تونس ـ العرب اليوم
كشف عماد الخميري، رئيس الكتلة البرلمانية لحركة «النهضة» التونسية، عن عدم بلورة الحزب لموقف حاسم من مبادرة الاتحاد العام للشغل (نقابة العمال) التي دعت إلى حوار سياسي واجتماعي تشرف عليه هيئة حكماء، ويفضي إلى قرارات تغير المشهد السياسي في البلاد.وقال الخميري، في تصريح إعلامي، إن الحركة لم تحدد خيارها النهائي بخصوص هذه المبادرة، وتساءل في المقابل عن «هيئة الحكماء» التي اقترحتها النقابة للإشراف على الحوار الوطني؛ مضيفاً أن سبل تحديد تركيبتها في ظل الظروف الراهنة تبدو صعبة للغاية، فهي مطالبة بالاستقلالية وبالوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف السياسية.
وبشأن الأطراف السياسية والاجتماعية التي ستشارك في هذا الحوار، اعتبر الخميري أن جدية المشاورات تكمن أساساً في مشاركة كل الحساسيات والتيارات دون استثناء أو إقصاء، وأن تشمل كل من له تمثيل في البرلمان التونسي. وأشار إلى أن راشد الغنوشي، رئيس حركة «النهضة»، سبق أن دعا إلى حوار اجتماعي واقتصادي، قبل أن تصدر هذه المبادرات عن أطراف سياسية واجتماعية أخرى، معتبراً أن حزبه يدعم فكرة التوقف للتقييم والمعالجة الهيكلية للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، شرط أن تكون «معالجة صحيحة»، على حد قوله.
وكان «الاتحاد العام التونسي للشغل» (نقابة العمال) قد تقدم بمبادرة سياسية واجتماعية واقتصادية إلى رئاسة الجمهورية، نصت على تشكيل «هيئة حكماء ووسطاء» تضم «مجموعة من الشخصيات الوطنية المستقلة من الاختصاصات كافة»، مقترحاً أن تعمل هذه الهيئة تحت إشرافه، وتلتزم بعدم تحمل مسؤوليات داخل الدولة، وعدم الترشح للانتخابات المقبلة. ودعا إلى «تقييم شامل للنظام السياسي؛ سواء عن طريق التعديل أو التنقيح أو التغيير، وتقييم القانون الانتخابي وتعديله، وتحييد المرفق القضائي وإصلاحه، وتقييم أداء الهيئات الدستورية».
وفي السياق ذاته، أكد أسامة الخليفي، القيادي في حزب «قلب تونس»، أن إقصاء ثاني أكبر حزب في تونس من الحوار السياسي الذي سيرعاه الرئيس قيس سعيد، يعد خطوة غير مفهومة. وقال إن رفض بعض الجهات مشاركة أحزاب منتخبة من الشعب ولها الشرعية الكاملة، أمر «يثير الاستغراب»، على حد تعبيره. ورجح أن يجمع الرئيس التونسي كل الأطراف دون إقصاء؛ معتبراً أن الحوار الذي يعتمد على الإقصاء لن يفضي إلى نتائج عملية.
وكانت أحزاب ممثلة في البرلمان قد أبدت تحفظات على مبادرة اتحاد الشغل؛ خصوصاً لاشتراطها «عدم تحمل مسؤوليات داخل الدولة، وعدم الترشح للانتخابات المقبلة»، معتبرة ذلك تلميحاً إلى تبكير الانتخابات عن موعدها المقرر في 2024. وقاد اتحاد الشغل نهاية 2013 إلى جانب نقابة المحامين و«الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان» ومجمع رجال الأعمال، جلسات الحوار الوطني الرباعي التي أدت في نهاية المطاف إلى خروج حركة «النهضة» من السلطة، وتشكيل حكومة تكنوقراط ترأسها مهدي جمعة، مهمتها الأساسية تهيئة البلاد لانتخابات 2014. وتخشى قيادات «النهضة» المتزعمة المشهد السياسي حالياً من تكرار هذا السيناريو.
في غضون ذلك، حذر اتحاد الشغل من «التيارات الشعبوية المتطرفة التي تدفع نحو الاقتتال الأهلي»، بحسب ما جاء في بيان صادر عنه أمس، بمناسبة إحياء الذكرى الـ68 لاغتيال الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد. واتهم الاتحاد من وصفها بـ«التيارات المتطرفة» بالوقوف في وجه «مصالح عموم الشعب، واصطفافها مع قوى الاستغلال وعصابات الفساد ولوبيات المال الفاسد». وأضاف أن هذه التيارات الشعبوية المتطرفة متهمة بالتخطيط لـ«الهيمنة على مفاصل الدولة، والسيطرة على أجهزتها، وتغيير نمط المجتمع في اتجاه الانتكاس إلى الوراء والارتداد إلى رؤى وأنماط (...) بائدة، أو إلى أنظمة حكم استبدادية ثار عليها الشعب التونسي».
وفي هذا الشأن، أكد جمال العرفاوي، المحلل السياسي التونسي لـ«الشرق الأوسط»: «استحالة إجراء حوار سياسي واجتماعي في ظل المناخ الحالي المتأزم»، وأشار إلى عدد من المفارقات المرافقة لهذه المبادرة، من ذلك أن اتحاد الشغل يرفض الجلوس مع ممثلي «ائتلاف الكرامة» الذي يتزعمه سيف الدين مخلوف المقرب من حركة «النهضة»، كما أن «الحزب الدستوري الحر» المعارض (ليبرالي) يرفض المشاركة في حوار تكون فيه أطراف ممثلة لما سماه «الإسلام السياسي»؛ خصوصاً «النهضة». أما رئاسة الجمهورية فهي ترفض الجلوس مع ممثلي حزب «قلب تونس» الذي اتهم رئيسه نبيل القروي بالتهرب الضريبي وتبييض الأموال، في حين أن قيادات «النهضة» نادت بحوار وطني تحت إدارة رئيس الحكومة هشام المشيشي، باعتباره يمثل أحد رأسي السلطة التنفيذية التي تنفذ البرامج وتقع عليها مراقبة أدائها من قبل البرلمان. ويضيف العرفاوي أن هذه الوضعية الاستثنائية التي تعتمد الإقصاء متعدد الأقطاب، غير مهيئة لإجراء حوار سياسي ناجح، على حد تعبيره.
قد يهمك أيضا:
"النهضة" التونسية تكشف رغبة الغنوشي في الترشح لرئاسة تونس
راشد الغنوشي يتمسك بالرئاسة مدى الحياة بدعم من تركيا
أرسل تعليقك