بدأت في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا أمس الاثنين، أعمال القمة الأفريقية الـ29 ، بمشاركة رؤساء 24 دولة، وملك واحد، وتسعة رؤساء حكومات، وغياب كل من الرئيس السوداني عمر البشير، ورئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، والكيني أوهورو كنياتا، ورئيس جنوب أفريقيا جاكوب زوما، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وينتظر أن تنهي القمة أعمالها اليوم الثلاثاء.
ودعا رئيس الاتحاد الأفريقي الرئيس الغيني ألفا كوندي في كلمته لافتتاح القمة إلى أهمية إيجاد حل سلمي للأزمة الخليجية، وإلى توحيد الصوت والموقف الأفريقي من تلك الأزمة. وقال كوندي إن دول القارة بحاجة لإيجاد آلية لحل النزاعات والصراعات الداخلية، عبر الحوار والوسائل السلمية، وإسكات أصوات البنادق، مؤكداً على أهمية تفعيل وإصلاح هيكلة الاتحاد لتعزيز مصداقيته، وكسب احترام الشركاء، مشددا على عزم أفريقيا على تولي زمام أمورها، وحل مشاكلها، وإنهاء بؤر التوتر فيها.
من جهته، أشاد رئيس مفوّضية الاتحاد الأفريقي الشادي موسى فكي، بتراجع التوتّر في الصحراء، وأعرب عن أمله في أن تسهم عودة المغرب إلى الاتحاد للوصول لحل سلمي توافقي لقضية الصحراء، وقال بهذا الخصوص: نأمل أن يسهم وجود الطرف الآخر في عضوية الاتحاد الأفريقي في إيجاد حل توافقي، وذلك على إثر عودة المغرب للمنظمة الإقليمية بعد انسحابها منها احتجاجاً على قبول تمثيل الجمهورية الصحراوية في الاتحاد الأفريقي.
ومن المنتظر أن تشهد قمة أديس أبابا انتخابات ملء منصبي مفوض الشؤون الاقتصادية والموارد البشرية، واعتماد ميزانية الاتحاد للعام 2018، فضلاً عن مناقشة جدول أعمالها تحت شعار "تسخير العائد الديموغرافي لأفريقيا من خلال الاستثمار في الشباب"، ويتضمن قضايا السلم والأمن والاستقرار، بما فيه الوضع في جنوب السودان والصومال ومالي وليبيا وأفريقيا الوسطى وبوروندي، إضافة إلى محاربة الإرهاب والتطرف والهجرة غير الشرعية.
كما تبحث القمة آليات إصلاح عمل مفوضية الاتحاد الأفريقي، وجعلها أكثر فعالية، فضلاً عن بحث قضية الانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية، والاستماع لتقرير اللجنة الخاصة بقرار الانسحاب منها، والمكونة من قبل الاتحاد. كما تتضمن أجندة القمة بحث مذكرة تفاهم بشأن إعلان عام 2018 عام أفريقيا لمكافحة الفساد، إضافة إلى قضايا التنمية التجارية والتكامل الاقتصادي والاندماج، والمنطقة التجارية القارية الحرة، والهجرة وتنقل الأشخاص، وإزالة القيود والجوار الأفريقي والقضايا الاجتماعية وتمكين المرأة والاتجار بالبشر.
من جانبه، أعلن العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب وجهه إلى القمة لقادة دول وحكومات الاتحاد الأفريقي، ألقاه الأمير مولاي رشيد الذي يمثله فيها، أن المغرب يريد أن يساهم في إقلاع أفريقيا جديدة وقوية وجريئة، تدافع عن مصالحها، وأفريقيا مؤثرة على الساحة الأممية. وقال الملك محمد السادس إنه من أجل تحديد معالم أفريقيا الجديدة هذه، يتعين علينا التحرر من كل الأوهام. فأفريقيا الجديدة التي نتطلع بشغف إلى تحقيقها، لا بد أن تنطلق من نظرة ملموسة وواقعية، بإمكانها أن تفرز قارة أفريقية مبادرة ومتضامنة... أفريقيا اليوم توجد في مفترق الطرق، ويجب علينا أن نختار أنجع السبل الكفيلة بالدفع بها إلى الأمام.
