أنجزت اللجنة الحكومية اللبنانية المكلفة بصياغة "البيان الوزاري" عملها بكتابة المسودة النهائية للبيان الذي سيعرض اليوم الخميس على مجلس الوزراء لاقراره ورفعه الى مجلس النواب الذي دعي الى بدء جلسات مناقشة البيان اعتباراً من يوم الثلاثاء المقبل لمنح الثقة للحكومة على أساس مضمونه.
وتضمن مشروع البيان الوزاري في الشق السياسي، فقرة تؤكد أن لبنان "ينأى بنفسه عن الأزمات في الدول المحيطة"، في تعبير شبيه لما كان عليه البند في سياسة الحكومة السابقة، وفق ما ذكر مصدر وزاري شارك في اجتماعات اللجنة.
وشهدت جلسة إقرار المشروع نقاشا حول البند المتعلق بالسلم والحرب، فأكد حزب "القوات اللبنانية" موقفه الداعي إلى عودة القرار الاستراتيجي للدولة اللبنانية. وبحسب المصدر، فقد سجل اعتراض أكثر من فريق لبناني على تفرد وزير الخارجية جبران باسيل، في إعلانه مواقف من عدد من الملفات الحساسة دون العودة إلى مجلس الوزراء. وطالب عدد من الوزراء أن تكون السياسة الخارجية موضع إجماع من قبل كل القوى الممثلة في الحكومة اللبنانية.
وفي الشق الاقتصادي، أكد مشروع البيان "التزام لبنان بسياسة مالية ونقدية متناغمة تعزز الثقة بالاقتصاد الوطني، وتخفض نسبة الدين العام للناتج الإجمالي، عن طريق زيادة حجم الاقتصاد وخفض عجز الخزينة، فضلا عن التعهد بتنفيذ سريع للإصلاحات". كما أكد التزام الحكومة العمل في سياسة الاستقرار في سعر صرف العملة الوطنية، باعتبارها أولوية للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
وتضمن مشروع البيان التزاما يقضي بإجراء تصحيح مالي بمعدل 1% سنويا على مدى 5 سنوات من خلال زيادة الإيرادات وتقليص الإنفاق، ابتداء من خفض العجز السنوي لكهرباء لبنان وصولا لإلغائه كليا، بدءا من موازنة العام 2019.
اقرأ ايضًا:
هجمات شرسة و"جيش إلكتروني" يلاحقون الحكومة اللبنانية الجديدة
الحكومة اللبنانية التي استغرقت ولادتها تسعة أشهر، ستدخل فور نيلها ثقة البرلمان في اختبار جدي للتأكد من مدى التزامها بسياسة "النأي بالنفس وتحييد لبنان عن النزاعات والحرائق المشتعلة في المنطقة"، خصوصاً في دول الجوار لأن مجرد عدم الالتزام بذلك - كما قال عدد من الوزراء الأعضاء في لجنة صياغة البيان الوزاري لـ"الشرق الأوسط" - سيقحم لبنان في لعبة المحاور العربية والدولية، وبالتالي لا مصلحة له في الانحياز لهذا الطرف أو ذاك لما يترتب عليه من أضرار تلحق بمصالحه الوطنية.
ولعل رئيس الحكومة - بحسب الوزراء أنفسهم - أول من يدرك مخاطر الإبقاء على سياسة النأي بالنفس في البيان الوزاري من دون أن يقترن لاحقاً بالتزام من بعض الأطراف المشاركة في الحكومة، على غرار المواقف التي سبقت إعداد هذا البيان وتحديداً من قبل رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل الذي يتصرّف من حين لآخر وكأنه "فاتح على حسابه".
فتصريحات باسيل التي أدلى بها من خارج اللجنة الوزارية لصياغة البيان الوزاري، وفيها دعوته إلى عودة سوريا إلى كنف جامعة الدول العربية والدخول في إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، إضافة إلى أنه لولا "حزب الله" لما انتخب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، حضرت بامتياز على طاولة لجنة الصياغة، كما ذكر وزير "اللقاء الديمقراطي" أكرم شهيّب.
وعلمت "الشرق الأوسط" من مصادر وزارية بأن شهيّب شدد في رد مباشر على ما قاله باسيل حول ضرورة الالتزام بسياسة النأي بالنفس وقال: "سبق أن أبدينا ملاحظات على الخطاب الذي ألقاه باسيل لدى استضافة لبنان مؤتمر القمة الاقتصادية العربية ولم نفتعل من أقواله مشكلة لأننا كنا في حكومة لتصريف الأعمال. أما اليوم مع تشكيل الحكومة الجديدة فإن الوضع اختلف ولا يحق له التطرّق إلى هذه المواقف من دون موافقة الحكومة".
