أعلن عشرات المحامين، عن تنظيم مسيرة إلى "المجلس الدستوري"، اليوم الخميس، لمطالبة رئيسه برفض ملف ترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية خامسة، على أساس أنه مريض وعاجز عن الحكم، في وقت حمل خطاب ألقاه قائد الجيش الفريق أحمد قايد صالح، أمس الأربعاء، في منشأة عسكرية غربي العاصمة، دلالات على انحيازه إلى حالة الاستياء الشعبي العام، ضد العهدة الخامسة، التي بدأت يوم 22 فبراير/شباط وأخذت مع الوقت شكل كرة ثلج تكبر يومياً، وتضم إليها فئات واسعة من الجزائريين.
ونقلت وزارة الدفاع في موقعها على "الإنترنت" قول صالح إنه "يحق لجيشنا أن ينوّه بغزارة آيات التوادّ والتراحم والتعاطف والتضامن والأخوة الصادقة التي ما انفكت تتقوى عراها بينه وبين شعبه"، في إشارة إلى دعوات ملحّة للجيش، من جانب المتظاهرين، ليرفض ترشح الرئيس للاستحقاق المقرر في 18 أبريل/نيسان المقبل.
ورأى صالح في ذلك "علامات فارقة على مدى قوة الرابطة التي تشد الشعب الجزائري لجيشه"، وزاد: "طوبى لهذه الروابط الشعبية النبيلة والصادقة التي تجد في نفوسنا كعسكريين، كل العرفان والتقدير والإجلال لهذا الشعب، والتي تشد على أيدينا وتشجعنا أكثر فأكثر على المضي قدماً بعزيمة وهمة في سبيل صيانة وديعة الشهداء الأمجاد، الذين نحن مدينون لهم بالتذكر والترحم وبالوفاء بالعهد، سواء الذين فدوا الجزائر بالأمس بدمائهم الزكية واشتروا حرية هذا الوطن بأرواحهم الطاهرة، أو الذين قدموا أنفسهم ودماءهم الزكية من أجل أمن الجزائر واستقرارها، استجابةً لنداء الواجب الوطني".
أقرأ ايضَا:
طلاب جامعات الجزائر وأساتذتها يناشدون بوتفليقة التنحي ورئيس الأركان يحذّر
وبات واضحاً في المظاهرات والمسيرات الجارية في أنحاء البلاد، أن المحتجين يفرقون بين مؤسسة الجيش، والفريق المحيط بالرئيس الذي يتكوَّن من وزراء ومسؤولين بأجهزة حكومية عديدة. ويرجّح أن صالح تأثر بالرسائل التي وصلت إليه من المظاهرات. وعُرف عن الرجل ولاء شديد لبوتفليقة، ودفاعه بشراسة عنه ضد خصومه السياسيين.
ومما جاء في خطاب قائد الجيش: إن "الجزائر على أعتاب استحقاق وطني مهم، والجميع يعلم أننا قد التزمنا في الجيش الوطني الشعبي وكل الأسلاك الأمنية الأخرى، كل الالتزام بأن نوفر له وللجزائر كل الظروف الآمنة، بما يكفل تمكين شعبنا من ممارسة حقه وأداء واجبه الانتخابي في كنف الأمن والسكينة والاستقرار".
وأضاف: "تلكم مسؤولية وطنية جسيمة لا بد أن يتحملها الجميع، وتأكدوا أن الجيش يعي جيداً التعقيدات الأمنية التي يعيشها بعض البلدان في محيطنا الجغرافي القريب والبعيد، ويدرك خبايا وأبعاد ما يجري حولنا، وما يمثله ذلك من أخطار وتهديدات على بلادنا التي تبقى دوماً مستهدفة من أعدائها لأنها محسودة على نعمة الأمن التي يتمتع بها شعبها". وزاد: "قلت إن إدراك الجيش لكل ذلك سيجعله في غاية الفطنة واليقظة وسيكون دوماً حارساً أميناً للمصلحة العليا للوطن وفقاً للدستور ولقوانين الجمهورية، وسيعرف، بفضل الله تعالى وعونه، كيف يكون في مستوى المسؤولية المطالب بتحملها في الظروف والأحوال كافة، فالجميع يعلم أن الجزائر قوية بشعبها وآمنة بجيشها".