وأشار الملك محمد السادس إلى أنه في هذه الآونة تتزايد الرهانات التي تواجهها قارتنا، كتعدد الفاعلين غير الحكوميين، مما يتسبب في خلق عدم وضوح الرؤية، وتهديدات الإرهاب العابر للحدود، والتطرف العنيف، إضافة إلى الآثار الناجمة عن الاحتباس الحراري. وشدد الملك محمد السادس على القول إن المغرب يؤمن بقدرة أفريقيا على تجديد نفسها، والرفع من وتيرة تقدمها، مبرزا أنه أمام محدودية التعاون التقليدي بين الشمال والجنوب على مواجهة تحدي الإقلاع، أصبح من الضروري على أفريقيا أن تتجه نحو التعاون الأفريقي البيني، وكذا إقامة مختلف أشكال الشراكات الاستراتيجية والتضامنية بين البلدان الشقيقة.
كما سجل العاهل المغربي أن هذه القمة تتيح لنا الفرصة لتأكيد التزام بلدي الصريح والمسؤول والثابت، من أجل خدمة قضايا القارة الأفريقية ومصالحها، مضيفا أنه بمجرد استعادة المملكة المغربية لمكانها فعليا داخل الاتحاد، والشروع في المساهمة في تحقيق أجندته، فإن جهودها ستنكب على لم الشمل، والدفع به إلى الأمام، مؤكدا على أن إصلاح الاتحاد الأفريقي يشكل ورشا مهما، يلتزم المغرب بالمشاركة فيه إلى جانب باقي الدول الشقيقة، وشدد على ضرورة تطوير تصور أفريقي موحد لرهانات الهجرة وتحدياتها.
واعتبر العاهل المغربي أن أفريقيا الجديدة ستستثمر أفضل ما لديها من إمكانيات لأنها تزخر بخيرات وافرة، وأن المغرب لعازم على المشاركة في إقلاع أفريقيا الجديدة، موضحا أن الاستثمار لفائدة الشباب الذين يمثلون ثلثي سكان القارة أضحى أمرا ضروريا، وذلك بتوفير التكوين المناسب لهم ومواكبة ولوجهم لسوق العمل بطريقة متدرجة ومؤطرة وتأهيلهم لاتخاذ المبادرة حتى يتمكنوا من خلق الثروات، والكشف عن مواهبهم والمساهمة في أقلاع القارة.
من جانبه احتج الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) على العلاقات الأفريقية الإسرائيلية، مطالبا قادة أفريقيا، بربط أي تقدم في هذا المجال، بمدى التزام إسرائيل بإنهاء احتلالها لأرض دولة فلسطين المحتلة منذ عام 1967. بعاصمتها القدس الشرقية.
وقال عباس في خطابة أمام قمة الاتحاد الأفريقي، مخاطبا قادتها، إن محاولات دولة الاحتلال الإسرائيلي للمشاركة في مؤتمراتكم الإقليمية، وترتيب مؤتمرات قارية لها، يشجعها على الاستمرار في غطرستها واحتلالها لفلسطين، وإنكارها لحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والسيادة والاستقلال، وهي القيم والمبادئ الإنسانية الأساسية، التي تؤمنون بها أنتم، وآمن بها من قبلكم قادة أفريقيا العظام الذين ضحوا في سبيل حرية قارتكم ودولكم وشعوبكم، آملين أن يتم ربط أي تقدم في علاقة القارة بإسرائيل، بمدى التزامها بإنهاء احتلالها لأرض دولة فلسطين المحتلة منذ العام 1967، بعاصمتها القدس الشرقية.