وأيدت الوزيرة مي شدياق المنتمية إلى حزب "القوات اللبنانية" الموقف الذي عبّر عنه شهيّب، قبل أن يتدخّل الرئيس الحريري واضعاً النقاط على الحروف في هذا المجال.
ونُقل عن سعد الحريري قوله: "ما من أحد يعبّر عن رأي الحكومة إلا رئيسها فهو الناطق باسمها وإن كل ما قيل، في إشارة مباشرة إلى باسيل، لا يُلزمنا بشيء ويعبّر عن رأي شخصي لرئيس التيار الوطني وليس بصفته وزيرا للخارجية وأنا لم أتواصل معه قبل أن يقول هذا الكلام".
ولفت الحريري إلى تمسُّك الحكومة بسياسة النأي بالنفس وهذا ما سيرِد في بيانها الوزاري، فيما سأل وزراء عن الأسباب التي دفعت باسيل إلى القول إنه لولا "حزب الله" لما انتخب العماد عون رئيساً، وكأنه ينكر على الحريري وحزبي "القوات" و"التقدمي" ممن أيّدوا عون، دورهم في إيصاله إلى سدة الرئاسة الأولى.
كما سأل الوزراء إذا كان كلام باسيل يخدم الجهود الرامية إلى ترميم علاقات لبنان بعدد من الدول العربية التي لم تقصّر يوماً في مد يد العون للبنان، لا سيما إبان الشدائد التي مر بها بدءاً من العدوان الإسرائيلي في حرب تموز على لبنان؟
ولماذا أصر باسيل قبل أن تنال حكومة الحريري الثقة على تقديم أوراق اعتماده بالمعنى السياسي للكلمة لاسترضاء "حزب الله" والنظام في سورية مع أن عودة الأخيرة إلى الجامعة العربية يعود لقرار تتخذه الدول العربية؟
وهناك من يقول إن باسيل قرر أن يحسم أمره، وبالتالي فإن ما صدر عنه ليس زلّة لسان وإنما جاء عن سابق تصوّر وتصميم لاعتقاده أنه بمواقفه هذه يدخل في مبارزة مع زعيم تيار "المردة" سليمان فرنجية، لعله ينجح في أن ينتزع منه الأفضلية التي يحظى بها سواء من قبل "حزب الله" أو الحكم في سورية بغية تجييرهاح ما يتيح له أن يصرف مفاعيلها السياسية في معركة رئاسة الجمهورية مع أنه يُدرك سلفاً أن من المبكّر جداً فتح ملف الانتخابات الرئاسية. لذلك يرى هؤلاء الوزراء أنه لا حل في ثني باسيل عن ترداد مواقفه هذه المؤيدة لـ"حزب الله" والحكم في سورية، وأن ما صدر عنه لا يخدم رئيس الجمهورية الذي يقدّم نفسه على أنه الرئيس الجامع للبنانيين، إضافة إلى ما يترتب على مواقف باسيل من حساسية لدى عدد من الدول العربية. ويؤكد الوزراء أنفسهم أن الشعبوية التي يعتمدها باسيل لا تخدم الجهود الرامية إلى تصحيح العلاقات اللبنانية - العربية لإعادتها إلى ما كانت عليه في السابق، ويرون أنه لا حل ما لم يبادر رئيس الحكومة إلى وضع هذا الملف في عهدته كما كان يفعل في السابق والده رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري.
وعليه، فإن ترميم العلاقات اللبنانية العربية في حاجة الآن إلى إحاطة مباشرة من الحريري لأنه الأقدر على تصحيحها بعدما ثبت أن وجود باسيل على رأس الخارجية لم يدفع في اتجاه تصويبها، وأن الأخير يعرف قبل غيره أين هي مكامن الخلل ولم يبادر إلى إعادة هذه العلاقات إلى فتراتها الذهبية. إضافة إلى أن رئيس الحكومة يبقى محط ثقة الدول العربية ولديه الخبرة والقدرة على تنقية هذه العلاقات من الشوائب بما فيها المواقف التي تصدر عن باسيل بلا أي مبرر.
وقد يهمك ايضًا:
تعرف على الأضرار المترتبة بعد إغلاق طريق "طرابلس - بيروت"
"التيار الوطني الحر" يُبدي أسفه لإعادة تسمية وزراء أثبتوا فشلهم سابقًا
أرسل تعليقك