر الجماعية، ليس شأناً داخلياً صرفاً... إنه شأن إنساني يجب أن يخضع لتحقيق دولي، وهذا لا يلغي دور القضاء المحلي ولا يناقضه». في حين ذهب الحقوقي الليبي عبد المنعم الحر إلى أنه «في النزاعات المسلحة، كـل الأطراف تغض النظر عن مبادئ وأغراض القانون الدولي الإنساني أحياناً، لكن الجريمة تظل جريمة»، مضيفاً: «نأمل في الإسراع بفتح تحقيق دولي شفاف، واعتقال مرتكبي جرائم الحرب بأنواعها».
وكان سفير هولندا لدى ليبيا، لارس تومرز، قد وصف العثور على المقابر الجماعية في ترهونة، بـ«المشهد المروع وغير المقبول»، مؤكداً دعم بلاده لدعوة البعثة الأممية لإجراء «تحقيق محايد» بشأنها. ومن جهته، قال أحمد عبد الحكيم حمزة، مقرر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، أمس، إن «كمية الجرائم التي ارتكبت في ليبيا منذ عام 2011 وحتى الآن، والتبريرات التي ترافق هذه الجرائم تنبئ بمستقبل مخيف ينتظرنا جميعاً».
وقبل عامين ونصف تقريباً عثر على 36 جثة على طريق الكسارات بين مدينتي الأبيار وبنغازي (شرق البلاد)، كما سبق أن عُثر في يوليو (تموز) من عام 2016 على 14 جثة لأشخاص مقيدي الأيدي في مكبّ للقمامة، بمحيط مقر صندوق الضمان الاجتماعي ببنغازي، كما عثرت دوريات السجون العسكرية في المدينة الشهر الماضي على 10 جثث مجهولة الهوية، عليها آثار تعذيب ورصاص في منطقة أخرى من المدينة.
في سياق ذلك، عبر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن «صدمة شديدة» حيال اكتشاف العديد من المقابر الجماعية في ليبيا، معظمها في ترهونة، ودعا إلى إجراء «تحقيق شامل وشفاف» وبتقديم الجناة إلى العدالة.وأفاد الناطق باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، في بيان أصدره في ساعة متقدمة من ليلة الجمعة، أن الأمين العام «مصدوم بشدة من اكتشاف مقابر جماعية متعددة، معظمها في ترهونة»، داعياً إلى «إجراء تحقيق شامل وشفاف وتقديم الجناة إلى العدالة».
وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا «أنسميل» قد أفادت الخميس الماضي أنها «تتابع بقلق بالغ» التقارير «المروعة للغاية» عن اكتشاف ما لا يقل عن ثماني مقابر جماعية خلال الأيام الماضية، معظمها في ترهونة. وأوضحت أنه «وفقاً للقانون الدولي يتعيّن على السلطات إجراء تحقيق سريع وشفاف وفعّال حول ارتكاب حالات قتل خارج نطاق القانون».
وفي بيانه، طلب الأمين العام على وجه الخصوص من السلطات «حماية المقابر الجماعية من العبث، والتعرف على الضحايا، وتحديد أسباب الوفاة وإعادة الجثامين إلى ذويها». معلنا أن الأمم المتحدة عرضت الدعم في هذا الصدد، وذكّر كل أطراف النزاع في ليبيا «بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان الدولي». كما كرر دعوته من أجل «وضع حد فوري للقتال في ليبيا بغية إنقاذ الأرواح، وإنهاء معاناة المدنيين». مرحبا باستئناف عمل اللجنة العسكرية الليبية المشتركة، ومعربا عن أمله في «الاتفاق قريباً على وقف إطلاق النار».
بدوره، أعلن مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى منظمة العفو الدولية، فيليب ناصيف، أن العمل جار من أجل التحقق من عمليات القتل الجماعي. وقال: «نريد أن نكون قادرين على الدخول، أو أن تتدخل الأمم المتحدة، وأن نجمع أدلة على جرائم حرب محتملة وأعمال وحشية أخرى (...) لذا تجري في نهاية المطاف عملية يمكن فيها تحقيق العدالة».وأقامت السلطات المحلية في ليبيا مخيمات مؤقتة، تأوي حاليا 3180 من النازحين في إجدابيا وطبرق وبني وليد وبنغازي وغيرها من المناطق. وتحدث عن تقارير عن أعمال نهب وغيرها من الانتهاكات الجسيمة في ترهونة وسرت، ومنها أنباء عن تعرّض مستشفى ترهونة العام للنهب وفرار معظم الطواقم الطبية.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
غوتيريش يعلن أن الصواريخ التي هوجمت بها السعودية في 2019 "إيرانية"
الأمين العام للأمم المتحدة يشدد على توحيد الجهود لمكافحة التطرف في مالي
أرسل تعليقك