تصاعدت الهجمات الفلسطينية المسلحة في إسرائيل أخيراً ، حيث أودت بحياة 14 ضحية وعدداً من الجرحى، في وقت تشير التوقعات إلى ارتفاع وتيرتها مستقبلاً في ظل غياب الحل السياسي.بعض هذه الهجمات جاء منظماً، والبعض الآخر بشكل غير منظم عبر مبادرات فردية. ووقعت آخر الهجمات الخميس وسط مدينة تل أبيب، كبرى المدن الإسرائيلية، وأسفرت عن سقوط ثلاثة إسرائيليين وجرح آخرين.
وفي وقت سابق الجمعة، تبيّن أن منفذ الهجوم الذي سقط في اشتباك مع الشرطة الإسرائيلية، شاب من مخيم جنين (29 عاماً)، وهو نجل أحد ضباط الأمن في السلطة الفلسطينية، لكنه لا ينتمي إلى أي فصيل سياسي.
ويعزو مراقبين تصاعد الهجمات الفلسطينية إلى تصاعد الإجراءات الاستيطانية الإسرائيلية، وما يرافق ذلك من ضغوط حياتية على الفلسطينيين تطال المياه والطرق والسكن، إضافة إلى تهديد وجودي ناجم عن سياسة مصادرة مساحات واسعة من الأراضي، وهدم البيوت، ومصادرة الكثير من البيوت في القدس، وتحويلها للمستوطنين، ومحاولات السيطرة على المسجد الأقصى وغيرها.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة "بيرزيت" الفلسطينية الدكتور غسان الخطيب، إن "الممارسات الإسرائيلية من استيطان، وهدم بيوت، ومصادرة أراض، واستهداف مباشر للوجود الفلسطيني، تترافق مع انسداد أفق العملية السياسية، ما قد يدفع الكثير من الشباب الفلسطيني للقيام بالرد كلٌ على طريقته".
وأضاف الخطيب: "الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين مليئة بالغطرسة، ما يجعل كل فلسطيني يشعر بالألم والغضب وربما الرغبة في الرد".وظهرت حالة إحباط عامة بين الفلسطينيين أخيراً، عندما شاهدوا العالم الغربي يقدم مختلف أشكال الدعم السياسي والعسكري والمالي والإنساني للشعب الأوكراني في مواجهة الغزو الروسي، ويفرض عقوبات اقتصادية شديدة على موسكو، بينما تُقابل الممارسات الإسرائيلية المماثلة منذ عقود بما لا يتجاوز الإدانة اللفظية.
ظهرت منطقة جنين كمركز لانطلاق العديد من الهجمات والاشتباكات، منها الهجوم الذي نفذه شاب بمفرده في تل أبيب في الـ29 من الشهر الماضي، وأودى بحياة 5 إسرائيليين وإصابة تسعة.وتزامنت الهجمات مع الذكرى الـ20 لقيام الجيش الإسرائيلي بإعادة احتلال مناطق السلطة الفلسطينية في الانتفاضة الثانية عام 2002، خلال عملية عسكرية واسعة أطلق عليها اسم "السور الواقي".
ووقعت العديد من المعارك في تلك الفترة بمخيم جنين الذي لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من اجتياحه، إلا بعدما أزال حياً كاملاً من المخيم بالجرافات للسيطرة عليه. ووثق أحد أبرز الفنانين الفلسطينيين محمد بكري، معركة المخيم بفليم وثائقي حمل اسم "جنين جنين".
وظهرت خلال العشرين عاماً الماضية أعداداً كبيرة من الجيل الجديد، حملت سلاحاً وواصلت الاشتباكات مع الجيش الإسرائيلي في كل مرة يحاول فيها دخول المنطقة.وقال أحد الذين اعتقلوا في معركة جنين، جمال حويل، إن "الأجيال الجديدة تتوارث الحكاية وستواصل القتال ما لم يكن هناك حل سياسي".
وأضاف حويل الذي حُكم عليه بالسجن 7 سنوات ونصف السنة بتهمة المشاركة في "معركة جنين": "ماذا تتوقع إسرائيل من مواطنين جرى تجريدهم من كل شيء، أرضهم وممتلكاتهم، وحبسهم داخل تجمعات سكانية مكتظة؟.. ماذا تتوقع من شاب يخرج إلى الدنيا ويرى المستوطنين يستمتعون بأرضه وهو محاصر في مخيم لاجئين بلا أدنى مقومات للحياة؟".
