سجّل الفريق الكرواتي الوطني لكرة القدم هدف الفوز على نظيره الإنجليزي، والذي أهله للوصول إلى نهائي كأس العالم للمرة الأولى في تاريخه، وهو ما دفع مشجعي الفريق إلى إضاءة الألعاب النارية وأحرقوا الإطارات خارج جدران الحجر الجيري الشاهق بالمدينة القديمة في دوبرفنيك.
كرة القدم تُساعد الشعب على نسيان مشاكله
رفعت نشوة الانتصار معنويات شعب محبط من اتجاهات عدة، من بينها الانتقال البطيء إلى الاتحاد الأوروبي، والاقتصاد الراكد، والمأزق السياسي، وحتى مصدر فرحته الحالية، وهي كرة القدم.
وفي هذا السياق، قال ماروغي بوروم، أحد المشجعين "في هذه اللحظة، لا يفكر أحد في المشاكل، إنها لحظة روحانية".
وحين بدأت بطولة كأس العالم قبل شهر، تردد بعض الكروات في البداية في تشجيع الفريق الوطني، بسبب فضيحة فساد، وتم استغل الفريق كرمز للقومية من قبل السياسيين اليمينيين في البلاد.
من جانبه، قال دارزين لاليك، عالم اجتماع وسياسي مقيم في زغرب "أصبحت كرة القدم نوعًا من السرطان في كرواتيا، كما أننا قبل كأس العالم كنا منقسمين"، ومع اقتراب نهائيات كأس العالم 2018، بدا أن كل العلل في البلاد مغلفة بكرة القدم الكرواتية.
الفساد يضرب كرة القدم الكرواتية
وكشفت دعوى قضائية عن فساد مستشر ينطوي على شخصية الكرواتية الأكثر نفوذاً، زدرافكو ماميك، الرئيس السابق لأحد أبرز الفرق في البلاد، دينامو زغرب، وأدين في جرائم ضريبية بتهمة سحب أرباح ضخمة من رسوم نقل اللاعبين الكرواتيين البارزين الذين انضموا إلى بعض أندية كرة القدم في أوروبا، قبل أن يفر إلى البوسنة والهرسك، حيث يختبئ.
وعندما قام لوكا مودريتش، الذي يمكن القول بأنه أعظم لاعب في كرواتيا على الإطلاق، بالمشاركة خلال المحاكمة، ادعى أنه لا يعرف شيئا عن ذلك، مما جعله محط استهزاء في البلاد، وفي مايو/آيار الماضي، وجهت له تهمة خيانة حلف اليمين، وربما يواجه عقوة سجن تصل إلى خمس سنوات، ولكن مع تقدم الفريق في نهائيات كأس العالم، تلاشت القضية أمام المحكمة، كان السيد مودريتش، الذي سمح له باللعب لأنه لم يدان بعد، من أفضل اللاعبين أداءً في بطولة هذا العام، وتم إصلاح سمعته المتضررة في البلاد إلى حد كبير.
وقال بوروم "السيد مودريتش هو أفضل لاعب في كرواتيا على الإطلاق، ستقوم المحاكمة بعملها، لكن معظم الناس يحبونه، إنه كابتن حقيقي في الوقت الحالي".
وتعد كرة القدم في كرواتيا متشابكة بعمق في الثقافة والسياسة والحرب التي عصفت بالبلاد في تسعينات القرن الماضي، بحيث يمكن استخدام اللعبة كعلامة لبعض أهم اللحظات في تاريخ كرواتيا الحديث، وفي عام 1990، تفككت يوغسلافيا، وكانت التوترات العرقية بين الكرواتيين والصرب في البلاد في أوجها، وظهر ذلك بشكل كامل خلال مباراة الأندية المنافسة ريد ستار بلغراد ودينامو زغرب، فقبل الصافرة الأولى، اندلعت أعمال شغب في الملعب في زغرب.
السياسيون يستغلون كرة القدم
لعبت هذه المباراة دورًا نفسيًا مهمًا، وكانت من بين شرارات حرب الاستقلال الكرواتية، وفي الوقت الذي انتهت فيه الحرب، كان مات 200 ألف كرواتي، وفي عصر ما بعد الحرب، سعى السياسيون في كرواتيا، مثل الكثيرين في جميع أنحاء العالم، إلى استغلال نجاح الفرق الرياضية والرياضيين من خلال التقاط الصور معهم، بما في ذلك على حملاتهم، واقتباسهم في خطاباتهم ومحاولة تحويل نجاحاتهم الرياضية إلى انتصارات سياسية.
