رجَّحت قيادات سياسية أن تمتدّ المباحثات التي تجريها بغداد وأربيل بشأن انسحاب قوات البيشمركة من المناطق المتنازع عليها، وقتاً أطول من مهلة الساعات التي تم تحديدها بعد جولة المحادثات التي أجريت يوم السبت الماضي، في وقت لوح رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، باستخدام القوة إذا لم يستجب الاكراد لتسليم المنافذ الحدودية للحكومة الاتحادية، مؤكدا أن السلطة الاتحادية يجب أن تفرض سيطرتها في عموم البلاد.
وتوعد الفريق عثمان الغانمي، رئيس أركان الجيش، بحلّ ثانٍ خلال ساعات إذا لم تستجب القوات الكردية لطلبات الحكومة الاتحادية. ولم تشهد منطقة المواجهة بين القوات الاتحادية والبشمركة، شمال نينوى، أي تحركات جديدة منذ إعلان رئيس الوزراء تعليق العمليات هناك، مساء الجمعة الماضية. ويدور خلاف بين الجانبين حول تحديد عائدية بعض المناطق فيما لو كانت "معابر حدودية" أم أنها تقع ضمن شريط عام 2003، المعروف بـ(الخط الأزرق).
وتطالب بغداد قوات البيشمركة بالعودة الى تلك النقاط التي رسمت بقرار أممي قبل 26 عاما، وتسليم المنافذ الحدودية باعتبارها تدخل ضمن الصلاحيات الاتحادية. وتصرّ أطراف كردية على ان بعض المناطق، التي اعتبرتها بغداد منافذ حدودية، هي ليست كذلك وإنما أراض تابعة للإقليم، فيما تنتقد قيادة البيشمركة مطالبة الوفد العسكري المفاوض بإدارة منفردة للمناطق المشتركة خلافاً لما يتحدث به رئيس الحكومة.
وقال الفريق الركن الغانمي للصحافيين، لدى خروجه من مقر قيادة عمليات نينوى الذي شهد مفاوضات مع أطراف كردية عسكرية وسياسية، "هناك تقدم مقبول ولكن القرار النهائي مرتبط بالوفد الثاني" الكردي. وأضاف : "توصلنا إلى تفاهم مشترك في بعض النقاط، وبعض النقاط علقوا الإجابة عليها لحين العودة للإقليم وإبداء الرأي والاتصال بنا".
وتقول أطراف مطلعة على أجواء المفاوضات إن "حكومة إقليم كردستان وافقت على إعادة انتشار القوات الاتحادية، وإن الامر يحتاج لبعض الوقت". وقال أحد المسؤولين الكرد، وطلب عدم الكشف عن هويته، إن "القوات الاتحادية ستنتشر من مخمور جنوب أربيل الى فيشخابور في جنوب دهوك وهي ضمن مناطق الخط الأزرق".
ويضم الخط الأزرق مدن "السليمانية وحلبجة ودهوك وأربيل" فقط، لكنه توسع بعد العام 2003 ليشمل مناطق في كركوك ونينوى وديالى وصلاح الدين. ويقول الجانب الكردي إن هذا التمدد كان بطلب من الحكومة العراقية.
وفي السياق ذاته، قال سعيد مموزيني، عضو الحزب الديمقراطي في نينوى، إن "التفاهمات مستمرة، وهناك جولات أخرى لإتمام الاتفاق بين الطرفين". وأضاف: ان "هناك خلافات على بعض المناطق، ولكن يمكن أن تحل بالحوار".
ويعد معبر فيشخابور، الذي يقع على رأس مثلث حدودي بين الأراضي التركية والعراقية والسورية، أحد أبرز الخلافات بين الجانبين. وتعتبر حكومة بغداد المنطقة بأنها (منفذ حدودي)، بينما يقول مموزيني ان "فيشخابور ليس معبراً حدودياً وهو تابع لمحافظة دهوك وليس لنينوى".
بدوره أعلن هوشيار زيباري، وزير المالية السابق والقيادي في الديمقراطي الكردستاني، كلاماً مماثلاً لما أدلى به مموزيني. وكتب زيباري تغريدة على حسابه الشخصي، يوم السبت، "لا يوجد معبر حدودي باسم فيشخابور.. هناك فقط معبر اسمه خابور مع تركيا". في إشارة الى معبر إبراهيم الخليل. وأضاف أن "معبر خابور يقع داخل محافظة دهوك في إقليم كردستان وليس في محافظة نينوى"، مشيراً الى أنّ المعبر موجود قبل عام 2003.
