يغيب قضاء الحويجة عن الأنظار، على الرغم ما يتعرض له من جرائم، يرتكبها تنظيم "داعش"، في حق المدنيين المحاصرين، وذلك في ظل المعارك الدائرة في الجانب الأيمن للموصل، واستحواذها على أولويات وسائل الإعلام، وأوضاع المعيشية الصعبة بسبب الحصار الخانق المفروض عليها، والقصف المتواصل من قِبل القوات العراقية ومليشيات الحشد الشعبي منذ أكثر من عام.
وجاءت سيطرة عناصر "داعش" على المناطق الواقعة إلى الغرب والجنوب، من مدينة كركوك "240 كلم شمال بغداد"، عام 2014 بعد سقوط محافظة نينوى المجاورة في يد عناصر داعش، كما سيطروا أيضًا على نواحي النواب والرياض والعباسي الواقعة غرب كركوك، وناحيتي الرشاد وينكجا جنوب المدينة. ومنذ عام 2014 واجه المدنيون في مدينة الحويجة أوضاعًا مأساوية، بسبب الحصار الخانق الذي فرضه التنظيم من الداخل والفصائل المسلحة من الخارج، وسط رسمية بإطلاق العمليات العسكرية لاستعادتها.
وقال عضو مجلس النواب العراقي عن محافظة كركوك أرشد الصالحي، إن تأخر العمليات العسكرية وعدم إطلاقها لتحرير الحويجة وتخليصها من "داعش"، سبب رئيسي لما يحدث في كركوك من مشاكل فاقمت الوضع السياسي، في وقت نحن بأمس الحاجة إلى العمل على تخليص محافظاتنا من تنظيم داعش. وأضاف في تصريحات خاصة لـ"العرب اليوم"، أن بقاء تنظيم "داعش" في مدينة الحويجة، يهدد أمن محافظة كركوك بكاملها، وفعلاً قبل أشهر دخل عناصر التنظيم إلى قلب مدينة كركوك وهددوا أمن المحافظة، ولولا تصدي الشرطة المحلية والأهالي لحدث ما لا يحمد عقباه".
وطالب الصالحي القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي بسرعة إطلاق عملية استعادة الحويجة، وطرد عناصر داعش منها، وتخليص الأهالي من المعاناة التي يعيشونها منذ دخول داعش إلى المدينة، كي يتسنى للنازحين العودة إلى مناطقهم، داعيًا إلى مساندة القوات العراقية التي تستعد لتحرير المدينة". وبحسب آخر تقرير للمرصد العراقي لحقوق الإنسان، فإنه يوجد في قضاء الحويجة والمناطق المحيطة به 400 ألف مدني يعيشون أوضاعًا إنسانية مزرية، فضلاً عن إعدام داعش للعشرات من المواطنين تحت اتهامات شتى، أبرزها الهروب من المدينة أو التخابر مع القوات العراقية وغيرها من التهم.
وأكد المصدر أن المدينة تشهد حصارًا يمنع دخول المساعدات الإنسانية من الغذاء والماء والدواء، كما أنها تعاني من انقطاع الكهرباء والمياه بشكل مستمر، فضلًا عن قيام التنظيم بزرع الألغام في أراضي القضاء، والأراضي المحيطة به لمنع المدنيين من الفرار. وبحسب إحصائيات حصل عليها المرصد العراقي لحقوق الإنسان من مصادر محلية، فإن في قضاء الحويجة يوجد 115 ألف مدني، ومنطقة الزاب 50 ألف، والعباسي 50 ألف، والرياض 84 ألف، والرشاد 36، وفي داقوق 65 ألف. هؤلاء جميعهم يعيشون أوضاعاً إنسانية مزرية، تحتم على الحكومة العراقية الإسراع بتحريرهم من بطش تنظيم داعش.
وذكرت مصادر محلية أن الطعام لم يعد موجودًا في تلك المناطق، حيث كيس الطحين "50 كغم" أصبح سعره 100 ألف دينار، نحو " 90 دولارًا"، وسعر كيلوغرام من السكر تجاوز 20 ألف دينار عراقي. وأضاف المصدر أن الأطفال في القضاء أصبحوا بلا دواء ولا غذاء ولا ماء صالح للشرب، حيث عمد عناصر التنظيم، ومثلما فعلوا في الأنبار، إلى تقديم المساعدات للموالين لهم فقط، وعدم الاهتمام باللذين يرفضون الانتماء لهم وموالاتهم.
