عادت الأسر العراقية إلى مدينة الموصل وهي تحمل بداخلها الغضب والحزن على فراق عائلاتهم، وذلك بعد تحريرها من سيطرة تنظيم داعش المتطرف، وتسيطر الذكريات على العائدين إلى المدينة المدمرة، فقد فقدوا أحبتهم في تجارب قاسية، وهم يعيشون الآن ويواجهون مستقبلاً غير مؤكد أو معروف.
وكشف العائدون عن الصور المرعبة للحرب، وصعوبة المسيرة التي سلكوها للحفاظ على أرواحهم تحت قذف الصواريخ، والكفاح من أجل البقاء على قيد الحياة في المدينة المدمرة، وفي هذا السياق تروي عبير نيدهير، 34 عامًا، وهي تعيش في الموصل مع زوجها وأربعة من أبنائها الناجين حيث قتل ابنها الأكبر ويدعى همام في غارة جوية لقوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة أثناء معركة استرجاع المدينة من داعش، وقالت "أفضل العيش في منزلي بدلًا من العيش لاجئة في مخيم" فلم تغادر عبير منزلها في مقاطع رأس الجادية، تحت القصف في منتصف أبريل/ نيسان 2017، كما طلبت داعش منها الرحيل.
ولفتت إلى أن داعش وجهوا أسلحتهم نحوها، وأعطوها خيارًا واحدًا، وهو العيش مشاركة في منزل كبير في منطقة قريبة مع خمس عائلات أخرى، وأوضحت أن ابنها الأكبر همام، 15 عامًا، كان يغادر المنزل في الخامسة صباحًا لبيع الحلويات، حيث كان يكسب نحو 3 جنيهات استرلينية في اليوم، وكان يخشى من إضاعة الصلاة، حيث تعرض للجلد من قوات داعش.
وفي أحد الأيام، وقع انفجار ضخم في المنزل، وحاولت عبير فهم ما يحدث، ولكنها وجدت الدماء تغرق أطفالها، كما أن غرفة همام دمرت بالكامل وسمعت أحدهم يصرخ بأنه مات، وركضت بملابسها الممزقة والدماء التي تملأ جسدها لتضع ابنها أحمد في سيارة ليذهب إلى المستشفى، كما أنها أصيبت بكسر في الجمجمة، وأصاب ابناها ياسر ويوسف جروح خطيرة.
وبعدها ذهبت عبير للعيش مع شقيقتها في منزلها في الحي الغربي للمدينة مع ست عائلات أخرى، وتقول إنها أرادت العودة إلى الموصل ولكن بعد سيطرة داعش على المدينة لم تتحمس للأمر، كما أن مقتل ابنها الأكبر أثر فيها، وتلفت إلى أن ما تبقى من منزلها بعد الغارات الجوية هو غرفتان فقط، وحين عادت للعيش في منزلها بعد طرد داعش من المدينة، أخبرهم الجيش العراضي بأنهم لن يتمكنوا من البقاء في منزلهم، لأنه خطر حيث من الممكن أن ينهار في أي وقت، واضطرت عبير لتأجير منزل مجاور، وأكدت أنه من الصعب على زوجها العمل لأنه يعاني من جروح، كما أن إصابة ابنها أحمد لا تمكنه من الذهاب إلى المدرسة.
ويروي طارق عبيد، 32 عامًا، وهو رجل أعمال قصته، وهو يعيش في المدينة القديمة وقتلت زوجته وابنتاه في معركة الموصل، وقال إنه كان يتمتع بحياة هنيئة قبل داعش، حيث كان يدير مقهاه الخاص في حديقة الموصل بالمشاركة مع أخيه، وكان ناجحًا جدًا خاصة في عطلات نهاية الأسبوع، وأضاف أنه عاش في منزل العائلة وهو مكون من طابقين، وأربع غرف نوم، وغرفة معيشة كبيرة وحديقة يزرع فيها الحمضيات، وكان يعيش في الدور العلوي مع زوجته وطفلتيه، ميسارة 5 سنوات، ومريم 18 شهرًا، أما شقيقه كان يقتن في الدور الأرضي.
ولفت إلى أنه لم يتمكن من العمل أثناء سيطرة داعش على الموصل، وسجن مرتين لأنه لم يربي لحيته وكان يرتدي الشورت، وعقوبة ذلك 60 جلدة، وفي نهاية شهر مايو/ آيار الماضي، سمع ضجيجًا غير عادي، وصعد إلى السطح ليجد أن قوات محاربة داعش هناك، وطلب من شقيقه الهرب بعيدًا، ولكن القذائف طالتهم، وقتلت زوجته وابنتيه ولم يتمكن من التعرف على وجه زوجته، وتعرف عليها من خاتم الزواج، وكانت الطفلة الرضيعة بجانبها، وأخذت داعش ابنته الكبرى إلى المستشفى ولكنه حتى الآن لم يجد جثتها.
