وصل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية، السبت، وأعرب عن أمله في إعادة رسم السياسة والدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط، والتأكيد بقوة على الدعم الأميركي إلى الدول الإسلامية السنية وإسرائيل ضد الحكومة الإيرانية التي يقودها الشيعة، ويُعد الهدف من أول زيارة لترامب في الخارج منذ أن أصبح رئيسًا - وسط الفضائح والفوضى التي تجتاح إدارته - أن يكون رفضًا قاطعًا لرؤية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في المنطقة، الذي سعى إلى التوصّل إلى مصالحة مع إيران وتفاوض على اتفاق يهدف إلى حفاظ طهران على تطوير أسلحة نووية، وبينما وصل ترامب إلى المملكة، أعاد الإيرانيون انتخاب الرئيس حسن روحاني، الذي توصل إلى الاتفاق النووي.
وحظي ترامب، الذي كانت صورته في العديد من لوحات الإعلانات في جميع أنحاء المدينة، باستقبال حار من قبل القادة السعوديين، التي كانت تجمعهم علاقة سيئة وخيبة الأمل مع أوباما، بسبب فشلهم في التدخل بقوة في الحرب السورية وما يعتبرونه تساهلًا مع الدعم الإيراني للإرهاب، وقد أثبت اليوم أن كل ما كان يريده البيت الأبيض المحاصر تقريبا، بعد أسابيع من السياسة العاصفة والدورات الإخبارية التي تُعد خارج السيطرة، حافظ الرئيس بقوة وبقدر كبير من ضبط النفس على تويتر، وتفاخر موظفوه بالصفقات التجارية التي وقعها، وأظهرت الصور المرئية للأميركيين أن الرئيس على ما يبدو يقود المسرح العالمي، وعامله السعوديون مثل الملوك، مع السجاد الأحمر، والوجبات الفخمة والأعلام الأميركية التي ترفرف في كل مكان، واستخدموا مرارا كلمة "تاريخية" لوصف زيارته، وقدمت له ميدالية.
وأعاد الإيرانيون انتخاب الرئيس حسن روحاني، الذي توصل إلى الاتفاق النووي، واستخدم مسؤولون من البلدين زيارة الرئيس للضغط على إيران لوقف دعم الإرهاب ووقف التدخل في شؤون جيرانها.
وصب الاحتضان الحار من قبل النظام الملكي السعودي، بالنسبة إلى ترامب،في كسر سلسلة الأخبار السيئة في واشنطن، وحتى عندما انطلقت طائرة "إير فورس وان" من قاعدة جوية فى ماريلاند بعد ظهر اليوم، كشفت العناوين الرئيسية عن تفاصيل جديدة بشأن التحقيقات السريعة للتوسع فى العلاقات بين روسيا ومستشاري ترامب.
وسيجتمع الرئيس ترامب خلال يومين في السعودية مع عشرات القادة من الخليج العربي والعالم الإسلامي الأوسع فى الوقت الذى يسعى فيه إلى تشكيل تحالف جديد في الشرق الأوسط، ويختلف احتضانه الحالي لدول الخليج بشكل حاد مع بعض ملاحظاته السابقة، ففي عام 2014، قبل أن يصبح مرشحًا للبيت الأبيض، كتب ترامب على تويتر "أخبر السعودية وغيرها بأننا نريد النفط الحر "الطلب!" على مدى السنوات العشر المقبلة"، ومن المقرر أيضا أن يلقى ترامب يوم الأحد خطابًا قال فيه مساعدو البيت الأبيض انه دعوة إلى السعودية وبقية العالم الإسلامي للتوحد ضد التطرّف.
وبيّن المسؤول السابق في وزارة الخارجية والذي عمل في الشرق الأوسط تحت قيادة أوباما، تمارا كوفمان ويتس، أن "هدف ترامب المتمثل في المواءمة مع الدول السنية يتعارض بشكل أساسي مع رغبته في توثيق العلاقات مع روسيا التي تقف مع إيران في دعم الحرب الأهلية السورية، إن السماح لبشار الأسد بالبقاء في السلطة في سورية تحت الإبهام الإيراني هو على وجه التحديد النتيجة التي تعارضها الدول السنية وإسرائيل، بصراحة، لا أرى كيف أن أي من هذه المسارات يساعد في الواقع على تحقيق الضرورة الأمنية الوطنية الأساسية التي تواجهها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، والتي تاتى لهزيمة الجماعات الإرهابية العنيفة مثل داعش والقاعدة".
وقد خرج الرئيس وزوجته ميلانيا من الطائرة الرئاسية على خلفية صحراوية صارخة صباح السبت، واستقبله الملك سلمان على السجادة الحمراء الطويلة، وكان برفقته العديد من أفراد العائلة المالكة السعودية، وسط أجواء من الحفاوة، واحتضنت الرياض أعمال القمة السعودية - الأميركية "العزم يجمعنا" بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، والرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ووقع الزعيمان إعلان الرؤية الاستراتيجية المشتركة للبلدين، كما شهدا توقيع أكثر من 30 اتفاقاً ومذكرة تفاهم في المجالات العسكرية والاقتصادية في اختتام القمة، أعقبتها جلسة محادثات رسمية مع الرئيس ترامب في قصر اليمامة، جرى خلالها استعراض العلاقات التاريخية بين البلدين والسبل الكفيلة بتعزيزها وتطويرها في مختلف المجالات، إضافة إلى البحث في مستجدات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط والعالم، والجهود المبذولة لاستقرار المنطقة وأمنها.
