عبّر عدد كبير من الجزائريين، خرجوا إلى شوارع العاصمة، أمس الثلاثاء، عن تمسّكهم بـ"تغيير النظام جذريًا"، مؤكّدين أنهم لن يوقفوا مظاهراتهم إلا عندما تتحقق مطالبهم المتعلقة بالحرية وإشاعة الديمقراطية، وسط انقسام كبير في الشارع الجزائري، إثر وفاة قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح، حول مساره العسكري وعلاقته بالحكم المدني.
وكان طلاب الجامعات، أمس، على موعد مع الأسبوع الـ44 من المظاهرات، التي عرفت أيضًا مشاركة أشخاص من مختلف الأعمار، جابوا شوارع العاصمة منادين بـ"دولة ديمقراطية"، و"عدالة مستقلة" و"صحافة حرّة". ورفعوا شعارًا كان رئيس أركان الجيش يرفضه بشدة، وكثيرًا ما أثار سخطه، وهو "نريد دولة مدنية لا عسكرية".
وردّد المتظاهرون عبارات مثل "ماصوتناش وتبّون مايحكمناش"، أي "لم نصوّت وعبد المجيد تبّون لن يحكمنا"، خلال مسيراتهم أمس، عبر مختلف الأحياء في قلب العاصمة. كما ردّد المتظاهرون عبارة "تبّون الكوكايين"، وهي العبارة التي يردّدها المحتجّون في الجزائر منذ إعلان السّلطة العليا لمراقبة وتنظيم الانتخابات فوز عبد المجيد تبّون بالرئاسة، حيث يربط المتظاهرون اسم رئيس بلادهم الجديد بقضية تورّط نجله في ملف تهريب المخدّرات، الأمر الذي عبّروا به من خلال استخدامهم للدّقيق الأبيض كنايةً عن الكوكايين. كما ردّد المحتجّون أمس، أيضًا، شعارات: "الشّعب يريد الاستقلال"، و"والله لن نتوقّف ولن يقف في وجهنا أحد"، و"مدنية وليست عسكرية"، إلى جانب عدة شعارات أخرى رافضة للرّئيس الجديد.
وحسب صحافيين تابعوا سير المتظاهرين عبر الشوارع، فقد كان عددهم أقل مقارنةً بالثلاثاء الماضي، ويعود ذلك إلى انقسام في تنظيمات الطلاب، بين مؤيد ومعارض لتنظيم المظاهرة أمس؛ فقطاع من الطلاب رأى في وفاة قايد صالح حدثًا يستدعي أخلاقيًا إلغاء الاحتجاج هذا الأسبوع، فيما قال آخرون إن الاحتجاجات "موجهة ضد نظام لا إلى أحد رموزه"، وبالتالي لا بد من مواصلتها، حسبهم.
وشهدت مدينة بلعباس غرب البلاد، ومدن تيزي وزو وبجاية بمنطقة القبائل شرقًا، مظاهرات معارضة للنظام، شارك فيها طلاب الجامعات وعمال وموظفون من مختلف قطاعات النشاط. كما عاشت منطقة القبائل شللًا في المرافق العامة، أمس، نتيجة إضراب يوم واحد دعت إليه نقابات محلية.
وظهر انقسام حاد في الشارع الجزائري حول الجنرال قايد صالح (79 سنة)، الذي وافته المنية فجر أول من أمس، إثر أزمة قلبية. وانعكس هذا الانقسام بحدة في شبكات التواصل الاجتماعي. فالقائد الراحل يعد بالنسبة إلى الكثيرين "بطلًا حقن دماء الجزائريين لأنه لم يطلق النار على المتظاهرين، بعكس ما قامت به جيوش دول عربية كثيرة مع الاحتجاجات الشعبية". أما بالنسبة إلى البعض الآخر فهو "رمز من رموز السلطة، قهر الحراك الشعبي بأن فتح السجون لمئات المتظاهرين والناشطين السياسيين".
ومناسبة وفاته، أثارت الصحافة من جديد الجدل المعروف حول علاقة الجيش بالسياسة وبالحكم المدني. كما ظهر انقسام في أوساط المثقفين والصحافيين. وأوقف التلفزيون الحكومي والفضائيات الخاصة التي يفوق عددها العشرة، برامجها ووجهت موادها كلها إلى الحديث عن "جهاد قايد صالح"، و"مساره المثالي في مؤسسة الجيش"، و"دوره في تسليم السلطة للرئيس الجديد بطريقة سلسة".
وقال علي بن حاج، قيادي "الجبهة الإسلامية للإنقاذ"، الذي قضى 12 سنة في السجن: "الحق أن قايد صالح فرض على الساحة السياسية خريطة طريق من داخل الثكنات؛ واتّبع سياسة غير رشيدة ووفاته ستُحدث هزة عنيفة في الساحة العسكرية والسياسية في البلاد، وستكون لها ارتدادات، ونأمل أن تكون هناك مراجعات".
ودعا بن حاج إلى أن "يواصل الحراك طريقه مع مراجعات في الشعارات والتكتيكات، وألا يلتفت لمن يريد أن يثبطه، وألا ينظر المتظاهرون إلى الأشخاص، بل إلى المطالب التي تعود بالنفع على الشعب الجزائري، في دينه ودنياه وهويته وتاريخه".
وأعلنت رئاسة الجمهورية، في بيان، أمس، أن تشييع قايد صالح سيتم (اليوم) في "مربع الشهداء بمقبرة العالية" بالعاصمة، وهو مكان دُفن فيه كل الرؤساء المتوفين، وقادة ثورة التحرير البارزين.
وأوضح البيان أن "مراسم التشييع ستبدأ بإلقاء النظرة الأخيرة على جثمان الفقيد بقصر الشعب"، وهو منشأة تابعة للرئاسة. ونظم سكان مدن عديدة مجالس عزاء، شهدت حضور عدد كبير من الأشخاص. ويُتوقع أن يسير عشرات الآلاف في جنازة الضابط العسكري المثير للجدل غدًا.
في المقابل، أبدى ناشطون في الحراك أملًا في أن يفتح رحيل قايد صالح انفراجًا في أزمة المعتقلين، الذين يعدون بالمئات. وتتجه أنظارهم إلى الرئيس الجديد عبد المجيد تبون لإطلاق سراحهم، علمًا بأن 13 ممن يُعرفون بـ"معتقلي الراية الأمازيغية"، استعادوا حريتهم، أول من أمس، بعد أن استنفدوا عقوبة 6 أشهر سجنًا نافذًا، بتهمة "المس بالوحدة الوطنية".
قد يهمك أيضاً:
أرسل تعليقك