يلجأ أنصار النظام المعزول في السودان إلى استخدام موضوع تفشي «كورونا المستجد» أداةً سياسيةً لمحاربة الحكومة الانتقالية التي أسقطت حكمهم، ويأتي ذلك فيما عبّرت دوائر طبية في البلاد عن مخاوفها من أن تكون أعداد الوفيات والإصابات بفيروس «كوفيد 19» أكثر من الأعداد المعلن عنها.
ودأب أنصار النظام السابق من الإسلاميين على التقليل من حجم جائحة كورونا، إذا تارة ينفون وجود الفيروس، وتارة أخرى يُسيرون مواكب ومظاهرات ويسدون الطرقات ويحشدون الجموع، ما أثر كثيراً على التزام أعداد من المواطنين بإجراءات الإغلاق التي اتخذتها السلطات.
ويسعى أنصار النظام السابق إلى التقليل من جدوى الخطوات الحكومية لمواجهة تفشي الفيروس.
وكتب صحافي في مقال بصحيفة «الانتباهة» المملوكة لأحد أنصار الرئيس المعزول عمر البشير: «إن القحاتة (اختصار محلي تصغيري لقوى إعلان الحرية والتغيير) فرضوا حظر التجول الشامل على الخرطوم.
لا خوفاً على حياة الناس من وباء كورونا، لكن خوفاً من الغضب الشعبي المتصاعد».
واعتبر المقال الإغلاق استغلالاً سياسياً للجائحة، في الوقت الذي خرجت فيه مظاهرات مؤيدة لهم، وهي تهتف: «ما فيه كورونا ما تغشونا»، وذلك لإفشال مخطط مواجهة الجائحة، وبالتالي إصدار حكم بفشل الحكومة الانتقالية.
ويوظف أنصار النظام «المحلول» حرب الشائعات، فمرة يزيدون أعداد المصابين بصورة مبالغة، ومرات أخرى يقللون منها لدرجة النفي، مستخدمين في ذلك وسائط التواصل الاجتماعي الموالية لهم. ويقول صحافي «إخواني» شهير: «إن كل الوقائع تدل أن السودان خالٍ حتى الآن من الوباء، لأن الله أكرم من أن يبتلينا بفيروس كورونا ودكتور أكرم»، في حملة مرتبة ضد وزير الصحة الدكتور أكرم التوم والحكومة الانتقالية.
كما استخدم الإسلاميون وأنصار نظام البشير، قرار وزير الشؤون الدينية والأوقاف بوقف صلاة الجمعة والصلوات الجماعية في المساجد والكنائس ودور العبادة كافة، أداة سياسية، ووظفوا فيها التدين الشعبي البسيط، بزعم أن إغلاق المساجد يعد حرباً على الإسلام.
في غضون ذلك، عبّرت دوائر طبية سودانية من أن تكون الأعداد المعلنة للإصابة بفيروس «كورونا» المستجد، مجرد «رأس الجليد» للأعداد الفعلية.
وبينما بلغت الحصيلة الرسمية 92 حالة إصابة مؤكدة بالفيروس و12 حالة وفاة، مع أكثر من 500 حالة اشتباه، تقدر دوائر طبية أن الأعداد الفعلية ربما فاقت الآلاف، لكن قدرة السلطات الصحية محدودة، ففي بلد يزيد عدد سكانه عن 40 مليوناً، فإن احتمالات الإصابات التي لم تستطع السلطات الصحية الوصول إليها أكبر من الأعداد المعلنة، بحسب تلك الدوائر والتقارير.
ولم تفلح السلطات الحكومية في إنفاذ أوامر الطوارئ التي أصدرتها وفقاً لحالة الطوارئ الصحية المفروضة في البلاد بشكل فعّال، لأن الأعداد المتجولة والرافضة للالتزام، أكبر من قدرة الأجهزة الأمنية على إلزامهم أو تطبيق القانون عليهم، ما يهدد بموجة فاجعة من انتشار الفيروس في البلد الذي يعاني الفقر والانهيار الاقتصادي.
وتلعب العادات والتقاليد والثقافة دوراً سالباً، يحدّ من القدرة على تنفيذ تعليمات محاصرة انتشار الفيروس، فالسودانيون بطبيعة علاقاتهم «متواصلون» في الأفراح والأتراح، ولا يعرفون سد الأبواب في وجوه الزوار، مهما كانت مخاطر فتح الباب للقادمين، كما أنهم لا يتساهلون في مواصلة الأرحام والعزاءات والأفراح، ولا يتخلون عن «المصافحة»، بل يعتبرون رفض المصافحة عدم احترام لمن يمد يده مصافحاً.
وواجهت أوامر الإغلاق رفضاً بذريعة «الوضع الاقتصادي»، لأن السواد الأعظم من سكان العاصمة يحصل على رزقه من العمل اليومي.
وفي ذات الوقت، لا تملك الدولة القدرات الاقتصادية على مساعدة هذه الشرائح، برغم إعلان الحكومة الانتقالية على لسان وزير الثقافة والإعلام، الناطق باسمها، فيصل محمد صالح، أول من أمس، أنها شرعت في مساعدة الشرائح الفقيرة والضعيفة مباشرة، لكن ما يزال كثيرون يعارضون بشدة الإغلاق المباشر.
ويقول محمد علي، وهو عامل يومية في سوق الخضر والفاكهة بالخرطوم: «نحن نعمل يومياً، ونكسب القليل الذي نشترى به الطعام والشراب لأسرنا، فكيف يُطلب منا التوقف عن العمل، فماذا يأكل أطفالنا إذا توقفنا عن العمل، نحن على استعداد للتوقف فوراً لو وفرت لنا الدولة المساعدات اللازمة».
من جانب آخر، ورثت الحكومة الانتقالية نظاماً صحياً «مهترئاً»، مستشفيات بلا تجهيزات، وأعدادها قليلة مقارنة بعدد السكان، وبحسب تقارير طبية، فإن النظام الصحي على وشك الانهيار، بسبب انتقال الفيروس لعدد كبير من الكوادر الطبية.
ويقول تقرير صادر عن «لجنة أطباء السودان المركزية»، وهي نقابة طبية تضم آلاف الأطباء، إن عدم استقرار النظام الصحي، الذي وصفه بأنه «نظام صحي رثّ يُوشك أن ينقضّ»، الموروث من نظام البشير مع إمكاناته الشحيحة، التي يتم التعدي عليها باستمرار ممن أطلق عليهم «عناصر الردة»، يحول دون مواجهة الجائحة بطريقة فعالة.
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
شركاء الحكم في السودان يتفقون على "مصفوفة تنفيذ أهداف الثورة"
محكمة سودانية ترفض طلب عمر البشير وتؤيد إيداعه في مؤسسة إصلاحية لإدانته بالفساد
أرسل تعليقك