وتقف القوات الاتحادية عند قرية المحمودية الواقعة على بعد 30 كم جنوب فيشخابور. وكانت القوات العراقية قد أمهلت مقاتلي البيشمركة بضع ساعات للانسحاب من المنطقة قبل ان يعلن العبادي الهدنة. ودارت بين الطرفين معارك عنيفة، يوم الخمس، استخدمت فيها المدفعية الثقيلة، لتأمين فيشخابور، الذي يمر من خلاله خط الأنابيب النفطي المتجه إلى ميناء جيهان التركي. وبحسب مصادر عسكرية مطلعة فإن القوات الاتحادية والبيشمركة لم يتحركا من مواقعهما السابقة على طريق فيشخابور. وقالت تلك المصادر إنه "منذ اشتباكات الخميس الماضي، لم تحدث أية مواجهات جديدة".
من جهته أعلن جبار ياور، أمين عام وزارة البيشمركة، ان "القوات الاتحادية تريد الانتشار في شريط طوله 1000 كم من دون تنسيق". وأكد ياور، ان "هذا الشريط يتمتد من الحدود العراقية الإيرانية الى سد الموصل"، مضيفا ان "الجيش العراقي لايريد أن يشاركه أحد حتى في المعابر الحدودية". وأوضح المسؤول الرفيع في وزارة البيشمركة ان "فيشخابور ضمن الخط الذي رسم عام 1991"، لافتا الى ان "رئيس الحكومة حيدر العبادي يقول نسعى الى ادارة مشتركة بينما المتفاوضون من الجيش لايرغبون بذلك".
لكن حنين قدو، النائب عن شبك نينوى، اعتبر العرض الكردي بأنه "لعبة لكسب بعض الوقت". وقال إن "إعلان الاطراف الكردية بانها ستراجع شروط حكومة بغداد للانسحاب من المناطق المتنازع عليها هو محاولة لكسب الوقت وكسب عطف التحالف الدولي". وأضاف قدو ان "البيشمركة بدأت بتعزيز قواتها في مناطق التماس خلال المهلة التي أوقفت فيها القوات الاتحادية التقدم نحو فيشخابور".
من جهة ثانية، أعلن الكولونيل ريان ديلون، المتحدث باسم التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "داعش"، إن أعضاء من التحالف حضروا المحادثات بين المسؤولين العراقيين والكرد. وأضاف، في تصريحات صحافية امس، أن "التحالف يشجع الاجتماعات بين الطرفين". وفي وقت متأخر من يوم أمس، بدأت جولة مباحثات ثانية بين وفد الحكومة الاتحادية والوفد الكردي من دون الإعلان عن نتائج الاجتماع.
وفي غضون ذلك لوح رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، مساء اليوم الأحد، باستخدام القوة إذا لم يستجب الاكراد لتسليم المنافذ الحدودية للحكومة الاتحادية، مؤكدا أن السلطة الاتحادية يجب أن تفرض سيطرتها في عموم البلاد. وقال العبادي خلال تلقيه مكالمة هاتفية من وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون "إن الحكومة العراقية ينبغي أن تفرض سيطرتها على المعابر التي يمر منها النفط المصدر عبر تركيا وإذا لم يتم ذلك فإن هذا سيتسبب في تفاقم الأزمة"، وفقا لبيان صادر عن مكتبه.
وأضاف "أن الحكومة المركزية لاتريد سفك الدماء أو تدهور الأوضاع، فيما هناك من في حكومة الاقليم والإعلام الحزبي في أربيل يحرض على قتل القوات العراقية".
وأعرب العبادي عن رغبته بأن لا تترك الأمور مفتوحة كما حصل في السنوات السابقة قائلا "إن السلطة الاتحادية ينبغي أن تفرض سيطرتها على عموم البلاد ومنافذها الحدودية غير أن الجانب الكردي بطيء في تنفيذ هذا الأمر". وأكد العبادي حرص الحكومة الاتحادية على ايجاد حلول سلمية ليعيش العراقيون معا في وطن واحد، قائلا "إن ذلك لن يتحقق من دون وجود قوة عراقية رادعة تمنع الأوضاع من التدهور".
من جانبه، ثمن وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون حكمة وقيادة العبادي لهذه الأزمة ورغبته في فرض الدستور، مشيرا إلى أن نيجرفان البارزاني ( رئيس حكومة اقليم كردستان) أبدى رغبته بالحوار في هذا الشأن. وافاد البيان انه جرى خلال المكالمة الهاتفية مناقشة الانتصارات المتحققة على الإرهاب وانتشار القوات الاتحادية في محافظة كركوك وبقية المناطق، إضافة إلى الأوضاع السياسية والأمنية.
وسيطرت القوات العراقية المدعومة بالحشد الشعبي على محافظة كركوك الغنية بالنفط (250 كم) شمال بغداد، في 16 من الشهر الجاري، وأعادت انتشارها في أغلب المناطق المتنازع عليها، وهو ما أدى إلى حدوث اشتباكات متقطعة وعمليات قصف متبادلة مع القوات الكردية ادت الى سقوط ضحايا من الجانبين.
أرسل تعليقك