تحوّلت معارك الصحراء العراقية إلى محطة مفصلية في سير العمليات الحكومية ضد "داعش"، وتكمن صعوبة العملية في وجود تضاريس صعبة على الدبابات والآليات القتالية إضافة إلى المقاومة العنيفة من جانب مقاتلي التنظيم، الذي يشن هجمات نوعية بسيارات مفخخة وقذائف الهاون والصواريخ الذكية مستهدفاً تجمعات وثكنات القوّات العسكرية العراقية والحشد الشيعي".
وقال مهند الدليمي، ضابط برتبة ملازم أول في الفرقة الثامنة لـ الجيش العراقي، إن "الاشتباكات مع مقاتلي تنظيم "داعش" تشهد عمليات كر وفر، وتشتد شراسة أحيانا"، وأضاف أن "هجمات "داعش" الخاطفة بالعجلات الملغومة والقنص المباشر، والمواجهات المتكررة تهدف إلى جر القوّات العراقية لعمق الصحراء حيث ينشط التنظيم هناك، وفتح أكثر من جبهة قتالية لتخفيف الضغط عن عناصره المتحصنين وسط الصحراء، وفي الوديان والكهوف والأنفاق التي حفرها تحت الأرض على طول وعرض الصحراء".
وتمتد مناطق سيطرة التنظيم إلى الأراضي السورية، وأهم الوديان التي يتحصن بها هو وادي الغربات، حيث يعتبر الأخير أحد معاقل التنظيم الرئيسية، والأكثر خطورة، فهو كبير وعميق ووعر، يختبئ به أغلب قادة التنظيم، ولا تتمكن القوّات الأمنية العراقية وحتى طيران "التحالف الدولي" من كشف وتدمير أوكارهم أو حتى الوصول إليها. ومن المتوقع أن تصل القوات العراقية، اليوم السبت، إلى الحدود مع سورية، بعد انتهائها من عمليات تمشيط واسعة لتطهير الصحراء من فلول "داعش".
وحتى اللحظة لم تصطدم القوات العسكرية، التي تقدمت من ثلاثة اتجاهات قبل يومين، بمسلحي "داعش"، الذين يرجح أنهم لجأوا إلى الصحراء بعد خسارة آخر معاقلهم في راوة والقائم. وتشير أغلب التكهنات إلى أن "داعش" استكمل رحلة الهروب إلى سورية. وترى التكهنات ذاتها، أن فرار "داعش" إلى الأراضي السورية مؤقت، وانه سيعود بعد انتهاء الحملة العسكرية.
ولمنع عودة المسلحين، في تلك المناطق النائية، ستشكل أفواجاً خاصة من العشائر والحشد الشعبي، لمسك الأرض ومراقبة الصحراء بمساعدة طائرات التحالف. وبحسب بيان الحشد فإن العمليات التي تشارك فيها "قوات الحشد الشعبي والجيش العراقي والشرطة الاتحادية بإسناد طيران الجيش"انطلقت من محاور عدة. وبدوره يقول عشم الجبوري، قائد لواء 51 ضمن الحشد الشعبي، إن"العملية انطلقت من 7 محاور في الساعة 6 من صباح يوم الخميس، وانتهت الآن المرحلة الاولى".
وستجرى العملية على مرحلتين، بهدف تطهير المثلث الصحراوي وصولاً إلى الحدود العراقية- السورية. وأعلنت العمليات المشتركة، يوم الخميس، مشاركة قيادة 6 تشكيلات عسكرية ضمن عمليات صلاح الدين، ولواءين من الشرطة الاتحادية في الحملة العسكرية. بالإضافة إلى 15 لواء وتشكيل من الحشد الشعبي، بمساندة طيران الجيش.
وأوضح الجبوري، الذي يقود فصيله في العملية، عبر اتصال مع (المدى) أمس، الجمعة، أن القوات تقدمت من غرب الصينية وجنوبها وشمالها (غرب صلاح الدين)، ومن شرق منطقة شيخ علي والحضر (جنوب الموصل). وأكد القيادي في الحشد أن"القوات ستلتقي ظهر الجمعة مع القوات المتقدمة من شمال راوة، وستتجه كل القوات بعد ذلك إلى الحدود". متوقعا أن يحصل ذلك"خلال 72 ساعة المقبلة".
وبعد ساعات عدة من انطلاق العملية، أعلنت قيادة العمليات المشتركة "تطهير 77 قرية والسيطرة على جسر أم العقارب ومطار جنيف جنوب الحضر وتمشيط أكثر من 5800 كيلومتر مربع". وبدوره أكد الحشد أن فصائله تمكنت من السيطرة "على ثلاثة جسور حيوية، والوصول إلى وادي الثرثار"، الذي يصل محافظتي صلاح الدين والأنبار.
