أكّد مسؤولو الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة أنّ محنة ما يقرب من 3 ملايين مدني محاصرين من قِبل القوات المعادية في محافظة إدلب شمال شرق سورية، تتفاقم يوما بعد يوم، إذ يخشون من وقوع كارثة إنسانية تلوح في الأفق، وبالنسبة إلى العديد من العائلات السورية تعد إدلب الملاذ الأخير، بعد نزوحهم القسري من منازلهم، في أجزاء أخرى من البلاد، ولكن أيضا هناك مخاطرة بأن يصبح الملاذ الأخير بلا مخرج، فهي ما أطلق عليه الناشطون "صندوق القتل" الذي لا مفر منه.
المدينة محاصرة من كل القوات
ويترسخ الجيش السوري، بدعم من القوات الروسية والإيرانية، إلى الجنوب والشرق، وتحظر القوات التركية الطريق الشمالي، حيث تحتل منطقة عفرين، بجانب استيلاء متمردي الجيش الحر على منطقة تحيط بإدلب، وأقام الأتراك في الأسبوع الماضي مراكز مراقبة، ولذلك فر العديد من اللاجئين إلى الجنوب حيث منطقة المتمردين في درعا، وسط مخاوف من هجوم حكومي جديد هناك.
وتعد إدلب آخر مقاطعة لا تخضع لسيطرة الرئيس بشار الأسد، ولذلك هي نقطة تجمع معارضيه، والذين لا يمتلكون مكانًا آخر للذهاب إليه، ولكن وضعهم مآسوي، حيث يحتاج نحو 1.7 ملايين شخص إلى مساعدات إنسانية.
ونُقل سكان الغوطة الشرقية إلى خارج دمشق، بعد إسقاط المنطقة المحاصرة واستيلاء الجيش السوري عليها، في وقت سابق من هذا العام، وقد جرت عمليات مشابهة في الأسبوع الماضي، شارك فيها أشخاص من مخيم اليرموك للاجئين، والحجر الأسود بالقرب من العاصمة.
تزايُد احتمال قصف الجيش السوري لإدلب
وأصبحت إدلب نقطة محورية لجماعات المعارضة المسلحة، حيث تحتوي على نحو 10 الآلاف جهادي، والكثير منهم على صلة بتنظيم القاعدة، وهم يسيطرون على جزء كبير من المحافظة، ويتزايد القلق من أنه إذا أطلق الرئيس الأسد هجومًا أخيرًا، فربما يحاولون المقاومة، ما يعرض المدنيين للخطر.
وتضغط إيران على الرئيس الأسد للتحرك، وذلك لأن إدلب عائق أمام طهران للوصول إلى البحر المتوسط من خلال العراق وسورية، وبعد سقوط الغوطة، قال مستشار الزعيم الإيراني الأعلى، على أكبر ولايتي، إن إدلب هي المرحلة المقبلة من التحرير.
وتحثّ روسيا على وضع حد للصراع المستمر منذ سبع سنوات، وأوصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هذه الرسالة شخصيًا إلى الأسد، هذا الشهر، وفي نفس الوقت، يخطط الرئيس الأميركي، دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من سورية، بجانب إنهاء المساعدات الأميركية المخصصة لإدلب، وكل ذلك ربما يكون بمثابة الضوء الأخضر للرئيس الأسد، لبدء الهجوم.
وتعزز موقف الأسد بعد سيطرته على جميع المناطق المحيطة بدمشق في نهاية الأسبوع الماضي، ومن المتوقع أن يصعد القصف الجوي اليومي على إدلب، وقد استخدم الأسلحة الكيماوية عدة مرات.
السيدات السوريات يُبدعن وسط الحرب
ووسط هذه المحنة المروعة، تمكنت العديد من السيدات السوريات في إدلب، من تجاوزها، وأظهرن مدى إبداعهن في تغيير هذه المآساة التي يعيشون بداخلها، إذ ترسم حملة "السلام المباشر" صورًا غير تقليدية للإبداع والابتكار.
وتعرضت المرأة السورية لممارسة أدوار قيادية بسبب الحرب، ويرجع ذلك جزئيًا بسبب غياب الآباء والأزواج والأبناء، والذين يقاتلون أو يموتون أو يفقدون.