وطالب المرصد العراقي لحقوق الإنسان كافة السلطات بمراعاة المبادئ التوجيهية، بشأن النزوح الداخلي بقرار اللجنة الدولية لحقوق الإنسان، حيث توجب المبادئ التوجيهية على السلطات، تقديم الحماية للنازحين وحظر أي اعتداء أو أعمال عنف ضدهم. ومنذ أن استولى تنظيم داعش على المدينة، بدأت تحضيرات واستعدادات الحكومة العراقية، لتحرير المدينة من سيطرة داعش، وكان من المتوقع أن تبدأ العمليات العسكرية فيها قبل مدينة الموصل، حيث تم تحشيد القوات العراقية المتمثلة بالشرطة والجيش وفصائل الحشد الشعبي، بشأن المدينة لكن معركة الموصل بدأت، وظلت تلك القوات مرابطة في مكانها، تناور بالقصف واستهداف عناصر التنظيم، إلا أن عمليات القصف العشوائي داخل المدن كثيرًا ما تخلف قتلى وجرحى من المدنيين، فضلًا عن القصف الذي يقوم به عناصر من تنظيم داعش لاستهداف القوات الأمنية القريبة منهم، إضافة إلى قصف الطيران العراقي الذي قصف لأكثر من مرة مواقع كان فيها أعداد من المدنيين، في أعوام 2015- 2016، وسقط المئات من المواطنين بين قتيل وجريح، ففي عام 2015 قصف طيران يعتقد أنه لطيران عراقي سوقًا شعبية في منطقة جسر التحدي وسط المدينة، مما أدى إلى سقوط أكثر من 100 قتيل وعشرات الجرحى، من دون معرفة سبب القصف، ولم تفصح الحكومة العراقية عن تحقيق أو تبرير للحادث.
وفي العام الماضي، قصف الطيران العراقي أيضًا منطقة مجلسًا للعزاء، في مدينة داقوق ذهب ضحيته 65 شخصًا غالبيتهم من النساء. وقال قائممقام داقوق أمير خدا كرم، للصحافيين إن " الطيران العراقي قصف مجلس عزاء حسيني نسوي في حسينية الخانلي بقضاء داقوق، جنوب كركوك، ما أدى إلى مقتل 15 شخصًا وإصابة 50 امرأة أخرى". وأعلن رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، حاكم الزاملي، أن تحقيقا أوليًا يشير إلى تورط طائرة "يعتقد أنها عراقية" بقصف مجلس عزاء جنوب كركوك الجمعة الماضية.
وكشف عضو مجلس محافظة كركوك برهان مزهر عن واقع مأساوي يعيشه المدنيون تحت حكم التنظيم، فضلًا عن موجة النزوح التي تشهدها المدينة منذ دخول داعش إليها، مستغربًا في الوقت ذاته عدم إطلاق عمليات استعادتها رغم التحضيرات الكاملة لها". وأضاف مزهر في تصريحات خاصة لـ"العرب اليوم" إن " الواقع داخل المدينة مزر جدًا ونحن بانتظار أن تتخلص المدينة بأقرب وقت من عناصر التنظيم المتطرف، الذين أهلكوا الحرث والنسل، وفاقموا معاناة المواطنين وهدّدوا أمننا، داعيًا في الوقت ذاته الأطراف السياسية في المحافظة إلى نبذ الخلافات والمشاحنات، والتوجه نحو مصير المحافظة كلها وقطع دابر داعش".
وتعد مدينة الحويجة من أكبر الأقضية في العراق، حيث يزيد سكانها على 45 ألف نسمة، وتقع في محافظة كركوك إلى الجنوب الغربي، وهي من المناطق الاستراتيجية؛ لكونها تربط عدة محافظات، وتعتبر من المناطق الريفية وتقطنها عدد من العشائر العربية ومنها: الجبور، وشمر، والعُبيد، وطي، ودليم.
وشهدت محافظة كركوك شمالي العراق مؤخرًا وضعًا استثنائيًا خلال الأيام الماضية بعد إيعاز محافظ كركوك نجم الدين كريم، مع عدد من المسؤولين المحليين في المحافظة، برفع العلم الكردستاني إلى جانب العلم العراقي على مدينة كركوك التاريخية بمناسبة عيد نوروز، ما أثار جدلًا واسعًا بين الأطراف السياسية في المحافظة حيث استنكره ممثلو المكون التركماني في المحافظة، معتبرين أن طلب المحافظ يعمل على "خلق الفتنة" بين مكونات كركوك، فيما صوت مجلس المحافظة على رفع علم كردستان على الدوائر والمؤسسات الرسمية في المحافظة، مما أثار أزمة كبيرة بين مكونات المحافظة والسياسيين، وصدرت ردود فعل من عدة دول إقليمية بشان أزمة العلم الكردي، فضلًا عن الأمم المتحدة.
أرسل تعليقك