وأبلغ عباس القادة الأفارقة، أنه يتطلع إلى دعمهم من أجل تغيير واقع الاحتلال، وذلك باستخدام الوسائل السلمية والدبلوماسية، واللجوء للهيئات والمؤسسات الدولية، من أجل الحفاظ على حقوقنا الوطنية، وتطبيق حل الدولتين، فلسطين وإسرائيل، لتعيشا جنباً إلى جنب في أمن وسلام وحسن جوار. وطالب عباس من الأفارقة بالتصويت في المحافل الدولية لصالح فلسطين، قائلا، إننا نسعى إلى بناء الجسور مع إسرائيل وفق قرارات الشرعية الدولية، والأمن والسلام للجميع بدلاً من بناء جدران الفصل العنصري، لذلك فإن مواصلة تصويت بلادكم لصالح قرارات فلسطين ستحمي حل الدولتين، وتساهم في الحفاظ على حقوق الطرف المحتل، فلسطين، إلى أن يتم تحقيق السلام.
وقال عباس، إن حل قضية فلسطين حلاً عادلاً، هو مفتاح السلام فقط، وهو الذي من شأنه أن يسهم في نزع ذرائع المجموعات الإرهابية في المناطق المحيطة بنا، وسيجلب الخير للمنطقة ولمستقبل أجيالها، وللأمن والسلم العالميين. وعبر عباس عن تمسكه بصنع السلام، وقال إنه يرى بارقة أمل جديدة مع تحرك الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وإدارته. وأضاف، أن هذا التحرك جاء في وقته، وقد أكدنا للرئيس ترامب، خلال لقاءاتنا معه في البيت الأبيض وبيت لحم، استعدادنا التام للعمل معه من أجل عقد صفقة سلام تاريخية بيننا وبين الإسرائيليين، وفق حل الدولتين، ونحن في انتظار أن تستجيب إسرائيل لهذه المبادرة، وقد أكدنا كذلك للرئيس ترمب، استمرار شراكتنا الكاملة معه لمحاربة الإرهاب في منطقتنا والعالم.
من جهته، أكد مسؤول في خارجية جنوب السودان أن قمة أديس أبابا ستناقش الوضع في بلاده ضمن جدول أعمال القمة، في وقت كشف فيه مسؤول في لجنة الحوار الوطني الذي وصل جنوب أفريقيا عن مقترح بجمع الزعيمين كير ومشار لبناء الثقة بينهما لحل الأزمة السياسية للبلاد.وقال ماوين أكول، المتحدث باسم الخارجية في جنوب السودان، لـ"الشرق الأوسط" إن قمة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا ستناقش الوضع في الدولة الفتية التي تشهد حرباً منذ أربع سنوات، وذلك بحضور النائب الأول للرئيس تابان دينق قاي الذي يقود وفد بلاده، مشددا على أهمية هذه القمة في أفق إيجاد حل للأزمة في جنوب السودان.
من جانبه، قال وزير خارجية جيبوتي محمد علي يوسف أمس إن بلاده طلبت من الاتحاد الأفريقي نشر مراقبين على طول حدودها المتنازع عليها مع إريتريا بعد أن سحبت قطر قوات حفظ السلام قبل أسبوعين. وأضاف يوسف خلال قمة أديس أبابا لقد انسحبت القوات القطرية دون سابق إنذار، ودون أن تمهد الأرض بحق، تاركة وضعا راهنا ليس في مصلحة البلدين... لذلك اقترحنا على الاتحاد الأفريقي سد الفجوة في الجانب المتنازع عليه. ونحتاج أن يتصرف الاتحاد الأفريقي بسرعة.
وبعد أن سحبت قطر قواتها من المنطقة اتهمت جيبوتي إريتريا باحتلال أراض متنازع عليها على طول الحدود بين البلدين. وفي هذا السياق دعا الاتحاد الأفريقي الطرفين إلى ممارسة ضبط النفس، وقال إنه سينشر بعثة تقصي حقائق في المنطقة المتنازع عليها. فيما قال دبلوماسيون إن إريتريا لم ترد على هذا الطلب. وأضاف يوسف أن نشر قوة محتملة للاتحاد الأفريقي قد يتضمن خبراء في منع اندلاع صراع أو أفراد قوة احتياط إقليمية يشكلها الاتحاد.
أرسل تعليقك