ويقول أحمد الطائين 30 عامًا، وكيل عقارات يعيش في المدينة القديمة ولديه ثلاثة أطفال، إنه شعر بسعادة عارمة حين سمع في التلفاز أن الموصل تحررت من قبضة تنظيم داعش، واستقل سيارة أجرة على الفور ليعود إلى منزله، ولكنه صدم حيث دمر بالكامل، ووجد سيارته محترقة عند مدخل المنزل، وبقايا الصواريخ تملأ الشوارع، وكل شيء في فوضى، ويلفت إلى أن والده بنى هذا المنزل للعائلة، وقد تزوج به وأنجب ثلاثة أطفال، مؤكدًا أن عمله في المدينة كان يسير بشكل جيد قبل داعش، ولكن لا يمكنك التخطيط لمستقبلك في العراق، وقتل تنظيم القاعدة والده في عام 2006.
ويضيف أن داعش قتلت جيرانه كافة، وكان قلقًا بشأن أطفاله، لذلك قرر الهرب إلى الغرب حيث تعيش شقيقته، وقررت والدته وشقيقه البقاء في المنزل.
وبدأت ابنته سيدرا تعاني مشاكل في الكلى، واتفق مع أحد المهربين لنقلها إلى جنوب تركيا مقابل دفع 1150 جنيهًأ استرلينيًا، ولكن داعش ضيقت الخناق على السفر، ووصفوا تركيا بأرض الأعداء ومنعوا العراقيين من السفر إليها، رغم أن الرحلة كانت لإنقاذ حياة ابنته، وحين قرر العودة إلى الموصل، أوقفته داعش عند نقطة تفتيش واصطحبته إلى محكمة الشريعة، ووجهت إليه تهمة انتهاك قوانين داعش، وحكم عليه بـ80 جلدة، وحضور دورات دينية، ولكنه كان سعيدًا بالحكم، وأن القاضي لم يحكم عليه بالإعدام.
وذكرت شيماء نايف، 38 عامًا، والتي قتلت طفلتها في المعركة، أنه مع إعلان تحرير الموصل، تراجع مقاتلي داعش حول المدينة في محاولة لوضع القذائف والأسلحة حول منزلها، وأصيبت ابنتها بطلق ناري، كما أن زوجها أحمد، سائق سيارة أجرة، تعرض للسجن تحت حكم داعش، لأنه لم يربي ذقنه، وكان يسمع الأغاني، وتعرض ابنها طه لـ30 جلده بسبب شعره وكذلك لعدم حضوره الصلاة، وإذا لم ترتدي المرأة النقاب تتعرض للجلد ودفع الغرامة.
وهربت شيماء من المدينة القديمة وعبرت النهر إلى الضفة اليسار، حيث يوجد الجيش العراقي، ولكن مقاتلي داعش كانوا حول المكان، يحرقون السيارات والمراكب، ويسجنون الرجال الذين يحاولون الهرب من المدينة، وبعدما علمت بتحرير المدينة من داعش في التلفاز، كانت سعيدة مدينة، وعادت في الشهر الماضي إلى المدينة، ولكن الجيش العراقي أخبرهم أن المدينة تحتاج إلى إعادة إعمار حيث دمرت بالكامل، وهي تعيش الآن في منزل مجاور.
وتلفت إلى أنها مصدومة ولا يمكنها النوم دون تناول المهدئات، حيث تصاب بكوابيس يومية لفقدانها طفلتها والتي تدعى جنات.
وكانت ندى حمدون، 48 عامًا، حاملًا في طفلها الرابع حين قتل زوجها في الكويت 1991 في حرب الخليج الأولى، وساعدها والداها في شراء منزل في الموصل، وتزوج ابنها الأكبر معها في المنزل وأنجب خمس بنات وولد يدعى حيدر، ولكن قوات داعش قتلته بطلق ناري في الصدر، ومن ثم تعرض منزلهم للقصف من قوات التحالف ودمر، وأصيب الطفل الرضيع في بطنه، وأمه في الكتف، ومن ثم قرروا مغادرة المدينة، ولكن حين سمعوا بتحرير المدينة ورأوا إطلاق الألعاب النارية احتفالًا بذلك، قرروا العودة للموصل للاحتفال.
وتلفت إلى أن الجيش العراقي سمح لجيرانهم بالعيش في منازلهم المدمرة بعد التأكد من عدم وجود متفجرات أو ألغام، والعديد من الناس يعيشون في المنازل المدمرة نظرًا لارتفاع أسعار الإيجار في الضفة الأخرى من النهر، وتؤكد أن الأمر مؤلم كثيرًا للعودة إلى المنزل دون نجلها الأكبر.
أرسل تعليقك