واستخدم السياسيون فريق كرة القدم الوطني كطريقة لحشد الناخبين من خلال طرحهم كأصحاب نزعة قومية، حتى في الوقت الذي يقطعون فيه صفقات مع أحزاب الأقلية نفسها، وكان فرانغو تودغمان، أول رئيس لكرواتيا بعد أن أعلن استقلال البلاد عام 1991، مشجعًا لكرة القدم، وأدرك جيدا أهمية اللعبة لكل من الأمة وطموحاته السياسية، حيث قال ذات مرة "انتصارات كرة القدم تشكيل هوية الأمة بقدر ما تفعل الحروب".
وتم اختبار نظريته في كأس العالم 1998 في فرنسا، وهي المرة الأولى التي تتأهل فيها كرواتيا، التي ترتدي القميص المتميز ذا اللون الأحمر والأبيض، للبطولة، والآن، هذا القميص موجود في كل مكان، وفي ذلك العام، وصلت كرواتيا إلى الدور نصف النهائي، حيث خسرت أمام فرنسا، وبعد بطولة 1998، تلاشى التوهج في نهاية المطاف وسرعان ما واجهت كرواتيا الآلام المتزايدة التي تواجهها أي دولة جديدة، وفي العقد التالي، كان لها هدف واحد، وهو العضوية في الاتحاد الأوروبي، ومنذ انضمامها إلى الكتلة في عام 2013، مثل العديد من الدول الأعضاء الجديدة في شرق ووسط أوروبا، لم تحقق العضوية النمو الاقتصادي المتوقع، وبخاصة خارج المدن والوجهات السياحية.
المشاكل تسيطر على البلاد
وقال أنطون ماسل، أحد أبرز الصحافيين في البلاد، ورئيس تحرير صحيفة محلية في دوبروفنيك، إن الأمة تعرضت للعديد من المشاكل نفسها التي عانت منها بلدان أخرى في الاتحاد الأوروبي، لكن كدولة صغيرة، كانت مختلفة، مضيفًا "أنت تعرف ما يقوله الإيطاليون عندما تسألهم عن وضعهم المالي وفرص إفلاسهم: نحن أكبر من أن نفشل، وأنت تعرف ما يقول الكرواتيين؟ نحن أصغر من أن تفشل".
وعندما تكون صغيرًا، يجب عليك أن تلمس ما هو فوق وزنك، وفي هذا البلد الذي يقل عدد سكانه عن 4 ملايين نسمة، لعبت الرياضة دورًا كبيرًا في نفوس الشعب، لكن النجاح في الرياضة لم يخفي مشاكل أخرى، كما يتجلى في هجرة الشباب المتعلمين، في عام 1998، كان عدد السكان هنا نحو 4.6 ملايين، والآن أقل من 4 ملايين.
ويملك الحزب الحاكم أغلبية هشة تحتاج إلى دعم أحزاب الأقليات، مما يجعل عملية الحكم صعبة للغاية، وقالت عايدة فيدان وهي باحثة كرواتية في جامعة هارفارد "العديد من الكروات الأصغر سنا يواجهون البطالة وتدفع الأجور المنخفضة في التشكيك في الممارسات السياسية والإدارية الحالية والبحث عن ثروة أفضل في بلدان أوروبية أخرى".
وتعرّض الاقتصاد البطيء قبل 17 شهرا لهزة، عندما انهار أروكور، وزاد القلق من بيع المواد الغذائية والبيع بالتجزئة في ودخلت البلاد تحت وطأة ديون ضخمة، وبما أن اللجنة الحكومية المسؤولة عن خطة إنقاذ أجروكور قد تفاوضت مع الدائنين فإن نظام الرعاية الصحية كان فاشلا وكان تمويل المعاشات التقاعدية ينفد.
وقال بوريس فلاسيتش، كاتب عمود في صحيفة "يوتارني ليست" في زغرب "إنه ردة فعل الشعب على انتصارات كرة القدم، هو خروج مريح عن الواقع، بالطبع، وجرعة جيدة من التفاؤل للجميع، وأيا كانت النتيجة النهائية، ننتظر الواقع الصعب، فهناك مباراة يجب لعبها".
أرسل تعليقك