حاول المرشد الإيراني علي خامنئي، تبرئة ذمته من انتقادات طالت أجهزة خاضعة لصلاحيات، مبديًا تحفظه على ظهور أجهزة موازية للحكومة الإيرانية "المسؤولة عن تنفيذ الدستور"، وحذّر من تأثير "تبادل الانتقادات" على "إحباط" الرأي العام في ظل الظروف الراهنة "الخطيرة"، وذلك بعدما شهدت إيران على مدى الشهر الماضي تراشقًا بين الحكومة وخصومها بشأن تدهور الأوضاع الاقتصادية. والتقى خامنئي في إجراء تقليدي أعضاء مجلس "خبراء القيادة" بعد ختام أعمال اجتماعه النصف السنوي.
خامنئي يقف بجانب الحكومة برئاسة حسن روحاني
ووقف خامنئي إلى جانب الحكومة برئاسة حسن روحاني، في وقت تواجه انتقادات داخلية متزايدة بسبب تدهور الوضع الاقتصادي، إلا أن دفاعه عن الحكومة تضمن أيضاً رداً على انتقادات لشخصيات سياسية وجهت انتقادات لاذعة في الأيام الماضية بشأن دور أجهزة موازية للحكومة وتخضع لسلطة المرشد الإيراني.
وقال خامنئي، إن "القيام بأعمال موازية لا يخدم الحكومة"، مضيفًا أن تبادل الانتقادات "يجب ألا يكون بطريقة يسبب إحباط الرأي العام". وأضاف "النزاع ليس طريق الإصلاح، مثلما أن تشكيل مجموعة العمل والأعمال الموازية للحكومة لن يخدم المصلحة". وتابع أن "التجربة أثبتت أن العمل (الموازي) يجب أن يكون وفق الأطر القانونية".
رسالة الزعيم الإصلاحي الخاضع للإقامة الجبرية مهدي كروبي
وفي الأيام القليلة الماضية، وردت أبرز الانتقادات في رسالة الزعيم الإصلاحي الخاضع للإقامة الجبرية مهدي كروبي منذ ثمانية أعوام، الذي دعا بداية الأسبوع في رسالة إلى مجلس "خبراء القيادة"، إلى مساءلة خامنئي بسبب سياساته على مدى ثلاثين عاماً، ودور الأجهزة الموازية في تدهور الوضع الداخلي. قبل ذلك بثمانية أشهر وجه كروبي رسالة مباشرة إلى خامنئي طالبه بتحمل مسؤولية سياساته باعتباره المسؤول الأول في النظام.
وشهدت إيران على مدى ثلاثين عامًا تنامي أجهزة موازية للحكومة، وأبرزها "الحرس الثوري". على الصعيد العسكري، يصنف "الحرس" جهازًا موازيًا للجيش. صعدت القوة الجوية لـ"الحرس الثوري" في العقد الأخير، وتطورت بشكل لافت قدراته المتمثلة بالصواريخ الباليستية، لكنه في الوقت نفسه يتطلع لتطوير أجهزة الرادار وطائرات الدرون والحصول على مقاتلات روسية الصنع. على الصعيد الاستخباراتي، تعد استخبارات الحرس جهازًا موازيًا لوزارة الاستخبارات وتفوق صلاحياته فيما يتعلق بالقضايا الأمنية والأنشطة الخارجية المتمثلة بـ"فيلق القدس".
ويملك الحرس أجهزة اقتصادية وعمرانية تنافس الدوائر الاقتصادية والأجهزة العمرانية التابعة للحكومة الإيرانية، وأبرز تلك الأجهزة مؤسسة "خاتم الأنبياء" التي تعمل في مجال النفط والطرق والسدود. ولكن الانتقادات لـ"الحرس" في خلق الأجهزة الموازية لا تقتصر على الاقتصاد والأنشطة الاستخباراتية، بل نشاط الحرس وأمواله في الانتخابات البرلمانية أثارت جدلاً واسعاً في البلاد. في الدورات البرلمانية، دخل عدد من أعضاء الحرس إلى البرلمان الإيراني قبل العودة إلى البزة العسكرية. في حملة الانتخابات الرئاسية 2017، انتقد حسن روحاني توظيف أموال الحرس وإمكاناته ومقراته في حملات المرشحين المحافظين.
روحاني يوجّه انتقادات إلى جهاز يملك المال والبندقية ووسائل الإعلام
وقبل وبعد فوزه بولاية ثانية، وجه روحاني انتقادات إلى جهاز يملك المال والبندقية ووسائل الإعلام، وأطلق عليه "الحكومة التي تملك البندقية". وتطال اتهامات لـ"الحرس" بأنه يفرض مطالبه على الجهاز الدبلوماسي، ويتدخل في تعيين كوادر السفارات وتسمية السفراء. فضلاً عن ذلك، يملك "الحرس" أجهزة وكالات أنباء ومؤسسات إعلامية تملك حصة الأسد في إنتاج المحتوى الإعلامي والدعائي الموجه للخارج والداخل، وبخاصة فيما يخص شبكات التواصل الاجتماعي. وإلى جانب "الحرس الثوري الإيراني"، فإن أجهزة متعددة مثل القضاء ومكتب المرشد الإيراني ومؤسسات دينية وخيرية خاضعة لسلطته تقوم بأدوار تنافس أجهزة الحكومة وترعى مؤسسات إعلامية واقتصادية وثقافية.