وأثر النزاع السوري بشكل عام على النساء والفتايات، وبطريقة غير مناسبة، وبشكل خاص، أدت سيطرة الجماعات المتطرفة إلى تفاقم استبعاد المرأة من الأعمال القيادية، ولكن نساء إدلب يرفضن ذلك، حيث يقول تقرير حملة السلام المباشر "يواصل العمل المدني في إدلب العمل بفاعلية، ويواجه الهجمات من جميع الاتجاهات، وفي الأماكن المشهورة دوليًا بالمجازر، هناك قصص لا توصف لمئات المجموعات التي تقدم الخدمات للمدينين الباقين على قيد الحياة".
يساعدن الأطفال على التعلم والسيدات للعثور على عمل
من جانبها، تقول مريم شيروت، مديرة ومدرس في معهد الأطفال، ومؤسس مشارك للمظمة السورية لشؤون المرأة، ومديرة مكتب المرأة في مجموعة العمل المدني "زوم إن": "كل ما مررنا به يجعلنا أقوى"، مضيفة "نقوم بالعديد من الأنشطة مع الطلاب، نطهو الطعام ونوزعه على الأسر ذات الدخل المنخفض، وحين أرى الأطفال يأتون إلى المركز تحت القصف، لأنهم يريدون قضاء بعض الوقت معي ومع أصدقائي، لا أستطيع التفكير في التوقف عن مساعدتهم".
وتساعد شيروت السيدات في العثور على عمل، وتقول "العديد من النساء لديهن مهارات الخياطة، ولذلك نحاول إنشاء ورشة خياطة، حيث يمكن للنساء مشاركة أفكارهن الإبداعية، وتوجد امرأة نازحة من دمشق تُعيد تدوير الملابس".
التوعية بالتصرف مع الهجمات الكيماوية
وفي هذا السياق، تقول نورا خلبي، منسقة مشاريع لمراكز الخوذ البيضاء الفرع النسائي: "يقدم المركز الإسعافات الأولية للنساء، ويقوم المتطوعات بحملات توعية للهجمات الجوية والكيميائية، والتدريب على الإسعافات الأولية والتمريض، وبعض هذه المراكز موجدة في الكهوف، ومحصنة".
وتضيف "منذ البداية، كنا قادرين على تقديم خدمات مهمة، فلا يستطيع الذكور وحدهم في مجتمعنا رعاية النساء إلى الجرحى، فرغم معارضة فكرة عملنا في البداية، بدأ الناس يدركون الأثر الإيجابي لنا، ويريدون الآن أن تنضم بناتهم لنا".
الإعلام وسيلة أخرى للتوعية
ويقول رائد فارس، مؤسس ورئيس مجموعة الحملات الإعلامية "اتحاد المكاتب الثورية"، إن معظم الموظفين من النساء، ويديرن ستة مراكز للفتايات المراهقات، و12 مركزًا للأطفال، والمحطة الإذاعية الأكثر شعبية في إدلب.
ويوضح "دربنا 28 مرأة في الإذاعة، بما في ذلك محررات أخبار ومذيعات، وذلك لمدة عامين، وفي العام الماضي تم حظر الموسيقى وكذلك المذيعات من تقديم الأخبار، بقرار من جبهة تحرير الشام السلفية، ولكن باستخدام التكنولوجيا تمكنا من تغيير أصواتهن لتبدو مثل أصوات الذكور، أنا أشعر بالفخر لعمل مع فتايات طموحات".
إعداد النساء للمراكز القيادية
وتعمل فتاة تدعى مزنة، كمدير إداري لمركز "النساء الآن"، ودرست الهندسة الطبية، في جامعة حلب، وتقول "لدينا مركزان في إدلب، مركز تمكين ومقهى إنترنت للنساء، وتوجد غرفة رعاية نهارية وجليسات أطفال مدربات"، مضيفة "بدأنا ببرنامج القيادة، والذي يتضمن مجموعة من المهارات التي تعد النساء ليكون في مناصب صنع القرار، وساعدت هذه المهارات العديد من النساء على العمل مع المجالس المحلية والمنظمات المدنية، وبمجرد أن تحضر المرأة الدورات، فإنها تكتسب المعرفة وتتعلم كيف تكتسب الأصدقاء، هذا وحده يدعمها ويمكينها، كما تستمر أمي في إخباري أنها ترى أحلامها تتحقق من خلالي".
وتوضّح "أعرف العديد من السيدات من برنامج القيادة واللاتي يعملن الآن وأزواجهن في المنزل يجلسون مع الأطفال، وسواء كان هناك قصف أو لا، الحياة تستمر، لدينا الرغبة في الحياة، وتحقيق الاستقلالية".
أرسل تعليقك