وبلغت القيمة الإجمالية للاتفاقات والفرص الاستثمارية بين المملكة وأميركا نحو 350 بليون دولار كما قال وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون، من شأنها أن تعزز نقل المعرفة وتوطين التقنية وبناء استثمارات وصناعات واعدة، ستوفر مئات الآلاف من فرص العمل في البلدين، وتبادل ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، وتيلرسون مذكرتين بين حكومة السعودية ونظيرتها الأميركية ممثلة في وزارة الدفاع، لتحديث وتطوير القوات المسلحة السعودية بالقدرات الدفاعية، كما تم خلال المراسم تبادل اتفاق شراكة لتصنيع طائرات «بلاك هوك» العمودية في المملكة، كما جرى تبادل 4 اتفاقات في مجال الصناعات العسكرية.
وتضمنت المراسم إبرام مذكرة تفاهم في المجال التقني، واتفاقاً في مجال توليد الطاقة، واتفاقين في مجال تصنيع المنتجات عالية القيمة، واتفاقين في مجال الاستثمار في التقنية والبنية التحتية، وفي مجال الاستثمارات البتروكيماوية، أبرم اتفاق لتأسيس مصنع للإيثيلين في أميركا، كما تم تبادل عدد من الاتفاقات مع شركة أرامكو السعودية في مجال خدمات النفط والغاز، وفي مجال التعدين وتطوير القدرات البشرية، وتمت مبادلة ثلاث اتفاقات، وجرى خلال المراسم تبادل اتفاق في مجال الاستثمارات الصحية لبناء وتشغيل مستشفيات في المملكة، واتفاق لشراء طائرات، وآخر في مجال الرقمنة، واتفاق لبناء مركز خزن معلومات، وآخر في مجال الاستثمارات العقارية.
وقلد الملك سلمان قبيل انعقاد جلسة المحادثات الرئيس ترامب وسام الملك عبدالعزيز آل سعود، تكريماً له، وهو أرفع وسام في السعودية، ولم تقتصر مراسم الترحيب السعودية على الإجراءات المتعبة، إذ رحب الملك سلمان بن عبدالعزيز بضيفه، عبر تغريده من حسابه الرسمي في "تويتر"، قال فيها "نرحب بفخامة الرئيس الأميركي في المملكة، ستعزّز زيارتكم تعاوننا الاستراتيجي، وستحقّق الأمن والاستقرار للمنطقة والعالم"، وكان الرئيس الأميركي كتب عبر حسابه في "تويتر"، أنّه "عظيم أن أكون في الرياض، وأتطلع لقضاء وقت ممتع في ما تبقى من اليوم"، ثم أعقبها بأخرى قال فيها "أشكر السعودية شعباً وحكومة على اليوم الرائع، ونشكر السعودية على الاستثمارات الضخمة والاتفاقات الحيوية"
وبعد توقيع الاتفاقات الكبيرة، أكد تيلرسون أن الصفقات الدفاعية الأميركية ستمكن السعودية من التصدي للتدخلات الإيرانية والإرهاب، مشيراً إلى أن أميركا تعتزم تكثيف جهودها لردع إيران في سورية واليمن، ومنوّهًا إلى، أن بلاده ستركز على البحث عن تسوية سلمية في اليمن، والضغط على الأطراف كافة للعودة إلى طاولة المفاوضات، مبينا أن الانقلابيين لا يمكن أن يستمروا ولن ينتصروا عسكرياً، مشيرًا إلى أنّ الشراكة بين السعودية وأميركا ترتكز على الثقة والسعي لأهداف مشتركة، لافتاً إلى ضرورة العمل على تنفيذ الاتفاق الاستراتيجي بين الدولتين، بما يوجه رسالة قوية للأعداء، وموضحًا أن تعزيز العلاقة يعتمد على المصالح الأمنية المشتركة، وضرورة العمل على تجفيف منابع الإرهاب، وتعزيز التعاون في المجالات الدفاعية.
وشدّد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير على أن توقيع الاتفاقات الاستراتيجية بين السعودية وأميركا ستتصدى للإرهاب في المنطقة، واصفاً إياها بالاتفاقات التاريخية وغير المسبوقة، وموضحًا أن المحادثات بين العاهل السعودي والرئيس الأميركي تطرقت إلى العمل على إلزام إيران بوقف دعمها للإرهاب، "كما تطرقت المحادثات الثنائية في القمة السعودية - الأميركية للوضع في سورية، ومفاوضات السلام بين دولة فلسطين وإسرائيل"، واعتبر الجبير فوز الرئيس حسن روحاني بولاية ثانية مسألة داخلية، وأن السعودية تهتم بالأفعال وليس الأقوال، متهماً النظام الإيراني برعاية الإرهاب، وأنها أسست أكبر منظمة إرهابية، هي "حزب الله" اللبناني.
أرسل تعليقك