أجرى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان محادثات قمة مع الرئيس الايراني حسن روحاني، الذي قال خلال الاجتماع ان "ايران وتركيا وهما دولتان مسلمتان هما محور الاستقرار الاقليمي". ويعد هذا الاجتماع الرفيع المستوى جزءا من علاقة تاريخية ومتنامية بين ايران وتركيا، خصوصًا وأنه تزامن مع زيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز موسكو حيث التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس الخميس وناقش معه العلاقات التجارية وملفات الشرق الاوسط.
وأكد الإيرانيون في الاجتماع بين روحاني وأردوغان أن عدم الاستقرار في الشرق الأوسط كان خطأ "الانفصالية العرقية والطائفية وخطط الغرباء". وأشار روحاني إلى الحرب ضد الإرهاب، مشيرا إلى "داعش"، و"جبهة النصرة" و"حزب العمال الكردستاني" الكردي، وهذا الأخير يدل على أن إيران تريد أن تعرف تركيا أنها تشاطر وجهات نظرها. كما ناقشا ضرورة احترام حدود العراق وسورية وعدم قبول أية تغييرات جغرافية. وكان هذا إشارة إلى استفتاء إقليم كردستان الأخير الذي أبدى رغبته في الانفصال عن العراق. وتعهدت تركيا بأنها ستواصل زيادة الضغط على المنطقة الكردية من خلال العمل مع بغداد. وقال المرشد الاعلى الايرانى علي خامنئي لاردوغان ان استفتاء كردستان يعد محاولة من الولايات المتحدة لخلق "اسرائيل الثانية" في المنطقة. كما تناول اللقاء مناقشة الازمة السورية والعراقية، وتريد تركيا وإيران تعزيز العلاقات التجارة بينهم لتصل إلى 30 مليار دولار سنويا. وهذا من شأنه أن يزيد من استيراد تركيا للغاز الطبيعي من بين بنود أخرى.
جدير بالذكر ان تركيا وإيران على جانبين متقابلين من الحرب الأهلية السورية، مع إيران وميليشياتها الحليف الرئيسي للرئيس بشار الأسد وتركيا حليف رئيسي للمعارضة السورية. ولكن مع توطيد الخطوط الأمامية في شمال سورية، أصبحت تركيا تقبل حقيقة أن الأسد لن يسقط من السلطة. ويريد أن يحافظ على صورته كما يقف الشعب السوري على الرغم من ذلك، ولكي يفعل ذلك يجب على إيران وتركيا أن تتفقا على العمل معا على اتفاقات "التصعيد" التي سعت روسيا إلى تحقيقها في سورية. وتجري ايران وتركيا وروسيا جولات من المحادثات في استانا فى قازاخستان حول النزاع السوري.
وقال راجيب سويلو مراسل صحيفة "دايلي صباح" ان اردوغان سجل خلال زيارته الايرانية القول ان "القوات المسلحة التركية ستنتشر في ادلب في سورية لضمان اتفاق وقف التصعيد". في شمال البلاد، بإدخال القوات التركية إلى منطقة متقلبة حيث تتواجد النصرة وغيرها من الجماعات المتطرفة.
إن تقارب تركيا الواضح تجاه إيران ليس جديدا. حيث في تشرين الأول / أكتوبر 2009، قال أردوغان لصحيفة "الغارديان" إن "إيران صديق لنا". وفي ذلك الوقت كان محمود أحمدي نجاد رئيسا لإيران، وكان أردوغان رئيسا للوزراء في تركيا، ولكن حتى ذلك الحين قال أردوغان إنه "يتمتع بعلاقات جيدة جدا" مع الزعيم الإيراني. "لقد كانت تركيا وإيران تاريخيا ولا تزالان منافستين بدلا من شريكين وثيقين. وبينما قد يتقاسمان مصالح اقتصادية وأمنية معينة، فإن مصالحهما تتعارض مع العديد من المناطق في الشرق الأوسط ".
