طرابلس - العرب اليوم
تكثف البعثات الدبلوماسية الأوروبية في ليبيا من تحركاتها لإنقاذ الاستحقاق الرئاسي المرتقب، لكن جملة من التحديات والعراقيل باتت تحول دون إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها بعد ثمانية أيام من الآن.وتتمحور هذه التحديات حول دستورية القانون الذي يُفترض أن يجرى الاستحقاق الرئاسي على أساسه في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) الحالي، إضافة إلى المعضلة الأمنية، في ظل تسجيل خروقات مبكرة طالت بطاقات الناخبين وخطف أحد موظفي مكاتب المفوضية العليا للانتخابات في غرب ليبيا.
ويُرجع كثير من السياسيين في ليبيا تأزم المشكلة إلى الخلاف حول دور مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة. لكن الأخير يرمي بكرة اللهب في ملعب البرلمان، ويرى أن «السبب في الانسداد السياسي يكمن في القوانين المعيبة التي أصدرتها رئاسة مجلس النواب، ومفوضية الانتخابات التي حاولت تطبيقها، والمجلس الأعلى للقضاء الذي أصدر لوائح مخالفة للتشريعات المنظمة لعمل المجلس».
وسعى خالد المشري، رئيس مجلس الدولة، إلى تبرئة ساحته، وقال خلال استقباله ستيفاني ويليامز، المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة بشأن ليبيا، في العاصمة طرابلس مساء أول من أمس: «سبق أن تنبأنا بحالة الانسداد التي وصلت إليها العملية الانتخابية»، و«المَخرج من كل هذا هو إيجاد قاعدة دستورية، والتوافق على قوانين انتخابية».
ودُعي الليبيون إلى اختيار رئيسهم قبل نهاية هذا العام، في محطة تعتبر تتمة لعملية سياسية رعتها الأمم المتحدة، وتهدف إلى وضع حد لعقد من الفوضى في البلاد أعقبت سقوط الرئيس الراحل معمر القذافي عام 2011.
وتتمسك كل جبهة بما تراه حقاً لها، ما يزيد الانقسامات السياسية والشكوك بين الأفرقاء في البلاد حول التمكن من إجراء الانتخابات في موعدها.ويتذرع المعارضون لإجراء الانتخابات بأن مجلس النواب الذي يتخذ من طبرق في الشرق مقراً، أقر قانوناً انتخابياً مثيراً للجدل في سبتمبر (أيلول) الماضي، من دون طرحه للتصويت في جلسة عامة، وذهبوا إلى أن القانون أعد بشكل يناسب المشير خليفة حفتر، المرشح للرئاسة، والمتنحي مؤقتاً من قيادة «الجيش الوطني».
وينص القانون على وجوب أن يستقيل المسؤولون من مهامهم في حال أرادوا الترشح إلى الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي فعله حفتر، وعقيلة صالح رئيس مجلس النواب، وتغاضى عنه عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة، الذي تسبب ترشحه إلى المنصب ذاته بحالة من الجدل والرفض من قبل معسكر شرق ليبيا. واتسعت رقعة المطالبين بتأجيل الانتخابات، وانضم إليها نواب برلمانيون من شرق ليبيا، لأسباب عدة، من بينها تجاوز البعض لـ«المسار الديمقراطي».وأعلنت السلطات منتصف الأسبوع إرجاء الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين إلى الرئاسة، ما يزيد الشكوك حول إجرائها بالفعل، بينما يرى متابعون للعملية الانتخابية أنه «سيكون من الصعوبة على السلطات الليبية توفير الحماية الكافية لمراكز الاقتراع».
وسبق للحكومة الإعلان عن تورط مسلحين مجهولين في الاعتداء على المحكمة الابتدائية في سبها (جنوب ليبيا)، ما حال دون انعقادها للنظر في طعن قدّمه سيف الإسلام القذافي بقرار منعه من الترشّح للانتخابات الرئاسية. وفي النهاية، أُقرّ ترشيح القذافي. وأثار الحادث «قلق» الأمم المتحدة. كما أعلنت المفوضية العليا للانتخابات عن تعرض خمسة مراكز تابعة لها في غرب ليبيا لسطو مسلح وسرقة أكثر من 2300 بطاقة انتخابية.
وإلى جانب الانفلات الأمني، تشكل ردة الفعل على الانتخابات، في حال حصولها، أبرز مصدر قلق، وسط عداء جهوي للمرشحين الذين ينظر إليهم على أنهم فاعلون رئيسيون في المشهد. ففي غرب البلاد، هناك عداء واضح لحفتر، خصوصاً بعد الحرب التي أمر بشنها على العاصمة طرابلس في مطلع أبريل (نسيان) 2019. والأمر ذاته بالنسبة لسيف الإسلام القذافي، الملاحق بمذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بتهمة «ارتكاب جرائم ضد الإنسانية»، ويلقى ترشحه معارضة شديدة لدى «ثوار 17 فبراير» الذين أسقطوا نظام والده.
وهناك معارضون لرئيس الحكومة الانتقالية عبد الحميد الدبيبة، الذي كان تعهد بعدم الترشح، ثم تراجع عن تعهده وقدم ترشيحه، ما تسبب في حالة من الرفض لدى قطاعات عريضة في شرق ليبيا.
ويرى نائب الأمين العام السابق للأمم المتحدة جمال بينومار، الذي يرأس حالياً «المركز الدولي لمبادرات الحوار» أنه سواء تمّ إرجاء الانتخابات أم لا، فإن ظروف إجراء «انتخابات حرة وعادلة غير متوافرة». وقال، بحسب وكالة «الأنباء الفرنسية»، إن «الليبيين منقسمون بشكل أعمق يحول دون قبولهم أو توافقهم على نتائج الانتخابات».
ويرى كثيرون أن عملية تفكيك الميليشيات المسلحة شرط أساسي لإحلال السلم في البلاد، إلى جانب خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب الذين دخلوا ليبيا ليقاتلوا إلى جانب طرفي الصراع.ويواصل دبلوماسيون أوروبيون الضغط على السلطات الليبية لإجراء الانتخابات في موعدها، تفادياً لأي مخاطر قد تترتب على تأجيل الاستحقاق الذي ينتظره الشعب الليبي.
قد يهمك ايضا
قبول طعنين ضد ترشح عبد الحميد الدبيبة لإنتخابات الرئاسة الليبية
عبد الحميد الدبيبة يقدم أوراق ترشحه لرئاسة ليبيا
أرسل تعليقك