واللافت أنه إذا كان قايد صالح قد حافظ في خطابه على نبرة التخويف من خطر قد يصيب البلاد إذا فقدت استقرارها (ربما بسبب المظاهرات)، فهو لا يذكر على غير عادة إنجازات الرئيس ولا سياسة المصالحة التي بفضلها استعادت البلاد عافيتها بعد سنوات من الصراع مع الإرهاب. هذه العناصر لم تغب أبداً عن إطلالات صالح الإعلامية سابقاً، بمناسبة ومن دونها، وكانت دالة على قوة العلاقة التي تربطه بالرئيس.
وعن هذا الموضوع، كتب الصحافي البارز نجيب بلحيمر، على صفحته في "فيسبوك": "تعكس البيانات الصادرة عن وزارة الدفاع حالة من الارتباك، فالموقف الذي يعبر عنه رئيس الأركان منذ المسيرات التي خرجت ضد العهدة الخامسة تعكسه المقاطع التي يتم اختيارها من خطبه، والملاحظ أنه في كل مرة يتم تقديم رسائل متباينة من خلال إعادة اختيار المقاطع من نفس الخطاب والتي تؤدي معنى آخر".
وحسب بلحيمر فإن "الوقت لا يلعب لصالح قايد صالح، وعدم استيعاب رسائل الشارع الواضحة سيضعف مكانته هو شخصياً، وقد يجعله ضمن المجموعة التي سيخرجها الشارع من اللعبة بتصميمه على منع فرض العهدة الخامسة، ذلك أن اللحظة تاريخية وتتطلب كثيراً من الشجاعة والإدراك لطبيعة المرحلة والتحولات التي يعيشها المجتمع لاتخاذ القرارات الحاسمة التي قد تجعل مؤسسة الجيش تختار مسايرة حركة التاريخ".
وقال الإعلامي قادة بن عمار، مدير أحد أشهر البرامج الحوارية التلفزيونية، إن "التقارير الطبية عن تدهور صحة بوتفليقة ولهجة قايد صالح الجديدة، وانشقاق منظمات جماهيرية عن الولاء للخامسة مثل منظمتي المجاهدين والنساء، ويانات أميركا وأوروبا (الداعمة للمسيرات)، والأهم من كل هذا استمرار الحراك الشعبي السلمي... كلها مؤشرات تمهد لإعلان حالة الشغور بمنصب الرئاسة، وتأجيل الانتخابات والدخول في فترة انتقالية".
وذكر البرلماني الإسلامي ناصر حمدادوش أنه "لا يوجد من مخرج دستوري، يحفظ كرامة الرئيس، ويجنّب البلاد مخاطر الانزلاق إلى المجهول، إلا تطبيق المادة 102 من الدستور (عزل الرئيس بسبب مانع صحي). فهل هناك مَن لديه مشكلة مع الدستور. المجلس الدستوري أمام استحقاق تاريخي، وما عليه إلا أن يتحمّل مسؤوليته، وعلى باقي مؤسسات الدولة الأخرى أن تسنده".
صحة بوتفليقة
في غضون ذلك، كشفت صحيفة "تريبيون دو جنيف" السويسرية، أمس الأربعاء، تفاصيل جديدة بشأن الوضع الصحي للرئيس، إذ نقلت أن صحته "هشة ويعاني من أمراض عصبية وتنفسية"، مشيرةً إلى أن حالته الصحية تتطلب رعاية مستمرة. وأكدت أن حياة بوتفليقة تبقى تحت تهديد مستمر، على اعتبار أن جهازه التنفسي تدهور بشكل ملموس، ويتطلب رعاية متواصلة.
وقد يهمك أيضَا:
الجزائر تنتظر قرار بوتفليقة بشأن ترشّحه لولاية خامسة
تحركات سياسية في الجزائر والحزب الحاكم يرد بـ"توسيع قياداته"
أرسل تعليقك