في عام 2014 ذهب أردوغان إلى إيران للقاء المرشد الأعلى علي خامنئي وروحاني. واعتبرت قناة "الجزيرة" ان "الولايات المتحدة تعتقد ان الانفراج بين تركيا وايران امر مهم لتحقيق الاستقرار على نطاق واسع في الشرق الاوسط وهو طفرة استراتيجية تأمل واشنطن في تحقيقها من المحادثات التي تجريها القوى العالمية مع طهران للحد من برنامجها النووي". . ووصفت وزارة الخارجية الايرانية هذه الاجتماعات بانها "مرحلة جديدة" في العلاقات. في أبريل 2016 عقد أردوغان وروحاني محادثات وناقشا تعزيز التجارة. الا ان العلاقات التركية الايرانية تفاقمت بعد ان طالب العراق بانسحاب تركيا من قاعدة عسكرية فى بشيقة بالعراق. وكانت القاعدة قد اقيمت جنبا الى جنب مع قوات البشمركة الكردية للمساعدة في تدريب السنة العراقية من الموصل للتحرر النهائي. وطالب العراق بانسحاب الأتراك في تشرين الأول / أكتوبر 2016. وأثار ذلك حربا بين أردوغان ورئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي. وقال المونيتور "ان الاتراك يلومون الولايات المتحدة وايران لتشجيع بغداد ضد انقرة".
وتعززت علاقات أنقرة مع طهران منذ أزمات أكتوبر/تشرين الأول. وفي يونيو / حزيران 2017 أرسلت تركيا قوات لحماية قطر بعد أن قطعت السعودية والإمارات والبحرين ومصر علاقاتها مع دولة الخليج الصغيرة. وقد نمت تركيا وإيران عن دعمهما لقطر. وقد نشأت أزمات قطر إلى حد كبير بتأكيد الإمارات والسعودية بأن قطر تدعم التطرف الديني، ولا سيما الإخوان المسلمين وحماس وحزب الله.
لماذا تقدم تركيا على هذا الأمر؟ لأن تركيا كانت لها علاقات إيجابية مع "الإخوان" و"حماس"، وهي العلاقة التي توترت مع مصر بعد إطاحة عبد الفتاح السيسي عضو الإخوان والرئيس السابق المعزول محمد مرسي من السلطة في عام 2013. ومع ذلك فإن تركيا تصرفت في العام الماضي لإصلاح العلاقات مع مصر حسنا. كما اعلنت انقرة شراء صواريخ مضادة للطائرات من طراز سى 400 من روسيا في سبتمبر/ايلول. وقال جوناثان سبير في مقال نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" الشهر الماضي ان هذا هو "اخر حدث في الانجراف المستمر في انقرة في السنوات الاخيرة بعيدا عن موقعها الاستراتيجي التقليدي في المنطقة كحليف للناتو والولايات المتحدة".
وقد سلطت هذه التطورات الضوء على الزيارة التي قام بها العاهل السعودي الملك سلمان لروسيا يوم الخميس. روسيا هي حليف رئيسي للأسد، في حين أيدت السعودية المعارضة. وجاء في البيان الرسمي للكرملين حول لقاء بوتين بسلمان ان هناك "تبادلا مفصلا حول وجهات النظر حول القضايا الدولية" بما فيها الشرق الاوسط وشمال افريقيا ". وعلى الرغم من ان اردوغان لم يتطرق الى الاجتماع السعودي الروسي، معارضة لقطع النفط عن المنطقة الكردية، لأن روسنيفت الروسية لديها مصالح هناك. وقالت صحيفة "ميليت" التركية ان ارتفاع اسعار النفط سيكون افضل بالنسبة لروسيا.
والقصة الأكبر لاجتماعات تركيا وإيران والسعودية وروسيا هي أن القوى الكبرى التقليدية في المنطقة ترى أن الحروب في العراق وسورية آخذة في الانخفاض وأنها تريد إعادة تأكيد ليس فقط سيطرتها ولكن أيضا الاستقرار في المنطقة. قد تكون هذه الأخبار صعبة بالنسبة لإسرائيل لأن إيران تنمو بقوة، وإشارات القادة الإيرانيين إلى كردستان على أنها "إسرائيل الثانية"، إلى جانب وسائل الإعلام التركية التي تنشر مؤامرات حول الموساد المتورطين في الاستفتاء الكردي، وتعزز المعارضة الإقليمية المستمرة لإسرائيل . والسؤال هو ما اذا كانت روسيا والمملكة العربية السعودية قد توازنان بين الاحترار للعلاقات بين انقرة وطهران. في كلتا الحالتين يبدو أن السياسة الأميركية تتجاهل مرة أخرى من قبل القوى الإقليمية التي ترى أن الولايات المتحدة أقل أهمية.
أرسل تعليقك