وبث الحشد الشعبي صورا مباشرة من منطقة صينية بيجي، في محافظة صلاح الدين، تظهر وجود المدرعات والدبابات وقيام الجرافات بفتح الطريق في الصحراء. وبالمقابل ستبدأ عمليات الجزيرة في غرب الأنبار بالتحام مع القوات الآتية من الحضر وغرب الصينية للانطلاق صوب الحدود مع سورية. ويقول قطري العبيدي، القيادي في حشد عشائر غرب الأنبار، إن "العمليات ستنطلق من شمال راوة، والرمانة، وبروانة بمشاركة الحشد".
وتأتي العملية الأخيرة، بعد أسبوع من استعادة راوة، آخر البلدات التي كانت خاضعة لتنظيم "داعش". وقال العبادي، يوم الثلاثاء الماضي،"بعد إكمال عمليات التطهير (...) سنعلن هزيمة "داعش" نهائيا في العراق". وتعتبر هذه العملية آخر العمليات، التي من المتوقع أن يعلن رئيس الوزراء بعد انتهائها، انتهاء تنظيم "داعش" في العراق على نحو كامل. وبعد استعادة العراق لجميع المدن من سيطرة داعش، لم يتبقّ لدى التنظيم سوى الوديان والصحارى والبوادي التي تشكل 4 في المائة من مساحة العراق ولا تزال تؤوي عناصر مسلحة بحسب مسؤولين.
لكن عشم الجبوري يقول "وجدنا مفارز تعويقية لتعطيل التقدم، وليس للمقاومة أو صد الهجوم". ويعتقد القيادي في الحشد والزعيم العشائري في صلاح الدين إن "داعش لديه استخبارات ويتمكن من معرفة أوقات الهجوم، وربما هرب إلى سورية".
من جهته يؤكد مصدر عسكري أن بعض التقارير الأمنية وبخاصة من صلاح الدين بالغت بوجود مسلحين في تلك المنطقة. وأضاف المصدر، ،"حتى وقت قريب كان المسلحون في مناطق المالحة والشعباني، التي سيطرت عليها القوات أمس". وتابع المصدر العسكري"لا نعتقد بوجود عناصر "داعش" في الجزيرة الآن، فأغلبهم هرب إلى سورية". وكانت حملات مشابهة نفذت في الصحراء سبقت هجوم"داعش" في 10 حزيران/يونيو 2014. وكانت التقارير تتحدث عن بناء قدرات للتنظيم هناك منذ عام 2009.
لكن عشم الجبوري يقول"بعد الانتهاء من تمشيط الصحراء، سنحدد مواقع صد جديدة، ونمسك النقاط والعقد المهمة مثل الجسور والطرق الحيوية". ويتوقع أن تقوم القوات المشتركة بإسناد من الحشد بعمليات مداهمة وتفتيش مستمرة، و"ستخرب الطرق التي يعتقد بأن "داعش" سيستخدمها للعودة إلى الصحراء او دخول المدن".
ويكشف قطري العبيدي عن تشكيل"4 أفواج من الحشد العشائري في المحافظة "لمراقبة جزيرة الأنبار والصحراء الغربية. ويوضح العبيدي أن "الأفواج ستنفذ واجبات أسبوعية في الصحراء، وتقوم بعمليات تفتيش ومراقبة"، مبيناً أن الفرق المكلفة"ستقيم أسبوعاً كاملا في الصحراء وتنصب خيماً". ويشير القيادي في الحشد إلى أن افواج عشيرة البو نمر ستراقب الجزيرة، باستخدام 150 سيارة، فيما ستشارك أفواج البو محل، والجغايفة، والكرابلة، والبو عساف في دوريات مشابهة في صحراء غرب الرطبة.
ويضيف العبيدي أن هذه "الأفواج ستعمل بالتنسيق مع طائرات التحالف الدولي، مبيناً أن القوات العشائرية "مدربة ومجهزة على يد القوات الأميركية، وأن كل سيارة فيها جهاز اتصال مع الطائرات".
وعلى الصعيد ذاته، يقول فيصل الجبوري، رئيس المجلس محافظة صلاح الدين، إن المحافظة التي تطل على البادية "تخشى عودة المسلحين إلى المدن عبر الصحراء مرة أخرى". لذا يقترح مجلس المحافظة، بحسب الجبوري، نصب أبراج مراقبة في الصحراء وتثبيت نقاط للتفتيش. ويضيف"طلبنا من القوات في المحافظة بشق خنادق وبناء سواتر لعزل صلاح الدين عن الأنبار".
أرسل تعليقك