ومثل الكثير من المراقبين، يتوقع حويل أن تتواصل مختلف أشكال المقاومة والاحتجاج والهجمات ما لم يكن هناك حل سياسي.أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، الجمعة، قوات الأمن "الحرية الكاملة للتحرك"، بعد هجوم الخميس، قائلاً: "نعطي الجيش وجهاز الأمن العام وجميع القوى الأمنية الحرية الكاملة للتحرك من أجل القضاء على الإرهاب"، وأضاف: "لن يكون لهذه الحرب حدود".
وكشف بينيت عن أن "قوات الأمن ألقت القبض على منفذ العملية وقضت عليه، هذا بالتحديد ما يُتوقع منها، نعلم أن هناك من ساعده في الاستعداد لتنفيذ العملية وفي الحصول على السلاح الذي استخدمه، يجب على كل من يعاون منفذي العمليات، أن يعلم أن الثمن الذي سيدفعه سيكون أعلى مما يمكن تحمله".
وأضاف بينيت: "نحن في فترة صعبة ومليئة بالتحديات وقد تطول"، مشيراً إلى أن "الانتفاضة الفلسطينية الثانية استمرت سنوات لكننا انتصرنا في النهاية".وعملت الإدارة الأميركية أخيراً، على حمل إسرائيل بالقيام بسلسلة خطوات تحت عنوان "تحسين شروط الحياة" في الأراضي الفلسطينية بهدف تحقيق أكبر قدر من الاستقرار في غياب فرص الحل السياسي. وشمل ذلك منح طلبات لم شمل العائلة لآلاف الفلسطينيين الذين كانوا محرومين من العيش مع أفراد عائلاتهم في البلاد، وزيادة تصاريح العمل في إسرائيل وغيرها.
وجاءت هذه الخطوات بعد أن اصطدمت جهود الإدارة الأميركية الرامية إلى استئناف العملية السلمية برفض رئيس الحكومة اليميني نفتالي بينيت التفاوض مع الفلسطينيين على حل الدولتين.ولا يخفي بينيت الذي كان رئيساً لمجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، مواقفه الرافضة للاعتراف بحقوق الفلسطينيين، ودعواته للاستيطان في قلب الضفة الغربية، وضم أجزاء واسعة منها لإسرائيل.
ويتوقع العديد من المراقبين أن تشهد المواجهات بين الجانبين تصاعداً في الأيام المقبلة من شهر رمضان، خاصة في ظل دعوات تطلقها جماعات يهودية متطرفة لدخول المسجد الأقصى في الأعياد اليهودية مثل عيد الفصح في الـ23 من الشهر الجاري.
وعادة ما تؤدي الاقتحامات الإسرائيلية لباحات المسجد، أو أي إجراءات ضد المقدسيين، إلى إثارة الرأي العام الفلسطيني داخل إسرائيل التي يشكل الفلسطينيون فيها حوالي 20% من عدد السكان، والضفة الغربية وقطاع غزة.كما أدت محاولات إسرائيل إخلاء عدد من البيوت في حي الشيخ جراح المقدسي العام الماضي، إلى اندلاع مواجهة عسكرية بين قطاع غزة وإسرائيل لم تتوقف إلا بتدخل أميركي مباشر.
وأعلنت إسرائيل سلسلة إجراءات رداً على الهجمات الأخيرة، منها إغلاق جميع الثغرات في جدار الفصل بين إسرائيل والضفة الغربية، لكن الكثير من المراقبين يرون أنه بدون حل سياسي فإن الهجمات مرشحة للتصاعد.وقال الكاتب محمد يونس : "جربت إسرائيل مختلف الحلول الأمنية والاقتصادية، لكن ذلك لم ينجح، وبدون حل سياسي لن تنتهي هذه الهجمات".
وأضاف يونس: "على مدار سنوات تظهر لدينا هبة شعبية أو موجة من الهجمات المسلحة، ويبدو أن هذه الفترة هي موعد الموجة الجديدة من الهجمات التي يقوم بها شباب غاضب قرر الرد على ما يراه تهديداً وجودياً وإهانات وضغوط يومية وفقدان أي أمل بالعالم".
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أرسل تعليقك