في السابع من يونيو/حزيران 2017، وفي أولى خطاباته بعد فوز روحاني بفترة رئاسية ثانية، استخدام خامنئي مصطلح "حرية إطلاق النار" دعا الأجهزة الثورية إلى أخذ زمام المبادرة في تعويض قصور الأجهزة الحكومية على الصعيد الثقافي. موقف خامنئي حين ذلك فسّر على أنه دعم للأجهزة الموازية في المجال الثقافي.
وتزامنت الانتقادات إلى دور خامنئي مع انتقادات تطال الرئيس الإيراني وفريق حكومته. وكان البرلمان استجوب روحاني قبل أسبوعين حول تدهور الوضع الاقتصادي. ونفى روحاني أن تكون أوضاع البلاد "متأزمة"، غير أدائه، أثار انتقادات من حلفائه الإصلاحيين بسبب التراجع عن وعود سابقة بـ"مصارحة الإيرانيين حول الأوضاع الداخلية". وكان روحاني قال لدى مثوله أمام البرلمانيين، إنه وعد خامنئي بأخذ توصيات بعين الاعتبار. نقلت وكالة "إيلنا" عن مصدر مطلع، أن خامنئي وروحاني تبادلا رسائل عشية الاستجواب.
ومع ذلك، لم يحضر روحاني اجتماع مجلس خبراء القيادة، الذي تناول تدهور الوضع الاقتصادي وما تشهده البلاد من توتر داخلي، في حين شهد المجلس حضور رئيسي القضاء والبرلمان، الشقيقين علي وصادق لاريجاني.
خامنئي يصف الأوضاع الإيرانية بـ "الخطيرة"
ووصف خامنئي، الأوضاع الإيرانية بـ"الخطيرة"، وحذر المسؤولين من "الحرب الدعائية والإعلامية" قال إنها تشن على بلاده بموازاة "الحرب الاقتصادية". وطالب المسؤولين بتجنب "أجواء اليأس والإحباط" و"مشاعر توحي بمأزق" عبر تبادل الانتقادات. ولفت خامنئي إلى أن "حساسية الأوضاع" ليست نتيجة "تعدد الأعداء"، وفي إشارة ضمنية إلى دور إيران الإقليمية، أوضح أن السبب "دخول النظام في طريق جديدة، وإثارة أفكار تختلف عن أربعين عاماً مضت على خلاف نظام الهيمنة"، ودعا المسؤولين إلى التصرف "وفق المقتضيات المختلفة".
وعلق خامنئي على تراجع قيمة العملة الإيرانية، وقال إن "قضايا العملة وسبائك الذهب وتراجع قيمة العملة الوطنية تأثرت بالحرب الإعلامية والأجواء الدعائية"، واتهم أطرافاً بـ"تضخيم المشكلات والانتقادات"، مشيرًا إلى أن "التضخيم أدى إلى توتر الرأي العام وانتشار فيروس سوء النية". وبتصرف غير مسبوق، رد خامنئي ضمنًا على النقاش المطروح بشأن "مسؤولياته" على مدى ثلاثين عامًا من توليه منصب "ولي الفقيه"، وأشار إلى علاقاته مع رؤساء الجمهورية، وقال إن "انتقاداته واحتجاجاته" للحكومات شملت مختلف المجالات، مضيفاً أنها "كانت حادة في بعض الحالات".
وجدد خامنئي تحذيرات وردت على لسان مسؤولين في الآونة الأخيرة حول تراجع ثقة الرأي العام بكبار المسؤولين في النظام، واختصر المشكلة بقوله "ينبغي ألا تكون الأجواء في البلاد بطريقة، لا تصدق الخطوات والدعاية الإيجابية، في حين يتم تصديق الكلام الكاذب للأعداء، هذا الوضع خطير جداً".
البلاد تتحرك باتجاه مفاهيم ومبادئ وحقائق الثورة
وعلى الرغم من تحذير المسؤولين، قال خامنئي إن "البلاد تتحرك باتجاه مفاهيم ومبادئ وحقائق الثورة وفقاً للمعلومات الدقيقة". ووجّه خامنئي رسالة إلى مواطنيه بأن يعلم ما يجري من تطورات وأحداث في البلاد، لافتاً إلى أنه يجري جلسات خاصة مع مختلف المسؤولين "عشرات أضعاف ما يعلن عنها في وسائل الإعلام"، ويتناول "قضايا مختلفة في اجتماعات لا يعلم بها الجميع".
وأتي خطاب خامنئي بعد يومين على جلسة ساخنة في البرلمان. كثير من المراقبين أجمعوا على أن خطابات اثنين من البرلمانيين كانت بمثابة نقلة نوعية في انتقادات كبار المسؤولين. النائب بروانة سلحشوري طالبت المرشد بالتدخل لوقف الأجهزة الموازية وإقامة استفتاء عام حول السياسة الخارجية قبل أن "تستغيث بالله" من الوضع الحالي. كما طالبت القوات العسكرية بترك الساحة الاقتصادية والعودة إلى القواعد العسكرية.
لكن النائب غلام رضا حيدري ذهب أبعد من ذلك، بدأ بانتقاد احتلال السفارة الأميركية وتأثيرها على تراجع العلاقات الخارجية مع إيران، وقال إن إيران "رفضت وقف الحرب إلى أن قال الخميني لقد تجرعت كأس السم"، وانتقد أنشطة برنامج إيران النووية "على حساب إعادة الإعمار" والتنازل عن البرنامج النووي بـ"المرونة البطولية" و"إطلاق الصواريخ قبل جفاف حبر الاتفاق النووي؛ مما أدى إلى عودة العقوبات".
أرسل تعليقك