تنطلق مسيرات مليونية شعبية هادرة في مدن السودان كافة، السبت كانت دعت إليها قوى إعلان الحرية والتغيير السودانية، لمناسبة مرور أربعين يوما على فض الاعتصام ومقتل وجرح وإصابة المئات من المدنيين العزل.
وأطلقت قوى الحرية على هذه المواكب اسم "العدالة أولا" للضغط من أجل محاسبة المسؤولين عن تلك «المأساة»، في وقت ينتظر فيه أن يعقد الطرفان جولة مباحثات بحضور الوساطة الأفريقية - الإثيوبية، المشتركة لإجازة «الإعلان الدستوري» الذي يحكم الفترة الانتقالية.
وهاجمت قوات عسكرية بأزياء الجيش وقوات الدعم السريع والشرطة، في الثالث من يونيو/ حزيران الماضي المعتصمين أمام القيادة العامة ل الجيش السوداني، وأطلقت النار بكثافة عليهم ما أدى لإزهاق أرواح 128 مدنياً وجرح وإصابة أكثر من خمسمائة، وتعرض عدد من النساء و«الرجال» لعمليات اغتصاب وتحرش حسب تقارير المعارضة.
وقال بيان صادر عن قوى إعلان الحرية والتغيير، إن محاسبة الجناة والمجرمين على الجرائم والانتهاكات التي ارتكبت في مجزرة اعتصام القيادة العامة «دينٌ واجب السداد»، قاطعاً بأن قوى سياسية أو نقابية لا تستطيع التهاون فيه أو التنازل عنه.
ودعا البيان إلى تحقيق مستقل وشفاف في الجرائم التي هزت ضمير العالم، وتقديم المسؤولين عنها «من أمر وخطط ونفذ» للعدالة، واعتبره «مطلباً لا يمكن الالتفاف عليه».
وتتهم قوى إعلان الحرية والتغيير وقوى شعبية واسعة المجلس العسكري الانتقالي، وقوات الدعم السريع على وجه الخصوص بالتخطيط لفض الاعتصام وارتكاب المجزرة، لكن المجلس العسكري وعلى لسان رئيسه عبد الفتاح البرهان نفى بشدة أن يكون قد خطط أو أصدر أوامر بفض الاعتصام. وقال البرهان في مقابلة سابقة مع «الشرق الأوسط»: «ربما انحرفت القوات ودخلت منطقة الاعتصام، وربما حدثت بعض الأمور، لكن أصلاً لم يتم التخطيط لفض الاعتصام، أو التوجيه من فرد في المجلس العسكري أو القيادة العسكرية لأي قوات بأن تدخل منطقة الاعتصام».
كان الطرفان السودانيان، اتفقا خلال وثيقة مقترحة للفترة الانتقالية، تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في حادثة فض الاعتصام، ومحاسبة المسؤولين عنها. كما اتفقا على رفع الحصانة عن أي عضو في المجلس السيادي، من العسكريين، يتهم رسميا في القضية، واستبدال آخر به.
واستطرد بيان الحرية والتغيير بلغة تعبوية: «ظهر الثورة لا ينحني إلا ليصير قوساً ترمي سهامها في البعيد، وشجاعة الثائرات والثوار أمام تلك الهمجية ستبقى نبراساً في سجل عزيمة وانتصارات شعبنا».
وتعهدت الحرية والتغيير بتجاوز الصدمة والحزن، والمضي في البناء وإزالة «أنقاض النظام القديم»، وتابعت: «شهداؤنا هم الحجر الذي ركله الحاقدون فأصبح رأس الزاوية»، وبإقامة صروح للشهداء في كل البلاد: «ستعلو تماثيل شهدائنا الأبطال فوق صروح سودانٍ جديد، يوم ينهض شامخاً هذا البناءُ بعزمنا، عمّا قريب».
وقال البيان إن المواكب ستخرج باسم «العدالة أولاً» اليوم في كل مدن وقرى السودان، وأن يتضمن الأسبوع فعاليات ثورية لتخليد «ذكرى شهداء الثورة السودانية والتأكيد على تحقيق العدالة»، تتواصل فيها المواكب واللقاءات واستقبال الإفادات من المصابين والشهود، ووضع حجر الأساس للنصب التذكاري لشهداء الثورة.
يأتي هذا التصعيد من قبل قوى إعلان الحرية والتغيير، بعد ساعات من إعلان الوساطة الأفريقية - الإثيوبية، اتفاقها مع العسكري على «الإعلان السياسي» الذي يحدد مراحل الفترة الانتقالية، وذلك عقب جلسة تفاوض استمرت أكثر من ثماني ساعات.
وقال مبعوث الاتحاد الأفريقي محمد الحسن ولد ليبات، والذي يتوسط ورفيقه الإثيوبي محمود درير بين طرفي النزاع، إن الطرفين اتفقا اتفاقا كاملا خلال مباحثات «الخميس - الجمعة» على الإعلان السياسي بشأن هيئات مرحلة الانتقال في جو ودي وأخوي، على أن يعقد الطرفان جلسة مباحثات اليوم للمصادقة على وثيقة «الإعلان الدستوري».
من جهة أخرى، شدد مسؤول أوروبي بارز على أهمية الانتقال المدني السلمي المنظم في السودان، واعتبره مخرجاً من الأزمة الحالية في السودان. وقال وزير خارجية فنلندا الذي تترأس بلاده الاتحاد الأوروبي للدورة الحالية بيكا هافستو، في تصريحات محدودة حضرتها «الشرق الأوسط» مساء أول من أمس في ختام زيارته للبلاد، إنه التقى الأطراف السودانية كافة، بما في ذلك رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان حميدتي، وقوى الحرية والتغيير والمجتمع المدني.
وأوضح هافيستو أن دول الاتحاد والمجتمع الدولي تنتظر «أخبارا إيجابية من السودان»، بما يتيح لها مساعدته على تجاوز مشكلاته، ووعد بالتوجه من الخرطوم إلى العاصمة المصرية القاهرة، وزيارة كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، وإجراء مباحثات معها باعتبارها شريكة مهمة في المنطقة، ويمكن أن تلعب دوراً إيجابياً في الملف السوداني.
وتعهد المسؤول الأوروبي البارز، بتقديم تقرير لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي حول الأوضاع في السودان، معتبراً الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير خطوة مهمة باتجاه تحقيق مطالب السودانيين.
وشدد على أن الانتقال السلمي إلى نظام مدني، هو الطريقة الوحيدة لإنهاء الأزمة السودانية الحالية، وقال إن اتحاده مستعد لدعم السودان متى ما تحقق الانتقال السلمي المدني، وأضاف: «الاتفاق بين الحرية والتغيير والمجلس العسكري خطوة مهمة باتجاه الديمقراطية والعدالة والحرية، وفرصة لتحسين أوضاع السودان».
وقد يهمك ايضا:
المهدي يؤكد أنه ما كان للثورة أن تنجح لولا تجاوب العسكريين
لجنة لصياغة اتفاق "المجلس العسكري" السوداني و"قوى التغيير"
أرسل تعليقك